جاء كذلك في كراسة الباعقلي المذكورة حين ترجمة سيدي عبد الله ابن الحاج خالد الاغرابوي (المعروف بالفضل والبركة) وكان من الملازمين لزيارة الشيخ سيدي احمد بن موسى ما يلي: قال لنا رحمه الله: كنت اغذو الى مسجد (موزايت) في الليل للعبادة، واطفئ المصباح لئلا يتفطن بي اهل المسجد من نقصان زيت المسجد، ثم بعد ذلك ذهبت لزيارة الشيخ سيدي احمد بن موسى، فلما لقيته قال لي: انك تطفئ مصباح مسجد (موزايت) مخافة نقصان زيته، والله لا ينقص ولو اوقد ليلا ونهارا.. هذه نماذج من الكشف نسبت الى سيدي احماد اوموسى وغيرها كثير. وقبل أن نورد نماذج من ا لترسم والفراسة نقترح تعريفا ولو موجزا لهما: »التوسم بمعنى التفرس أي المعرفة النافذة أو البصيرة، والمتوسمون هم المتفرسون في الدين والمتعرفون على حقائقه والمتبصرون الذين يثبتون في نفوسهم حتى يصلوا الى الحقيقة، وقد ذكرهم الله تعالى في قوله: »إن في ذلك لآيات للمتوسمين"« كما روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: »أنه قال: »اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل«.. والفراسة ليست من عالم الغيب بل هي علم نوراني أودعه الله في قلب عبده المؤمن القريب إليه، والمشغول به، والفراسة غير الظن، لأن الظن يخطئ ويصيب حسب طهارة القلب وظلمته، كثيرا ما يخطئ وقليلا ما يصيب، ولهذا أمر تعالى باجتناب كثير من الظن، وأخبر تعالى أن بعض الظن إثم، أما أصحاب الفراسات فأثنى الله عليهم فقال تعالى: »يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم...«. والمتفرس إذا جالس أحدا من الناس يطلع على سره فهو جاسوس للقلوب، فقد ألقى الله في روع سيدنا أبي بكر الصديق أن أحد الصحابة هو (بطن بن خارجة)... فكان ذا حقا وصدقا... فالذي ينظر بنور الله ينفذ الى الأشياء والحجب فيرى ما هو مقدر ومكتوب.. وكان أبو بكر رضي الله عنه في قمة المتفرسين حيث استخلف على المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. كما كان صاحبة موسى عليه السلام صاحبة فراسة أيضا حين قالت: »استأجره فهو القوي الأمين« وكذلك العزيز حين تفرس في سيدنا يوسف، وقال لامرأته: »أكرمي مثواه...«. ويرى أئمة الصوفية أن الفراسة موهبة دائمة في جميع الأوقات يحظى بها الولي كمنة إلاهية، ونفحة ربانية ويستخدمها حيث شاء، فهي في أخلاق الصوفي وسلوكه وطبيعته لأنه ينظر بنور الله، ولأن قلبه قد تطهر من الحظوظ والهوى، فلم يعد ينظر ببصره وإنما ببصيرته ويلهم بالحق إلهاما... نماذج من الفراسة والتوسم: (1) تقول الرواية الشفوية في سبب بقاء حفدة الشيخ سيدي أحماد أو موسى من أبناء ابنه عبد الله قاطنين بالزاوية دون غيرهم من حفدته أبناء أبنائه الأربعة الآخرين (محمد فتحا - علي - ولحسن وعبد الباقي) أن الشيخ خرج مرة كعادته يتمشى بوادي تازروالت، فتفاجأ بأبنائه وهم يسبحون مع أقرانهم في »برك{« بالوادي، فلما لمحوه تفاجأوا بدورهم، فتفرقوا مختبئين خلف اشجار الوادي إلا ابنه عبد الله، الذي تداركه الوقت، فلبث وسط »البركة« مستثرا بمائها، فقال الشيخ لمرافقيه بأن من سيعمر أرض الزاوية هم أبناء عبد الله من حفدته، أما الآخرون فإن أبناءهم سينتشرون في الأرض خارجها.. وهكذا صدق