ويشارك المريدين في نفس المنهجية والرأي أحد المؤرخين المعاصرين الذي هو العلامة المختار السوسي حين يقول: »أن مكانة الشيخ ابن موسى فيما بين يدي (الأطلس)، بل وفيما وراءه قد وصلت مبلغ مكانة الشيخ السبتي، غير أن السبتي لم يدرك في حياته من الإجماع على تسليم حاله ما أدركه الشيخ ابن موسى، لأنه تصدر عنه أمور فيها ما فيها مما تحوم حوله أقوال وأنظار وآراء، كما في ترجمته في كتاب (الأعلام) للقاضي المراكشي، بخلاف ابن موسى، فإنه لم يزل نهجاً لا حباً، ومحجة واضحة، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك..«. بل يذهب مريدوه أبعد من هذا في الصدح به، وإعلاء مكانته وشأنه.. فيسرح خيالهم إلى القول بأنه من عيار الإمام الغزالي وغيره مقاماً وشهرة: »وحدثني بعض الفقراء أنه سمع سيدي أحمد بن عبد الرحمان يقول: »إن سيدي أحمد بن موسى من القادة الأولى مثل الغزالي وغيره أو أكثر..«. وعلى كل... فغشاوة الحب عند المريدين (أدفال ومن نقل عنهم، وحبهم الصوفي الكبير، والانبهار أمام الأستاذية الكبيرة والعظيمة المستولية على أفئدتهم ودواخلهم قد تجعلهم لا يرون إلا ما رأوه، فصدق الشيخ وتواضعه وشفوفه في التربية على معرفة الله، ولينه المعروف وأشياء أخرى ربما لا ندركها نحن وعلمها عند الله جعلت هؤلاء لا يرون في شيخهم غير ما رأوه من علو مكانته وسمو مقامه، فهو في نظرهم من الأبدال »وعن الفقير المذكور (يقصد: خديم الشيخ الملازم له أحمد بن الحسن المانوزي) أن الشيخ رضي الله عنه له ثمانية عشر عاماً ليس على جلده ما ينسج بالمنوال، وفهم من المقصود أنه يتصور في صور شتى، وأنه حينئذ من الأبطال رضي الله عنه..«. ج مكانته عند مشايخ عصره: قد نسلم للمريد.. ونجد مئات المبررات لتعامله مع شيخه بذلك التقديس، وجعله فوق كل المشايخ، بل فوق كل الناس، إذ يستحيل عليه، وضع مسافة نفسية وعقلية بينه وبين شيخه، ليراه، ليتفحصه، لأنه لا يراه، كما هو ولا يستطيع تفحصه، لأن العمى، عمى الأخذ قد همّ به، ووصل به إلى درجة من الحب الممحي لأي شرخ يمكن أن يكون بين الذات والموضوع، إنه التوحد.. وهكذا نجد مريداً فقيها هو أدفال الدرعي، يقول عن شيخه سيدي احماد أوموسى حين وفاته: »لم يتوف حتى لم يكن في مغربنا أو في جميع أقطار الأرض (هكذا بهذا الإطلاق)، مثله فيما ظهر، ولله ما خفي ومعرفة كل شيء علماً (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بماء شاء) وعلى ما ظهر لنا قد حق أن أقول: وقد عدم الناس الشيوخ بقطرنا وآخرهم شيخي وموضع إجلالي أشير إلى أهل الكمال كمثله عليه من الله الرضى ما تلا تال« هذا عن فقيه، فما بالك ب »»فقير»« بسيط، وما بالك بمريد مأخوذ لا يدري مبتدأه من خبره. وإذا كان هذا حال المريدين والفقراء، فإن الدهشة ستأخذنا بعيداً حين نجد كل علماء سوس المعروفين آنذاك قد سلموا له وطأطأوا الرأس، اعترافاً بتقدمه وشفوفه، في حل عجيب لتناقض تاريخي كبير فرق ويفرق بشكل واضح بين الفقهاء والمتصوفة، فقل في الزمن الإسلامي أن تجد لقاء مثل هذا بين فقهاء ومتصوف، بل والاعتراف له، والتسليم بتفوقه، وذلك ما تنبه له العلامة المختار السوسي حين قراءته لما كتبه أدفال الدرعي والفقيه الأستاذ الترغي عن شيخنا سيدي احماد أوموسى قائلا: »وقد عرفنا من ترجمة أبي العباس (أدفال) الدرعي أنه يفد على الشيخ مرات متعددة، لأنه مبهور بما رآه منه، حتى إنه عانى أن يجمع من أحواله، ومن كلامه أشياء في ورقات.. وتسليم الفقهاء لصوفي ثم إطباقهم على تقدمه، وكونه سنياً في كل أحواله، كما يقول الفقيه الترغي أمر قليل وقوعه في كل أعصار الإسلام منذ انشقت العصا بين الفريقين وتوجهت كل طائفة إلى وجهة خاصة..