شكرا سيدي ... لأن على عهد حكومتكم الموقرة التي وصفت مجازا لا حقيقة بأنها «حكومة شعبية» ...بدأنا نلمس أنها لم تعد تملك من شعبيتها إلا تدهورا في اللغة السياسية التي اصبح الكل مجبرا على الاستماع إليها، مادام مقص الرقابة لا يطال كلام وزرائنا و برلمانيينا ... فمنذ توليكم مسؤولية رئاسة الحكومة خرج الكلام الذي كنا نظنه محظورا علينا في العلن و الذي كانت ذاكرتنا الجماعية تحفظه سرا و لا تفصح عنه علنا، لهذا أضحى الكل يردد الآن عبارات من قبيل :»اللي فيه الفز كيقفز»،»مالي كنضرب الغرزة...»، «مزوار مافيدوش...»، «العفاريت والتماسيح...»،و غيرها من العبارات التي ستدخل قريبا قاموس اللغة السياسية ... شكرا سيدي رئيس الحكومة الذي أفرزته صناديق الإقتراع، و الذي يتمتع «بالشرعية» الديمقراطية العددية، و اسمح لي سيدي ان أُعمل قاعدة نادى بها عمر بن الخطاب لما تولى شؤون المسلمين و التي تتخذ لها شعار «اذا رأيتم اعوجاجا فقوموه» خصوصا وانك خذلت قاعدتك الإنتخابية، و صفيت حساباتك معها بدم بارد، و طرقت آخر مسمار في نعشها، لأنك لم تتعاقد معها على زيادة أعبائها، وإثقال كاهلها، و تهشيم أضلاع الذين لا يملكون غير حناجرهم سلاحا يواجهون به الظلم و ضنك العيش، و لا يملكون غير أجسادهم يقدمونها قربانا لنيل الكرامة و التمتع بمزيد من الحرية، وعلينا أن نتصفح دروس التاريخ جيدا علّها تكون لنا نبراسا نتجنب من خلاله منزلقات التيه التي نخشى بلوغها، فالذي يحظى بالشرعية هو من يلتزم فعلا لا قولا بالتعاقد الذي يبرمه مع من يمنحونه هذه الشرعية، ولنا في النموذج المصري خير مثال، لأن الشرعية ليست أبدية و من يمنحها اليوم يمكنه أن يسحبها غدا. شكرا سيدي بنكيران... لأنك أهل للشكر و الثناء فعلا، فلولاك ما أقنعنا أحد بصواب حلك لمعادلة العلاقة بين الزيادة في أسعار المحروقات و الزيادة في أثمان القوت اليومي للمواطن البسيط، ففعلا احتفظت قنينات الغاز بأثمانها في السوق لكن في المقابل «طارْتْ بَراكْتَها « فلم يعد المواطن يطلب المساعدة من أحد الجيران ليوصل القنينة إلى شقته، بل أصبح قادرا على حملها «بْلا جْميل حَدْ»، بل أكثر من ذلك أصبح المواطن البسيط يقتني عدة منتجات مُعلَّبة بنفس الثمن لكن ليس بنفس الكمية ، و هذا فعلا لا يدخل ضمن خانة الغش لأننا تعلمنا أن «من غشنا ليس منا « وختاما لا يسعني إلا أن أشكرك سيدي ... لأنك بدل أن تعلمنا أن تولي الشأن العام يقتضي احترام ذكاء المواطن حتى لو كان بسيطا جدا لكي يكمل معنا مشوار مواصلة بناء الدولة الديمقراطية علمتنا أن أمثال هذا المواطن يستحق أن تداس كرامته حتى لا يعيد نفس الخطأ الذي قاده إلى صناديق الإقتراع حالماً أن يكون لصوته ذات يوم قوة الجذب كما الدفع... وإذا كان البعض يرفض الاعتراف بالخطأ رغم فضيلته ، فيكفي أن نذكر ببعض المواقف والإجراءات ، لعلها تجد قلوبا تفقه ، وآذانا تسمع ، فتساهم في الخروج من هذا النفق المظلم الذي يشعر معه المرء وكأن هناك أمور سيئة تدبر لهذا الوطن ، وعن سبق إصرار: - لقد كانت السنة التكوينية الفارطة مناسبة لاختبار نوايا المسئولين ومدى جديتهم في اعتبار المراكز بحق قاطرة للنهوض بالتعليم ، حيث لم يطرأ أي جديد على بنية الاستقبال سوى التغيير الذي طال سن الدخول للمراكز وشهادة الإجازة أو ما يعادلها . فلا الهياكل تم إرساؤها ، ولا البنيات التحتية خضعت للتجديد والترميم أو التوسيع ،ولا عدة التكوين تم التصديق عليها . ما حصل هو اعتماد مضمون تكويني يتسم في عمومه بهجنة لا عهد للمراكز بها ، ومحتوى تطبعه الضحالة واللاعلمية ، في كثير من معارفه ومفاهيمه ، وترك المؤطرون يواجهون بحس سيزيفي منتوجا « بيداغوجيا «لا يملكون سوى لي عنقه وجعله يستجيب لمتطلبات المرحلة دون جدوى ، لتكون النتيجة أسوأ من المعروف سابقا . - لم تكن مباراة الدخول لتخضع للضوابط العلمية ، ولا لتختبر قدرات محددة سلفا ، أو تقيس معارف ينبغي أن تشكل منطلقات في التكوين ، وأرضية تبنى عليها المكتسبات اللاحقة . فهواجس لا علاقة لها بالجودة هي التي تحكمت في المباراة، مع استحضار ضغط الزمن ، وقلة الأطر، وعدم تمرسها بتقييم تخصصات تخرج عن دائرة اهتمامها ، حيث كل أساتذة مختلف المواد أسندت إليهم مهمة قياس القدرات اللغوية والتواصلية والمعارف المرتبطة بالعربية والفرنسية في سلك الابتدائي مثلا ، دون حرج ، وفي وضع مفارق ( أستاذ العلوم أو الرياضيات يختبر في العربية أو الفرنسية مجاز في اللغة العربية أو الفرنسية )، مما أشر على عدم مصداقية خطاب الجودة المتبجح به . - تدبير التقويم الذي عبر عن تدخل سافر للوزارة في أمور بيداغوجية يفهمها الأساتذة أكثر من غيرهم ، وقد بلغت مداها في تهريب هذا التقويم في مرحلة من أهم مراحله ، وهي مرحلة المراقبة، ليسند لعناصر خارج المراكز ، ممهدا الطريق للفساد المزعوم محاربته ، حيث الغش في واضحة النهار والإساءة أخلاقيا للمكونين حين تم إهمال منجزاتهم في التقويم المستمر والشك في نزاهتهم. أضف إلى كل ذلك التدبير الفوقي لزمن التكوين ومضامينه . وإذا كانت حصيلة السنة التكوينية للسنة المنصرمة في مستوى جد متدن قياسا للمتعارف عليه ، ولم تستفت الوزارة الأساتذة في رأيهم كحد أدنى ، فإن استمرار المسئولين على نفس نهجهم السابق ليندر بما هو أفظع . ذلك أن مواصفات المقبولين لتلقي التكوين ينبغي أن يحددها الأساتذة المكونون ، في إطار من الحوار العلمي الذي يأخذ بعين الاعتبار مهام مدرس الغد ، وشروط المهمة التي سينهض بها . وحيث إن الوزارة لم تستشر ذوي الاختصاص من الممارسين والباحثين ، فمعنى ذلك أنها تركب عجرفتها المعهودة لتنتج نماذج من المقبولين لا يقلون نقصا عن سالفيهم ، لا سيما في ظل أسطورة نزاهة المباراة واعتماد الشهادة لنيل رضا من تقطعت بهم سبل البحث عن عمل . فمن سيمتحنهم ؟ ومن سيشرف على امتحانهم ؟ ووفق أية ضوابط ؟ وما هي المواصفات المطلوبة ؟ ومن حددها ؟ وما علاقتها بالمطلوب في التكوين ؟ ومن سيصحح هذه المباراة ؟ ووفق أية معايير ؟ أسئلة كثيرة يطرحها الأساتذة بالمراكز الجهوية في انتظار ما ستتمخض عنه الاختيارات غير الديمقراطية ، وغير المنطقية ، ولسان حال بعضهم يردد : « اللي اعطاك شي حبل كتفوا به « وهي قولة تشي بنوع من السلبية في مواجهة واقع لا يقبل الصمت . إن مباراة الدخول لا تقيس المعارف والمهارات لتشبه بالامتحان المهني ، بل تقيس الاستعدادات أساسا ، وكل تساهل فيها سيرهن أجيالا من المغاربة ويعرضهم للمزيد من الجهل الذي يسم إنتاج تعليمنا في الكثير منه والمسئولية طبعا ستتحملها حكومة لم تكن قادرة على تطبيق مقررات أصدرتها على علاتها ، فتركت الأمر للمزاج ، والمزاج لا يمكن أن يصلح ما عجز عنه العقل في أحايين كثيرة . أقدمت السلطات المحلية ، مؤخرا، على إغلاق مجازر جماعات بوفكران، تولال، واد الجديدة، سيدي سليمان مول الكيفان ... ويبدو أن مجازر أخرى سينطبق عليها نفس القرار في مقبل الأيام ... وبذلك، تكون هذه الجماعات قد حرمت من أحد موارد رزقها في الوقت الذي تبخرت مناصب شغل للكثير من أبنائها العاملين بتلك المجازر. وتم الاستغناء، بالتالي، عن خدمات هذه المجازر العمومية التي في ملك الجماعات، بدعوى أنها تقليدية ولا تتوفر على المقومات الضرورية للقيام بمثل هذا العمل، مع العلم أنها كانت محط قبول وزيارات الأطباء البيطريين العموميين الذين يمنحون التأشيرات اللازمة لتسويق منتوجاتها لعدة سنوات خلت ... وقد أثارت عملية الإغلاق غضب الجزارين، سيما لما اقترن حرمانهم من المجازر الجماعية بإرغامهم على التعامل مع المجزرة الجديدة ، والتي تقع بمنطقة سيدي سليمان مول الكيفان، وذلك بالرغم من الإبقاء على فتح مجزرة عمومية تابعة لبلدية مكناس. وقد أعابوا على هذا الإجراء من حيث أنه كان من الأحرى توجيهم، إن كان لا بد من إغلاق مجازر جماعاتهم، إلى هذه المجزرة العمومية وليس لمجزرة في ملك الخواص. ومن أجل معرفة بعض تفاصيل قضية المجازر الجماعية وعلاقتها بالمجزرة الجديدة، سيكون من المفيد الرجوع إلى بداية مخطط استبعاد "الكرنات" التقليدية وتحويل جزاريها إلى زبناء "الكرنة" الحديثة. وكانت البداية، حسب إحدى الجرائد الوطنية ، لما دشن وزير الفلاحة والصيد البحري مشروع المجزرة يوم فاتح مارس 2011 التي تقدر كلفة بنائها ب 40 مليون درهم وكلفة تجهيزاتها ب50 مليون درهم. وقد حظي هذا المشروع بدعم من وزارة الفلاحة لا يتجاوز 10 بالمائة من كلفته الإجمالية. كما أقيم هذا المشروع بناء على اتفاقية مبرمة مع وزارة الفلاحة. ويتكون المشروع من مجزرة حديثة مجهزة بأحدث تقنيات الذبح والسلخ وتقطيع اللحوم ومجمد يوفر أفضل تقنيات المحافظة على جودة اللحوم. ويهدف المشروع إلى "تأهيل سلسلة اللحوم الحمراء والتنظيمات المهنية في إطار تنفيذ العقد البرنامج الخاص بتنمية سلسلة اللحوم ما بين 2009 و2014 ضمن مخطط المغرب الأخضر وتجميع حوالي 500 من رؤوس الأبقار المملوكة لنحو 200 من مربي الماشية بإقليممكناسوالحاجب وخنيفرة وإفران، وتحسين مستوى الإنتاج لبلوغ ما بين 400 إلى 500 كيلوغرام لكل رأس ومستوى مداخيل الفلاحين المجمعين لتصل إلى ما بين 77 ألف درهم و160 ألف درهم في السنة لكل مرب للماشية وإحداث أزيد من 240 منصب شغل قار». على ضوء هذه المعلومات، يتبين أن نفوذ المجزرة لن ينحصر في إقليممكناس، بل سيغطي أيضا أقاليم الحاجب وخنيفرة وإفران، فيما ستقتصر مساهمته في مجال التشغيل في توفير فرص الشغل وإحداث حوالي 240 منصب شغل قار على صعيد هذه الأقاليم جميعا. وبمجرد ما خرجت المجزرة إلى الوجود، اتخذت السلطات المحلية مجموعة من التدابير التي تصب في اتجاه إغلاق المجازر