أصابني الهلع حين بلغني نبأ وجود الصحفي حميد أقروط من بين المحتجزين بالمركب التجاري بنيروبي يوم السبت 21 شتنبر المشؤوم . خفت الخوف كله دفعة واحدة .لم أجد الشجاعة حتى للاتصال ببعض أقربائه و أصدقائه و خصوصا فاطمة التي أعرف مدى حبها له و لباقي أفراد العائلة ، و هي التي لا تكف عن الحديث الجميل عنهم حتى كنت أحسدها على ذلك الوفاء. لما بلغني النبأ أحسست إحساسا غريبا و مركبا ، أحسست بأن الحياة غالية و أنها قد تزول بغتة في غفلة و سهو منا أو رغما عنا ، و من ثم تتجسد قيمتها و تفاهتها في نفس الآن . أحسست و أيقنت أيضا بجبروت القدر / الإرهاب الذي أضحى أكبر من القدر نفسه ، و صار يرتب يومنا و معيشنا و سعادتنا و فق أهواء صناعيه و مبتكريه و آلهته التي صارت أكبر من كل الآلهة . لا أحد يحمينا من الإرهاب. تنبهت أيضا إلى وضع العشرات المحتجزين هناك ، من كل الأجناس و الديانات ، هم كانوا في شهوة الحياة و الانطلاق ، ذنبهم الوحيد هو ممارسة الحياة و التواجد حيث هي ليجدوا أنفسهم في قلب الموت و الرعب و الإرهاب . هم و هن هناك لم ينتخبوا الحرب و الموت والرعب و الإرهاب .فأين يجب أن تكون في هذه الأرض أو الكون حتى تكون حرا طليقا آمنا وبعيدا عن شبح الاغتيال و الإلغاء من الوجود و السعادة البسيطة... تنبهت إلى كم مني ومن فاطمة ومن عائلات و أحبة كثر هم و هن في نفس اللحظة يتقاسمون المرارة نفسها ..يتوحدون في الخوف و في الصلاة و في السخط على القدر و على العالم وعلى الإرهاب . صارت ليلتها نيروبي قبلتهم و ألغيت كل قبلة وكل لغة وكل الأديان ، ألغيت في توحدها و تقاطعها مع الألم و الإحساس بالضعف أمام الغدر و القدر الغاشم. تنبهت أيضا إلى بديهية بسيطة و هي أن الإرهاب ليس وجهة نظر ، الإرهاب إرهاب و قتل و خوف و جريمة . الإرهاب هو الإرهاب فقط. كم هي رهيبة اللحظة.. حين تحس و بدون سابق إنذار أن الوجود قد يلغى في لحظة ..و من دون مبررات تخص المعني الحقيقي بالوجود و التواجد .. كم هي حارقة الأسئلة التي تأتيك بالعجز و ترغمك على اعتناقه. فقط تحس بأقصى درجات النفي و التفاهة و الدونية .. تحس بالانمحاء..تحس بأن الحياة تفقد وجودها في و جودها ومن وجودها . تحس بأن الإنسان و السعادة و الحياة شيء مجاز..أدركت أيضا أن الهدف من الإرهاب هو تبليغ رسالة العجز و الإجهاز على كل ما هو جميل ، الإجهاز على الحق في الوجود و على الحق في التفكير. هو الظلام التام في أقصى تجلياته . تذكرت في تلك اللحظة بعض كلمات فاطمة و هي منطلقة بعفويتها المعهودة حين تقول بين كل جملة و جملة عبارة La vie est belle الحياة جميلة... الحياة جميلة ..و تساءلت في خبث اللحظات مع نفسي عن موقفها الآن و في اللحظة الرهيبة من كون الحياة جميلة.. لا أستطيع أن أتصور موقفها و إحساسها و مرارتها لو تذكرت في نفس اللحظة نفس العبارة. و الآن و قد عاد حميد حرا سالما إلى أهله و أحبابه و إلى فاطمة و إلينا...و أخذنا في الابتعاد الرمزي و الذاتي عن المأساة ، مازلت أحس بمرارة غريبة ، وأطرح الأسئلة الحارقة ذاتها ، وأتبنى الموقف نفسه و أقول : «الإرهاب ليس وجهة نظر ، الإرهاب جريمة » . وأشكك جدا في مقولة « الحياة جميلة .. ! ؟ » و ما عاد في الجبة إلا القتل. * كاتب اي عقل هذا يا ابو العقول سيقبل بنظريتك الجديدة التي تعدنا بان اسعار قوتنا اليومي لن يمسها سوء رغم الزيادة في ثمن المحروقات..اي خيال واسع هذا يستطيع تصور انخفاضا في اسعار البترول عالميا مع غياب تام لاي مؤشرات في هذا الصدد ، بل العكس هو الحاصل كل الظروف مهيئة لتلتهب: ازمة عالمية، انعدام الاستقرار في الدول المنتجة،البترول طاقة غير متجددة..و يبقى التساؤل الملح في ملحمة الاشهار هذه هل كنا بالفعل بحاجة لهكذا اشهار؟؟ الم يكن يكفيهم تعذيبنا بازيادات فاصروا على تذكيرنا بها كلما سولت لنا انفسنا مشاهدة التلفزيون الوطني؟؟ هل هي سادية ام غباء ام استغباء؟؟ ليس غريبا ان تتظاهر الحمير في زمن حكومة الاستحمار..