وقف جلالة الملك خلال خطابه بمناسبة افتتاح البرلمان يوم الجمعة الأخير على أوجه الخلل الذي تعيش على إيقاعه العاصمة الاقتصادية، مبرزا تناقضات المدينة وفوارقها الاجتماعية الصارخة وما تسبح فيه من أوساخ ليخلص إلى افتقادها إلى الحكامة الجيدة. لعل من أبرز المظاهر التي تخدش صورة الدارالبيضاء، هي التفاوتات التي تعيشها المدينة وهذا مرده الى عدم الاهتمام من طرف المنتخبين أو الساهرين على الشأن المحلي البيضاوي بالأحياء المعروفة إعلاميا بالمناطق الهامشية، ونخص بها مناطق اسباتة، البرنوصي، مولاي رشيد، الهراويين، سيدي مومن، سيدي عثمان والحي المحمدي وغيرها من المناطق التي تجتمع فيها الفئات الفقيرة. إذ ظل اهتمام المسؤولين على مدى 11 سنة منحصرا على المناطق »الراقية« ،إذ أن توسيع الشوارع وبناء المشاريع المهمة يتم بها دون إعطاء أهمية إلى الأحياء الأخرى. وقد تعالت الأصوات غير ما مرة مذكرة بسياسة القرب التي نادى بها جلالة الملك في العديد من المناسبات، لكن ظلت الآذان المسؤولة صماء ليأتي الخطاب الملكي الأخير بخلاصة أن «الدارالبيضاء هي مدينة التفاوتات الاجتماعية الصارخة، حيث تتعايش الفئات الغنية مع الطبقات الفقيرة وهي مدينة الأبراج العالية وأحياء الصفيح». المال والبؤس و الأوساخ ركز خطاب جلالة الملك في شقه المتعلق بالدارالبيضاء أيضا على التناقضات التي تحولت إلى عنوان للعاصمة الاقتصادية حيث قال «»هي مركز المال والأعمال والبؤس والبطالة وغيرها، فضلا عن النفايات والأوساخ التي تلوث بياضها وتشوه سمعتها«. ففي الجانب المالي، نجد أن مختلف الخدمات المالية متمركزة وسط المدينة، ولم تجعل من المناطق والأحياء الأخرى إلا فضاءات للمبيت ولم توزع الإدارات في مختلف تراب المدينة، حتى تكون نقط جذب لاستثمارات تجعلها تؤهل هذه المناطق، حتى أن الحدائق نجدها متمركزة في أحياء راقية ولا تنعم بها الأحياء الأخرى، التي يعاني سكانها البؤس والهشاشة وهي المناطق التي توزع فيها الأموال الحرام خلال الانتخابات وتحرم ساكنتها من مختلف الامتيازات إن لم نقل الحقوق بما فيها حق النوم في مكان نظيف. وفي الجانب المتعلق بالنظافة، فإن هذا القطاع بعد أن تم تفويته إلى القطاع الخاص. أي شركات التدبير المفوض فقد أصبح يمتص ما يقارب ثلث ميزانية الدارالبيضاء، إذ أننا ننفق على هذا القطاع 62 مليارا سنتيم سنويا، 52 مليارا تتوزع بين شركات بيتزورنو، سيطا وتيكميد و10 ملايين تذهب إلى الشركة المكلفة بمعالجة النفايات بمطرح النفايات مديونة. هذه الشركات قدمها المسؤولون في 2004 على أنها منقذ الدارالبيضاء من الأوساخ والأزبال، وأنها ستقوم باستثمارات كبرى في المجال وستأتي بآلات خارقة للكنس وغيرها من الوعود لتجعل من الدارالبيضاء مدينة »نظيفة«. بمجرد ما باشرت عملها، سنجدها، ستلجأ إلى عمال البلدية للقيام بعمليات الكنس التقليدي مع هضم حقوق هذه الفئة، وأن عمليات »غسل« الشوارع بالمياه ما هي إلا حلم تم ترويجه للبيضاويين، وسنفاجأ ببعض هذه الشركات كما أشرنا إلى