التقليدية. إذ رفضت مصالح وزارة الفلاحة التأشير على جودة اللحوم بسبب فقدانها للشروط الصحية، فيما قرر مكتب السلامة الصحية للمنتوجات الغذائية التابع لوزارة الفلاحة إغلاق جميع مجازر المنطقة «بسبب ما تم توثيقه من مشاهد صادمة داخل مجزرة بوفكران، قرر المكتب إغلاق جميع مجازر المنطقة، رافضا بذلك التأشير على جودة اللحوم التي تخرج من هذه المجازر » وفق إحدى الجرائد الوطنية. مما يعني أن قرار إغلاق كل المجازر قد تم اعتماده انطلاقا من حالة مجزرة جماعة بوفكران. وبعد ذلك، قامت مصالح وزارة الفلاحة بمطالبة الجزارين بالتوجه إلى المجزرة الجديدة. وفي نهاية المطاف، كان قرار السلطات المحلية هو «منع كل أنشطة الذبيحة بجهة مكناس والقرار قضى بتحويل أنشطة كل الجزارين إلى المجزرة الجديدة». وقد تم تنفيذ القرار بإغلاق المجازر والرمي بالجزارين والعاملين معهم إلى الشارع بكل بساطة. وبخصوص حالة المجازر المتوفرة في جميع أنحاء الوطن وعلى ضوء ما جاء في مقال بجريدة وطنية أخرى، فإن «ثماني مجازر فقط تتوفر على "بيوت التبريد"من مجموع المجازر المتواجدة بالمغرب وعددها 722 مجزرة بلدية وقروية» إذ «أن الظروف التي يمر منها إنتاج اللحوم الحمراء، في غالبية المجازر، تبقى دون المقبول»، مع الإشارة إلى أن «المغرب يتوفر على 182 مجزرة بلدية و540 مجزرة قروية مراقبة بكمية إنتاج تقدر ب49 ألف طن من اللحوم الحمراء، ويسجل هذا القطاع رقم معاملات هام يصل إلى 22 مليار درهم سنويا...». وبناء على هذه المعطيات، يتضح أن جل المجازر في المغرب توجد في وضعية لا تحسد عليها، وهي شبيهة بالمجازر الجماعية التقليدية بمكناس، لكنها، بالرغم من ذلك، تساهم في خلق فرص عمل مهمة وتنشيط الاقتصاد المغربي وتنمية مداخيل جماعاتها ... ومع كل الإيجابيات المسجلة لصالحها، لو كتب لها أن تتواجد بإقليممكناس، لكان مصيرها هو الإغلاق مقابل توفير عدد قليل من مناصب الشغل القارة لا تسمن ولا تغني من جوع من طرف مجازر حديثة ولأغرقت سوق الشغل بأعداد غفيرة من العاطلين من جراء إغلاقها ... وفي هذا المجال، يمكن للمرء أن يتساءل عما يمثله رقم 240 منصب شغل في منطقة تضم أقاليم مكناسوالحاجب وإفران وخنيفرة أو في إقليممكناس فقط مقارنة مع ما تشغله المجازر التقليدية من يد عاملة ؟! من المؤكد أن مساهمة المجزرة الجديدة في التشغيل هي جد محدودة ومن شأن من دعمها ماليا وانحياز السلطات لها أن يعمل على التضخيم من حجم البطالة والحكم على أفواج كبيرة من المواطنين بالتشرد والضياع مباشرة بعد إغلاق المجازر الجماعية. وعليه، يتبادر إلى الذهن سؤال مشروع حول القيمة المضافة للمولود الجديد على صعيد وفرة اللحوم الحمراء في متناول عموم المواطنين وعلى صعيد قطاع التشغيل. زيادة على ذلك، فإن الجماعات البلدية والقروية المعنية بالإغلاق ستحرم ميزانياتها من مداخيل قارة نتيجة استخلاص رسوم الذبح ... كيفما كان تواضع هذه المداخيل، ستساعد تلك الجماعات على قضاء بعض الحوائج بما تدره المجازر التابعة لها ... وما دام قد تم حرمانها من هذه الموارد المالية، كيف سيتم تعويض خسارتها في هذا الباب؟ وفي ما يخص المجازر باعتبارها مرافق عمومية أغدقت عليها الجماعات أموالا طائلة لبنائها وتجهيزها قياسا إلى إمكانياتها المتواضعة أو الفقيرة، ماذا سيكون مصيرها؟ أم أنها سيطالها الإهمال وسيتم التعامل معها كأن شيئا لم يكن وتدخل هذه التصرفات في خانة إهدار المال العام بالنظر إلى قيمة ما رصد إليها من أموال في كل الجماعات. وستظهر أهمية الأغلفة المالية المرصودة لتمويل المجازر متى تم القيام بعملية جمع بسيطة لهذه النفقات في مجموع هذه الجماعات. وربما تفاجأ المسؤولون المحليون بكونها تفوق كلفة المجزرة الجديدة المفروض على الجزارين التوجه إليها دون غيرها. هؤلاء الجزارون اعتادوا على التوجه إلى المجزرة التابعة لجماعاتهم ويستفيدون من عامل القرب ومن انخفاض رسوم الذبح وما جاورها ومصاريف النقل ...، سيجدون أنفسهم مضطرين إلى دفع أضعاف ما يسددونه لجماعاتهم مقابل نفس الخدمات ... أليس من شأن هذا أن تكون له انعكاسات على أثمان اللحوم الحمراء؟ ألن يتضرر الجزارون والمواطنون، في آخر المطاف، من تبعات هذا التحول ؟ أضف إلى هذا أن هناك جماعات، بمثابة نقط العبور، تلعب فيها المجازر دورا منشطا للحركة الاقتصادية نظرا لشبكة علاقاتها مع المطاعم والمقاهي التي تستقبل أعدادا كبيرة من المسافرين والمواطنين القاطنين بنفس الإقليم الذين يتوافدون عليها كل يوم ، كما هو حال بوفكران أو واد الجديدة ... ألن تتأثر الحركة الاقتصادية من إغلاق المجازر وتحكم على تلك المطاعم والمقاهي بالتقليص من خدماتها على أقل تقدير، ولم لا الإفلاس والإغلاق في النهاية مع ما يستتبع ذلك من تشريد العاملين بها وتأثر مالية الجماعات المعنية كذلك؟ أمام هذه المخاطر المحدقة بالجماعات التي فرض عليها إغلاق مجازرها، كان على القائمين بشؤونها أن يشكلوا طليعة من ينادي بعدم إغلاقها مستحضرين في ذلك مجمل الانعكاسات السلبية الاجتماعية والاقتصادية والمالية لقرار الإغلاق ... وكان عليهم ثانيا أن يحافظوا على المرافق العمومية لجماعاتهم والعمل على إصلاحها بما يليق بالخدمات الموكولة إليها وعدم الانصياع بسهولة لأوامر السلطات المحلية والدفاع عن الممتلكات الجماعية والحرص على تأهيلها وتطوير خدماتها بما يحافظ على صحة وسلامة مواطنيها. كما كان يتعين على المسؤولين المحليين التابعين للسلطة ولمصالح وزارة الفلاحة أن يتعاطوا مع الموضوع بنظرة شاملة تعالج القضية من مختلف أبعادها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والمالية قبل اتخاذ قرار إغلاق المجازر ... فالصورة الراسخة عند الجزارين والمواطنين على السواء هي أن السلطات قد أسقطت من حساباتها مصالح الجماعات ومجازرها العمومية وجزاريها ومواطنيها وانحازت إلى خدمة مصالح مجزرة في ملك القطاع الخاص وإرغام الجزارين على التوجه القسري إلى هذه المجزرة تحديدا. الحال أن بلدية مكناس تتوفر على مجزرة عمومية حديثة بإمكانها التكفل بتقديم الخدمات المناسبة للجزارين الذين أغلقت مجازر جماعاتهم. آنذاك، سيترآى لهم أنهم أخضعوا لعملية تنقيل من مجزرة عمومية إلى مجزرة عمومية وسيتقبلون الفكرة في انتظار الإصلاحات المطلوبة لمجازرهم الجماعية. لقد أثار موقف السلطات استغرابهم إذ بدا لهم أن الخيار المنطقي والطبيعي هو توجيهم إلى المجزرة