تفرس الشيخ وتوسمه، فأغلبية ساكنة الزاوية هم من ابنه عبد الله ذاك الذي استثر بزرقة مياه وادي تازروالت.. والله أعلم... (2) جاء في الصفوة حين الحديث عن الشيخ أبو اسحاق مولاي ابراهيم حفيد الولي الصالح سيدي عبد الله بن حسين التامصلوحتي الأمغاري: »أنه استمد من جده المذكور مع ا لشيخ الشهير أبي العباس سيدي أحمد بن موسي السملالي، وكان أبو العباس قدم تامصلوحت برسم ملاقاة سيدي عبد الله بن حسين في بعض قدماته على السلطان الغالب بالله بمراكش، فوجد صاحب الترجمة وهو صبي يدرج بين يدي جده، فقال الجد لأبي العباس: ادع له؟ فدعا له، وكانت بقرب الشيخين دجاجة تقرقر، فقال أبو العباس: ان هذه الدجاجة تقول في قرقرتها »كيك كيك» وهو حكاية صوت الدجاج عند القرقرة، فهل عندكم موضع اسمه كيك؟ فقال له: نعم، فقال أبو العباس: إ هذه الدجاجة تقول: إن هذا الصبي لا يظهر أمره، ولا يلمع سره إلا بذلك الموضع، فكان الأمر كذلك. فإن صاحب الترجمة لما توسم فيه الناس الخير، ولاحت عليه مخائله، اجتمعت عليه شرذمة من الفقراء وتلمذوا له، وذلك بداخل مراكش، فأنكر ذلك سلطان الوقت زيدان بن أحمد وأمر بالقبض على صاحب الترجمة »فخرج من المدينة خائفا يترقب« فاستقر به الرحل بموضع يقال له: »كيك« من عمالة مراكش قبيلة سجتانة، ولم يزل به إلى أن توفي، وهناك شاع ذكره، وفاح على ا لمريدين سره، فقصده الناس من الآفاق البعيدة وشدوا له الرحال من النواحي الشاسعة وازدحم علي بابه ما لا يحضى، حتى اجتمع عنده في بعض الأيام ثلاثون ألفا من الرجال، وتسع آلاف من النساء، وكانت له بركة ظاهرة في الطعام..«. (3) وجاء في الفوائد »ومن ذلك ما أخبرني به غير واحد من قرى مسكدادة، عن المراة الصالحة المعروفة عندهم بالاستقامة والبركة الظاهرة، حواء بنت عبد الله، أن سبب وصوله أن الشيخ (يقصد سيدي أحماد أموسى) ورد بلدهم في أول أمره وهي صبية، فتبعته في طريقه تحكي مشيته كما يفعل بعض الصبية، فالتفت إليها فقال لها: بارك الله فيك كذلك تمشين، قالت: فبقي سرالتفاته وأثر مقالته في قلبي حتى عقلت فأتيته، فقال: أنت حاكية مشيتي، قلت نعم! قال: وصلت فكان لها في الوصول مقام شريف«. لنرجع الآن الى الكرامات: من الأشياء التي أوردها صاحب تعريف الكرامة المذكورة ككرامة هو: قلب الاعيان كتحويل المعدن الخسيس الى نفيس وثمين كالرصاص أو النحاس الى ذهب.. وقد رأينا موقف سيد حماد أموسى حين سئل وطلب منه السائل تعليمه ذلك: أي صنعة الكيمياء التي كان تعني فيما تعنيه في ذلك الوقت: السحر فسجل الشيخ موقفا في ذلك ومنه.... ترى لو كان سئل عما سنورده...؟ قالوا: أ. في طي المكان: (1) جاء عند ادفال: »[...] حدثني ولد السيد الفقيه العالم الناصح المكاشف السيد أحمد بن عبد الرحمان بزاوية هذا السيد في أواخر رجب الفرد سنة 969 ه وهو إذ ذاك وإخوته بها عند الشيخ. أن والده قال: ما في أولياء الله تعالى القدماء من المناقب ففي سيدي أحمد بن موسى وأكثر من ذلك. وحدثني عن والده نفعنا الله به، أنه قال: كان شيخه العالم العلام سيد الحسن ين عثمان في مجلس اقرائه يوما، فحمد الله تعالى مرتين أو أكثر، ثم قال: إن سيدي أحمد بن موسى طلع جبلا مسيرته ثلاثون شهرا بين الظهر والعصر. هاتان