ذلك في العديد من المقالات، تحمل الأتربة والأحجار بدل الأزبال، للزيادة في الوزن واحتسابه على مالية الدارالبيضاء، وأن شاحناتها اهترأت وتترك من عصير الأزبال في الشارع ما يحتاج إلى شركة أخرى لتنظيفها. كما لجأت إلى العمل الحر من خلال نقل أزبال، وبتواطؤ مع منتخبين ستتحول الى ممول رئيسي لبعض المنتخبين في العمليات الانتخابية. البنيات التحتية جلالة الملك وهو يرسم في خطابه السامي الصورة الحقيقية للدار البيضاء، سيبرز إرادة الدولة في جعل الدارالبيضاء قطبا ماليا دوليا إلا أن أنها تفتقر للبنيات التحتية، حيث قال جلالة الملك »إن تحويل الدارالبيضاء إلى قطب مالي دولي، يتطلب أولا، توفير البنيات التحتية والخدماتية بمواصفات عالمية واعتماد التقنيات وطرق التدبير الحديثة. وهي لا تجتمع فيها مع الأسف كل هذه المؤهلات، رغم المجهودات الكبرى على مستوى التجهيز والاستثمار وخاصة ما يتعلق منها بالتأهيل الحضري«. التدبير والصراعات العقيمة قال جلالة الملك وهو يتحدث عن الدارالبيضاء أمام البرلمان، »فإضافة إلى ضعف نجاعة تدخلات بعض المصالح الإقليمية والجهوية لمختلف القطاعات الوزارية، فإن من أهم الأسباب، أسلوب التدبير المعتمد من قبل المجالس المنتخبة، التي تعاقبت على تسييرها، والصراعات العقيمة بين مكوناتها وكثرة مهام أعضائها، وازدواجية المسؤوليات«. منذ انطلاق الولاية الأخيرة لمجلس مدينة الدارالبيضاء، بدأت بوادر التعثر تظهر. صراعات بين المنتخبين جعلت ولادة المكتب عسيرة، إذ سنة بعد انطلاق مهمته، ستعيش الدارالبيضاء حالة بلوكاج دامت سنة وثلاثة أشهر، سيتفق خلالها الفرقاء المكونون للمجلس على »ضرب القانون« واستعمال أسلوب العرف في التسيير. إذ سيتم توسيع المكتب المسير، على عكس ما ينص عليه الميثاق الجماعي وستتشكل لجن غير التي وضعها المشرع في القانون المنظم للجماعات الحضرية. وستبدأ مظاهر جبر الخواطر. من خلال توزيع السيارات والهواتف ومنح بعض الامتيازات وستتداخل الاختصاصات، وسينطلق أسلوب الابتزاز للمتعاملين مع الجماعة الحضرية للعاصمة الاقتصادية. وقبل هذا فقد المجلس وقاره وأصبح الجميع داخل هذا المجلس، معرضا للسب والقذف والضرب أحيانا. غياب الحكامة الجيدة فبكلمة واحدة - يقول جلالة الملك في خطابه أمام البرلمان - »فالمشكل الذي تعاني منه العاصمة الاقتصادية يتعلق بالأساس بضعف الحكامة«.وهو الأمر الذي أصبح ظاهرا للعيان، فالمقاطعات لا دور لها في ما يتعلق بسياسة القرب أو الشاريع الكبرى للعاصمة الاقتصادية وتحول منتخبوها الى »عاطلين« سياسيين، مما جعل مصالح المقاطعات الإدارية تجحم عن أداء دورها. من جهة في ما يتعلق باستخلاص مستحقات الجماعة الحضرية للدار البيضاء في مجال استقلال الملك العمومي وباقي الرسوم التجارية وغيرها ومستحقات الأكرية التابعة للمدينة مما جعل خزينة الدارالبيضاء تخسر أزيد من 400 مليار سنتيم سنويا، وهو ما جعل مسؤوليها الذين حاولوا بشكل يائس خلق إدارة جبائية لم تفلح في مهمتها تعتمد القروض المالية من صندوق