العمومية لبلدية مكناس وليس إلى مجزرة في ملكية الخواص. كل هذه العوامل كانت وراء الاحتجاجات المتواصلة للجزارين في الجماعات المستهدفة بإغلاق مجازرها. لقد بدت لهم مواقف السلطات الإقليمية والمحلية ومسؤولي الفلاحة والقائمين على شؤون الجماعات بمثابة انقلاب عما كانوا يخصصونه من رعاية ومن تزكية لخدمات المجازر الجماعية لمدد طويلة. ويصعب عليهم استساغة هذا التغير المفاجىء في الموقف الذي يتجلى في ممارسة هذه الجهات مجتمعة لضغوط قوية هدفها الاستسلام لإرادتها والارتماء في أحضان المجزرة الجديدة رغما عن أنفهم. وقد استطاعوا بحسهم الفطري الوقوف على التناقض الصارخ الذي سقطت فيه الجهات المسؤولة ، في الوقت الذي كان عليها، بحكم انتسابها للدولة، الانحياز إلى الدفاع عن القطاع العمومي وتصريف هذا الموقف من خلال توجيه الجزارين إلى المجزرة العمومية التابعة لبلدية مكناس. بهذه الطريقة، سيعبر كل مسؤولي الدولة محليا أنهم في خدمة القطاع العام ومصالح المهنيين والمواطنين في نفس الآن. الخطير في الأمر أن هؤلاء المسؤولين قد انساقوا وراء الوقوف بجانب المجزرة الجديدة متناسين ومتجاهلين المشاكل المترتبة عن هذه الخطوة غير المحسوبة العواقب ولم يخطر في بالهم أن الجماعات المعنية بقراراتها ستكون هي الخاسرة على عدة أصعدة متصلة بالانتقاص من مداخيلها وفقدان عدد من مناصب الشغل والتخلي عن مرافقها وضياع كل أموال استثماراتها وإنفاق الجزارين لنفقات إضافية لاستجلاب اللحوم الحمراء وتأثر المواطنين من احتمال غلائها نتيجة لذلك ... بكلمة، كل هذه القرارات لا تخدم مصالح الجماعات المغلقة أبواب مجازرها على أكثر من صعيد. وعوض الارتماء في حضن القطاع الخاص، كان على المسؤولين سلوك اتجاه مخالف خدمة للصالح العام والقطاع العمومي بالأساس أو الاقتصار على دور الحكم في إطار منافسة "شريفة" بين المجازر المتواجدة على تراب الإقليم. وبما أن الإغلاق قد أصبح واقعا ملموسا، كان على المسؤولين التزام الحياد وإعطاء الجزارين حرية اختيار الطرف الذي سيتوجهون إليه ، أكان ذلك المجزرة العمومية أو المجزرة الخاصة. بالموازاة مع هذا الإجراء المؤقت من ناحية المنطق، تنخرط الجماعات في عمليات إصلاح مجازرها بما يليق بتقديم الخدمات المرجوة وفقا للقانون المعمول به، وذلك من أجل إعادة فتحها في وجه الجزارين المحليين كما كان الأمر في السابق. خلافا لما سبق ذكره، ابتدع المسؤولون "دراسة اقتصادية " Une étude économique متقنة وعملية تمكن المجزرة الجديدة من الاستحواذ على حصة مهمة من سوق اللحوم الحمراء بإقليممكناس والدخول مباشرة في منافسة مجزرة بلدية مكناس. وغاب عنهم استحضار الأضرار الناتجة عن هذا الاختيار الداعم للقطاع الخاص من حيث الاستغناء عن المرافق الجماعية وهدر الاستثمارات المنفقة عليها وتقليص فرص الشغل وإثقال كاهل الجزارين بمصاريف إضافية وحرمان الجماعات من مداخيل قارة والتسبب في ارتفاع أسعار اللحوم ... ونخشى ما نخشاه من أن تمتد يد المجزرة الجديدة إلى أقاليم أخرى ومجازر أخرى وأن تنال رضى المسؤولين المعنيين إيذانا باختفاء المجازر الجماعية ونصرة للمجزرة الخاصة وانعكاساتها السلبية على المواطنين عامة.