الحكايتان أحدهما سمعها الوالد المبارك من أبيه والأخرى بواسطة سيدي محمد المعروف بالدراوي، الكائن عندهم. وهذا الجبل الذي ذكر أنه طلعه هذا السيد لم يسمه، وقد كنت سمعت من الناس أنه طلع (جبل قاف). بين الظهر والعصر، وكذا حدثني رجل لم اتهمه! عن سيدي محمد الدراوي أن سيدي أحمد بن عبد الرحمان وبعض الأشياح الكبار، قالا لرجل: إن سيدي أحمد بن موسى طلع (جبل قاف) ثم قال لهم ذلك الرجل: رأيت في الكتاب أن مسيرته أربعة أشهر، فاذهب بنا إليه، فإن كان طلعه ظاهرا فسيذكره لنا أو نحو هذا، فذهبوا إليه، فقال ذلك الرجل أطعلت (جبل فاق) فقال: نعم، طلعته في يوم مسيرة شهر وفي ربع يوم مسيرة شهر، وفي ربع آخر مسيرة شهر، وفي ربع آخر مسيرة شهر ونحو هذا من الكلام. (2) ويضيف أدفال: »[...] وحدثني رجل ثقة أنه سمع الشيخ المذكور يقول: »كنت أسير مسيرة ثلاثة أشهر في يوم، وأنه نادته أمه فسمعها في مسيرة سنة فرجع... (3) دائما كلام افال: »(...) وحدثني بعض الفقراء أنه حدثه فقير أنه قال: كان قادما من بعض قرى بلاد (حاحة) مع سيدي سعيد قاصدين زاوية الشيخ سيدي سعيد، والشمس على حال الغروب، ثم لقيا رجلا وسلم على الشيخ ثم قال ذلك الفقير لسيدي سعيد بعد ذهاب ذلك الرجل: لنجد في السير لعلنا نبلغ قرية فلان، لقرية من قرى (حاحة) وأما بلدته فبينها وبينه مسافة يوم ولم يطمعها تلك الليلة، فقال سيدي سعيد لذلك الفقير: إن الرجل الذي لقيناه أراد أن يصلي المغرب (مكة) فكيف لا نصليها نحن ب (بني داود) زاويته، فقال له الفقير: من الرجل يا سيدي، فقال له: سيدي أحمد بن موسى، وذهبا هما وصلياها بزاويته...« (4) ويقول أيضا: »(...) وقد حدثني بعض الفقراء أنه - أي سيدي أحمد بن موسى - قدم مرة على الشيخ سيدي عبد الكريم نفعنا الله به، فلما ذهب الى أهله، شيعه سيدي عبد الكريم، فلما رجع عنه شرع يلتفت، فقال له أصحابه: ما الذي تلتفت إليه يا سيدي، فقال لهم ذلك الرجل الذي شيعته دخل بعض بلدة (جزولة)..« (5) ويضيف: »(...) سمعت أن بعض الناس أتى إليه من (المدينة ومن (العراق) فلما رآه قال: لو علمت أنه هو لما أتيت إليه، إذ أنه محضر عندنا كل زمن كذا ذكر من سماه، وسمعت أنه خرج مرة يوم الجمعة من (تارودانت) ودار بالدنيا كلها ودخل (تارودانت) يوم الجمعة الأخرى وسمعت ايضا أنه خرج مرة أخرى مع بعض اصحابه نحو الكعبة، ثم دار نحو (مكة) وأتى أصحابه وفي يده عصا خضراء، يوتى به من المشرق ونحو هذا...« ب - في كلام البهائم والجماد: (1) جاء في وريقات عبد الله بن عمر السكيتي: (...) وعنه أيضا (المانوزي) أن غرابة قربت من مجلس الشيخ رضي الله عنه يوما، فتكلمت ثلاث مرات، فقال آمين، فامن الحاضرون معه، فلما انصرفت، قال لهم الشيخ رضي الله عنه: إن هذه أختنا في الله تطلب الدعاء... وسمع مقيده أيضا عن صاحب الروضة المباركة الفقير البعقيلي: أن الشيخ جلس يوما في مجلسه فاجتازت بقرة ذهب بها مالكها إلى (إفران) فتكلمت قبالة الشيخ ثلاث مرات. فقال لها الشيخ رضي الله عنه: أمين ثلاثا. ثم قال رضي الله عنه: أتدرون ما قالت هذه البقرة، فقيل له: قال: إنما قالت أدعو الله أن ينجيني من حديد جزارة أهل (إفران) فقلت آمين. فلما رجعت اجتازت قبالة الشيخ أيضا فتكلمت مرة واحدة، فقال لها: الحمد لله. ثم قال رضي الله عنه للحاضرين: إنما قالت: ها أنا نجوت والحمد لله: فقلت لها: الحمد لله«. (2) وجاء عند ادفال: »...