التجهيز الجماعي، إلى حد بلوغها الخطوط الحمراء وهو ما سيرهن مستقبل مالية الجماعة لثلاثين سنة على الأقل. عطالة المقاطعات وعدم إشراكها في اتخاذ القرارات ستجعل مسؤوليها، يحجمون حتى عن تقديم مقترحات مشاريع من شأنها أن تنمي مناطقهم اقتصاديا واجتماعيا، وهو ما عمق التناقضات والفوارق. التطهير حدد خطاب جلالة الملك الخصاص الحاصل في مجال التطهير بالعاصمة الاقتصادية في 45% لتظل المنجزات محدودة وأقل بكثير من حاجيات السكان مقارنة بما تم تحقيقه بالرباطوفاس ومراكش ومدن أخرى، وهو ما تعكسه على الخصوص، نسبة تصفية المياه المستعملة التي تبقى ضعيفة جدا، إذ لا تتجاوز 45 بالمائة بالدارالبيضاء، في الوقت الذي تم الإعلان فيه عن التطهير الكامل لمدينة الرباط، بنسبة بلغت 100 بالمائة، سواء في الربط بقنوات الصرف الصحي، أو في مجال تصفية المياه المستعملة، كما تصل النسبة في هذا المجال إلى 100 بالمائة بكل من فاس ومراكش«. لعل الجائل في العاصمة الاقتصادية سيلحظ البنيات الشاهقة والمدن التي انضافت الى الرقعة الترابية البيضاوية، و لعل المتتبع للشأن المحلي البيضاوي يعلم أن تصميم التهيئة للدار البيضاء انتهى العمل به في سنة 1989 ومنذ ذلك الحين إلى ما قبل سنة ظلت الرخص الاستثنائية هي القاعدة المحددة لعمران الدارالبيضاء. وهي الرخص التي منحت بعشوائية كبيرة، جعلت البعض من أثرى أثرياء المدينة، ومنحت منعشين أو »منهشين عقاريين امتيازات لم يكونوا يحلمون بها، وجعلت أرصدة أموالهم تفوق الحلم، وهو الأمر الذي شوه من جهة جمالية المدينة إذ نجد مدنا بدون مرافق لا اجتماعية ولا رياضية ولا خدماتية . وبتواطؤ مع مسؤؤلين، يتم ربط قنوات صرف مدنهم بقنوات الصرف الصحي العمومي على حساب جماعة الدارالبيضاء وهو ما أنهك ماليتها، وجعلها رهينة في يد شركة ليدك. أزمة نخب أنهى جلالة الملك حديثه عن الدارالبيضاء في خطابه السامي بالتوجه إلى الأحزاب السياسية، حاثا إياها على إفراز كفاءات ونخب جهوية جديدة، قادرة ومؤهلة لتدبير الشأن العام المحلي، وهي خلاصة في الصميم إذ نجد أن مجالس مقاطعات الدارالبيضاء ومؤسساتها المنتخبة مليئة، بمنتخب »ولد الدرب« ولا تعطي الفرص للكفاءات والنخب ذات المؤهلات التي يتطلبها تسيير المؤسسات المنتخبة. إذ أن البيضاء اليوم تعج بالمنتخبين المخضرمين الذين مازالوا قابعين من عهد »السليماني« الى اليوم وبنخب جديدة بدون كفاءة، وهو ما جعل بعض هذه »الكائنات الانتخابية« تجعل من العمل الجماعي «حرفة»« وعليه تبني مستقبلها وجعلها »تتخاوى« مع من يجب أن تحاسبهم على هدر مال المدينة. حتى أننا أصبحنا نجد منتخبا في مقاطعة وفي ذات الوقت مسؤولا بمجلس المدينة ومجلس الجهة ومجلس العمالة وغرفة الصناعة، وعضوا في البرلمان ورئيسا فعليا وشرفيا لمجموعة من الجمعيات، وعضوا في مجلس شركة ليدك والنظافة وبعض المؤسسات الوطنية وما إلى ذلك. وكلها بتعويضات ماليات وامتيازات غير متوقفة لعل أبسطها أن يتحول الى بائع للهواتف النقالة الممنوحة له من طرف هذه المؤسسات.