«. وهذا فعلا ما نجد عليه أغلبية فقهاء سوس وغيرهم في موقفهم من سيدي أحماد أوموسى وتحديد ورسم مكانته، ولنبدأ بأشدهم صرامة وصراحة في قول الحق، والذي قدمه التمنارتي في الفوائد ب: »صارم وقته وعالم زمانه الجلد القوال بالحق«، سيدي أحمد بن عبد الرحمان التزركيني وهو ما هو: والذي يكفي أن السلطان السعدي محمد الشيخ قال فيه قولته المشهورة: »سيدي أحمد بن عبد الرحمان يخاف الله ولا يخافنا وسيدي محمد بن ابراهيم يخاف الله ويخافنا، وفلان لأحد مرابطي سوس لا يخاف الله ويخافنا«. سيدي أحمد بن عبد الرحمان هذا كتب لبعض إخوانه ما نصه: »»فسرع إلى امتثال ما أشار به عليك سيدي أحمد بن موسى على حسب ما أشار به عليك، ولا تنحرف عنه يمينا ولا شمالا، فهو قدوتنا وبركتنا«. وهذا الفقيه العالم سيدي محمد بن ابراهيم التامنارتي الذي كان سيدي احماد أموسى يسمي داره بدار النبي يقول فيه: ادفال: »... وقف الفقير أحمد بن الحسن على الشيخ مرة، وسيدي محمد بن ابراهيم التامنارتي زائرا والله أعلم، فقال لهم: ذلك الشيخ الذي كنتم تحت يده يعني الشيخ سيدي أحمد بن موسى، إن أردتم الدنيا فهو لكم قبالتها وإن طلبتم الأخرى فهو لكم قبالتها، وإن طلبتم ربكم فهو لكم قبالته..«. أما عالم المتصوفة المجاهد الكبير، وقرينه عن الشيخ التباع، الشيخ العالم سعيد بن عبد المنعم فيكفي أن نعيد ما كتبناه من قوله فيه في مكان آخر من هذا الكتاب حين قال: »لو علمت أنه يقبلني لرحت إليه أخدمه أنا بنفسي وأولادي، ولكنه لا يقبلني...«. ونختم - وليس إكمالا لأن من أعلوا مكانته واعترفوا به كثر وما قيل فيه أكثر. ويكفي الرجوع إلى المراجع لتبين ذلك - نختم بالفقيه الذي نقل في تقريره المعروف نبأ سيادته المنقول عبر صيته الذائع في مغرب القرن العاشر وهو حي - إلى سلطان وقته... الفقيه أستاذ القراءات السبع ومربي أبناء الملوك العالم الترغي الذي لم يعرف بما سيقدمه للسطان أثناء عرض تقريره.. حين استقرى مشايخ عصره للبحث عن شيخ يكون في مستوى طلب السلطان، غير قوله سبعا: »إنه ولي«.. وحين سأله السلطان مستفسرا: كأنك تدلني عليه؟ رد: لا أدلك عليه ولكن هذا ما ظهر لي.. فهل وجده السطان مطابقا لما ظهر لمستشاره؟ ذلك ما سنراه عند أهل الحل والعقد بعد أن نعرض مكانته عند العامة من الناس. د. مكانته عن العامة: لا غرابة في أن تأخذ مكانة سيدي أحماد أوموسى حيزا كبيرا في عقول وأفئدة وخيال ساكنة سوس، بل المغرب عموما سواء قيد حياته أو بعد ذلك والى الآن، ففي حياته، لا يمكن أن يخرج الناس عما اعتقده فقهاؤهم وعلماؤهم فيه، فقد انتشر خبره بينهم فسارعوا الى زيارته والقريب يخبر البعيد فنال من الاحترام ما سما به إلى درجة كبيرة خصوصا أنه »قد ظهر بمظهر الصوفية الأفذاذ وكان محظوظا في مظهره مسعودا في شهرته، فقد انزوى في زاويته والقوافل تتورد عليه والصادر يخبر الوارد في السبل بما يراه منه من أحوال عجيبة غريبة، فقد أعطي التكلم على ما في القولب، فكانت إحدى الغرائب التي تبهر زائريه. نعم الصادر يخبر الوارد بما رأى وما سمع في غياب (شبه) تام لمن يكتب ويوثق من سلوك قويم وإرادة حديدية في الذب على السنة.. فنشأ الفراغ، والطبيعة كما نعرف لا تحب الفراغ، بل تكرهه، لتنتشر العنعنة ومنذ السنة الأولى لموته... تنتشر العنعنة فتضيف لها ليالي السمر التنافس في الزيادة فيجد الخيال مرتعا خصبا من الحب الزائد والفخر بشخصية سوس الأولى وتنشأ الطقوس ويحيا ما ولى من عادات وثنية قبل إسلامية.. فيكتب بعض أنصاف المتعلمين ما تلقوه من الأفواه مضيفين ما وجدوه في طريقهم غير دارين - لجهلهم - أن بعض ذلك ليس إلا نقلا لابداع وثقافات شعوب أخرى. وهكذا نرى قصة الغول مأخوذة عن ملحمة »»الأوديسا»« لهوميروس« اليوناني.. وتضاف بعض »الاسرائليات.« والكل يعتقد أن ما يقرأه وما يرويه وما يكتبه ليس إلا عربون محبة للشيخ سيدي أحماد أموسى، وطريق إعلاء... وليس ذلك إلا إساءة ما بعدها إساءة من حيث أرادوا تعليته والفخر به والتقرب إليه بهذه الطريقة المشينة، وهو كما رأينا في سلوكه منها براء وإلى السنة الصحيحة أشد انتماء.. كل هؤلاء إلا ما شاء ربك من بعض العارفين الذين عرفوا أنه يجب أن يكون القدوة في سلوكه ومعاملاته وعبادته.. والخلاصة أن مكانته عند العامة وكيفما كانت الأسباب والغايات بلغت شأنا عظيما، وصل في مرات كثيرة إلى التقديس... فلا نجد مناسبة إلا ذكره فيها الراقصون وبدأوا به أزجالهم وأشعارهم الشلحية البليغة، كما اتخذه مغنوهم منبع إلهامهم والشواهد وإلى الآن كثيرة في ذلك.. ويكفي ذكر بعض »الروايس« الكبار واستحضار قصائدهم وأغانيهم الخالدة لتجده متصدرا مطالعها في مكانه لا تنسى...