« وقد سمعت أن امرأة سرقت لها عنزة ودعت الذي اتهمته إلى سيدي أحمد بن بموسى، فقال له سيدي أحمد بن موسى ادفع لها عنزتها، فقال: له: ما سرقتها، قال للمرأة ما إسم عنزتك؟ فقالت له كذا وكذا،فناداها سيدي احمد فقالت العنزة في بطنه(باع) لكن هذه الحكاية لم أسمعها من ثقة لكن لا تستبعد هذه في حق هذا السيد.. فقد كثرت كراماته رضي الله عنه وسمعتها شائعة ذائعة على ألسنة الناس مع شدة إخفائه لها...«. (...) وحدثني رجل أنه خاطبه القصب الذي بجانبه ب (تازروالت) قال له: أربعمائة سنة هنا أنتظر مجيءك، أو نحو هذا، حدثنا بذلك المحدث المذكور بمسجد زاويته السنية! ونحن نتحدث عن فضائله. قال لم يسمع ذلك من سيدي أحمد بن موسى بنفسه بل بواسطة. وحدثني أنه مرة رحل من بلده فسمع الاجبال تخاطبه: إلى أين يا سيدي أحمد؟ فرجع«. ج - كرامات أخرى (1) جاء في الفوائد: »أن صبيا أقعد أتي به، فكلم في شأنه من بالمجلس من الطلبة والفقراء، فأخرج له أحد الفقراء شيئا من الدقيق فناوله الصبي ثلاث مرات فقام من حينه، فقال لصاحب الدقيق: من أين لك هذا الدقيق؟ قال له: ترك لي والدي بقعة براحا، فكنت أحرث نصفها لمعيشتي وأرعى بقرتي في نصفها الآخر. فقال: انظروا ما يفعل الحلال؟«. (2) وقال ادفال: ».. وحدثني بعض أصحابي أنه قال لهم سيدي محمد المعروف بالدراوي القاطن ب( تيزركين) وكان خديما لأهل السيد: قدم على الشيخ مرة الأضياف، ووجد الحال عند سيدي الشيخ نحو من ثلاث صاع من الشعير وقال سيدي محمد لسيدي أحمد: اقسم هذا بين عشائهم وبين غذائهم، فقال له سيدي أحمد: لا بل أجعله للعشاء، فجعله كله لذلك، ثم صعد الشيخ للموضع الذي يعبد الله فيه، ثم إلى نصف الليل فناداه، فقال له: ارفع ما في الاندر فإذا فيه نحو صاعين من القمح، وصاعين من شعير وصاعين من الجلبان والله أعلم. وصنع غذاء لهم من ذلك وبقيت منه بقية...«. (3) وجاء في الفوائد: »...« ومنها ما حدثتني به أحمد بن سعيد الركيتي، قال: أخبرني الفقير المسن حسين بن عبد الله الركيتي - وكان من تلاميذه - أنه ذهب إليه مرة، فقال له: يا سيدي إني سكنت بقرية بور لا ماء فيها، وإني أحتاج إلى خضرة طعام، فقال له: تحفظ على شجرة تنبت بطرف ساحة مسكنك ورد إليها عقلك، فرجعت ونسيت، ومر علي زمان ثم رأيت غصنا صغيرا أوراقه مثل ورق التين نبت في ساحة الدار، كلما ظهر أكلته البهائم وهو ينمو بسرعة، ولا أذكر إشارة الشيخ، ثم تذكرت قول الشيخ وإنها الشجرة التي ذكرلي، فزربتها وحافظت عليها، فانقسمت فرعين فلم يمض إلا قليل،فأذعمت وولدت قرانا(باكورة التين قبل نضجها) كبارا فأخذناها للخضرة، فكانت ألذ شيء نيئة ومطبوخة واستمرت ولادتها كذلك لا تنقطع شتاء ولا صيفا وكل ما احتاج الخضرة من أهل القرية أخذها منها ولاتطيب أبدا وإن بقيت ما بقيت ولا تنبت إن غرس منها عود، وكانت على خلاف جنس شجر التين في ذلك كله فسبحان الخلاق الحكيم...«. هذه بعض نماذج من الكرامات المنسوبة للشيخ وهي على كل حال لا تخرج عما نسب إلى جميع المتصوفة في طي المكان... وغيره...