ه. مكانته عند أولي الأمر: لم يكن السلطان الغالب بالله السعدي يجهل مكانة سيدي أحماد أوموسى، إذ كان يعرف دوره جيدا مع أقرانه في استتباب أمر الدولة السعدية (وخاصة و قوفه المذكورالى جانب السلطان احمد الأعرج في محنته حيث ثارت عليه القبائل بأقا). كما كان على علم تام بمقامه بين عامة الناس وخاصتهم وبين مشايخ عصره، فقد خبر ذلك بنفسه، وإنما رمى من خلال إرسال مستشاره للتقري والاستخبار ليزيد تأكيدا وليضفي طابع المشروعية على انتقائه وإبراز أن هذا الاصطفاء لم يكن لهوى في نفسه فقط وإنما لحاجة موضوعية أيضا، وأن من قام به ليس أيها الناس، ولكن الذي انتقى هو عالم فقيه وأستاذ مربي، بالاضافة الى أنه مستشار الملك، أي بعبارة اليوم رجل دولة مثقف عارف بما تريده الوقت، وما يريده السلطان، إنه نتيجة البحث عن الرجل المناسب للمكان المناسب، ولم يخب ظنه رغم أن الشيوخ كثر إذ ذاك وبينهم من يملك-بلغة اليوم- »نهج سيرة« يماثل في ثقله وقوته »نهج سيرة« سيدي أحماد أموسى في كل شيء بما فيه السياسة بمعناها العام كسيدي محمد بن ابراهيم الشيخ: أليس هو من ساس القبائل العربية والشلحية وعقلها حين خرجت عن السلطان أحمد الأعرج لما كان ب (تامدولت) بأقا وحاولت الثورة عليه حيث كان لا حول له ولا قوة على مواجهتها لولا استنجاده بأقرب سلطة روحية إذ ذاك سلطة »تامنارت« وشيخها سيد محمد بن ابراهيم الذي قاد عملية الصلح والتهدئة بمعية صلحاء ومتصوفة سوس ومنهم سيدي احماد أوموسى وسيدي سعيد بن عبد المنعم وسيدي محمد بن يعقوب في قصة شيقة تصلح لعمل فني كبير لصلة الحاضر بالماضي وإبراز كيف يصنع المغاربة وحدتهم وكيف يعمل المثقفون في ذلك لو وجدت عين تلتقط.. هذا واحد فقط من فطاحل شيوخ القرن العاشر المعاصرين له والذين اختير من بينهم وآخرون كثر لا يقلون عنه مكانة ومنزلة.. ولكن لم يظهر للفقيه الترغي بعد المخابرة والمعاينة والرحيل إليهم واحدا واحدا غيره، ثم خرج بقولته التي ليس فوقها في سلم التقييم قيمة: »أنه ولي ثم ولي ثم ولي سبعا«. فتحصل الزيارة التاريخية المعروفة: ملك بجلال قدره وهيبته يرحل الى زيارة شيخ لا يملك من متاع الدنياغير تركها والإعراض عن ملذاتها وهي بين أنامله »مع اخبات وإنابة وتواضع، وعدم العدوى، و الإعراض عن الشهوات.. ولا يتجاوز شملة في ملبسه، ولا يركب مركبا في سيره« الرحلة جاء في ممتع الأسماع: »[...] ويقال: من كراماته أن السلطان أبا محمد عبد الله الغالب، ما وجد البركة في مدته وملكه إلابه، وذلك أنه قال للأستاذ أبي عبد الله الترغي: إني أجد في نفسي إرادة وطلبا للشيخ، فامض وأطلب لي شيخا. فذهب يطوف على مشايخ المغرب، وكانوا إذ ذاك متوافرين حتى أتى على الشيخ صاحب الترجمة (يقصد سيدي أحمد بن موسى) فوجده شيخا جليلا سنيا، متواضعا، زاهدا، ظاهر الورع حسن الأخلاق، باهر الكرامات واضح الطريقة، جامعا لمحاسن الخصال والأوصاف، فرجع إليه، وجعل يصف له كل من رأى من المشايخ، بما ظهر له فيهم حتى أتى على ذكر صاحب الترجمة قال له: هو ولي ثم ولي، سبعا، فقال له: كأنك تدلني عليه، وأنه مطلوبي، وأنه المقدم على غيره، فقال له: لا أدلك عليه، ولا عندي ما أعرف به تقديمه، إلا أن هذا الذي ظهر لي فأزمع السلطان الرحيل إليه، فلما بلغ الشيخ قدوم السلطان إليه خرج يتلقاه وقد هيأ له النزول، وما يصلحه، وأعد له ما يناسب من الأطعمة الرفيعة النفيسة، وقدم إليه التمر الجيد، واللبن الجيد، ولما خرج أتاه بعضهم بفرس، وكان من عادته لا يركب، وإذا أتاه بمركوب لا يرده عليه، بل يستصحبه معه، ويعلفه له، حتى يرجع، ففعل ذلك وتلِي السلطان ورجع به معه، وأنزله عنده، فمكث في ضيافته ثلاثة أيام، فطلب منه أن يتخذه وسيلة الى الله، وسأله مع ذلك تمهيد الملك، واعتذر له بأنه لا يمكن العيش بدونه، ولا يامن على نفسه، ولا تأويه أرض، إن هو تخلى عنه، فقال الشيخ: أيا عرب، يا بربر، يا سهل، يا جبل، أطيعوا السلطان مولاي عبد الله، ولا تختلفوا عليه، ثم بعد ثلاثة أيام انصرف السلطان إلى بلده...« وقد أضافت الزيارة الى مكانة سيدي أحماد أموسى مكانة أخرى انضافت الى ما رآه به وفيه مريدوه، وشيوخ عصره وعامة الناس يحصل ما أسماه العلامة المختار السوسي وعن بصيرة وحق بالاجماع الذي لم يسبق أن وقع لأحد غيره بالاطلاق وذلك في ملخص جميل يجمع كل هذه المكونات التي ذكرنا. »ومحصل القول أن ما ناله الشيخ أحمد بن موسى في عهده من احترام جميع طبقات الناس كيفما كانوا صوفية على اختلاف أذواقهم، وفقهاء على اختلاف أنظارهم، وعامة، وخاصة الأقارب والأباعد، المجاورين والزائرين، لم ينله أحد من مشايخ (سوس) الى الآن، وإن زدت على ذلك الالتفاف الملوكي زدت لهذا الحكم تأكيدا.. وهذا هو مقصود الإجماع..« و. مكانته العلمية: بدل أن نشغل أنفسنا في البحث عن علمه - وهو تحصيل حاصل كما سنرى - بوضع أسئلة الضيق من قبيل هل هو متعلم أم لا؟ وما مبلغ علمه إن كان ذلك؟... واختزال العلم في الكتابة والقراءة بدل الثقافة ووعي اللحظة التاريخية بكل أبعادها الحضارية من اجتماع وثقافة وسياسة كما فعل سيدي احماد أوموسى بدل كل ذلك. ودرءا لكل حواجز تروم غير ذلك سنتساءل كالتالي: ما رأيكم فيما أورده التامنارتي أبو زيد: »وهذا عالم جيله المجمع على تقديمه في العالم وتبجيله شيخ الإفادة والتدريس أبو عبد الله محمد بن إبراهيم التامنارتي سلم له..« ثم يضيف كتنزيل لذلك: »أخبرني الوالد - رحمه الله - »أي والد التامنارتي المؤلف) أنه كانت بينهما (بينه وبين الشيخ محمد بن ابراهيم) مراجعة في مسألة فلم يزالا يتراجعان حتى سلم له أبو عبد الله واعترف له بالحق فيها بعد أن أتاه الى منزله..« ألا نخجل من أنفسنا قبل الغير إن تساءلنا أهو عالم أم لا؟ حينما نرى مثل هذا يقع و لا نتعظ ،ودائما تأخذنا الحسرة والتأسف من غياب كاتب محاين للشيخ ينقل ما رآه وما سمعه .. لكنها لعنة الصمت وبلاغته في نفس الوقت.. وما رأيكم فيمن يطلب الرأي في ابن العربي مخاطبا أحدهم ربما في سجال علمي - هو يسعى إليه دائما »يطلب العلامة« لمن يدعي.. ونرى ذلك في مكان آخر... يقول: «ما ظهر لكم في ابن العربي.. أعالم عندكم«؟ والمقصود كما أرى هو ابن عربي الاشكال، المتصوف صاحب »»الفتوحات المكية«« و»»فصوص الحكم«« وغيرها من المؤلفات الكثيرة.. الذي مازال محط خلاف حاد بين أصحاب الفرق والملل والنحل، وليس ابن العربي المعافري كما رأى ذلك العلامة المختار السوسي رحمه الله في هامشه تعليقا على ورود الاسم، وذلك لسبب بسيط هو أن هذا الأخير (المعافري) سني كبير لا يطرح إشكالا حادا بين الفقهاء والمتصوفة كغيره المعروف ب»الكبريت الأحمر»« عند المتصوفة. وما رأيكم في حضور بديهته الحادة في استحضار الآيات القرآنية المناسبة والمطابقة للمقام والسياق... والأمثلة كثيرة في ذلك. وما رأيكم أخيرا في طأطأة الرأس وتسليم علماء وفقهاء وقته له وقد ذكرناه مرارا... ورغم ذلك سنذهب الى ما يفيد أكثر، وهو أن الاعتراف بالشيخ كشيخ عند المتصوفة لابد أن تتوفر فيه شروط العلم ظاهره وباطنه: وإن كان هو لا يحب أن يقال له شيخي فقد شيخوه.. وأقر كتاب المناقب الذي تناولوا التعريف به كلهم بمشيخته ونعتوه بالشيخ الكامل - يقول الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد الشريشي في قصيدة مشهورة لدى أصحاب الطريقة الجزولية وخاصة في نسختها الغزوانية وذلك لأن الشيخ الغزواني كان يربي بها أتباعه وهي «»أنوار السرائر وسرائر الأنوار»« المعروفة بالرائية الصوفية.. يقول في تحديد مواصفات الشيخ وآياته: وللشيخ آيات إن لم تكن له إذا لم يكن علم لديه بظاهر فما هو إلا في ليالي الهوى يسري ولا باطن فاضرب لحجج البحر وإذا كان ما ذكرناه من علامات على علو علمه الظاهر في لازمة »ما رأيكم« السابقة فإننا سنذهب الى مجال عرف به وعنه أكثر، ولم يتساءل حول صحته من عدمها أي أحد، وهو علم الباطن الذي عرف به واعتبر مع شيخه التابع متميزين فيه عن باقي علماء الباطن. بل إن شيخه التابع هو أستاذه فيه، وهو من توسم واستشرف مآله حين استقبله الاستقبال المذكورووجهه الى عالم آخر من علماء الباطن هو الشيخ احمد بن يوسف الملياني الذي صاحبه وعمق فيه ما رآه الأول... عمق لديه علم الباطن.. فما هوعلم الباطن؟ وبماذا يمتاز عن علم الظاهر؟ لا يمكن الحديث عن علم الباطن، وحتى علم الظاهر عند المتصوفة إلا ضمن نسق كامل ندرجه كما أورده الدكتور حسن جلاب كالتالي: »منه المقرر لدى الصوفية أن أول شيء خلفه الله هو نور النبي محمد صلى عليه وسلم (النور المحمدي) فاعتبروه »الإنسان الكامل« والمثل الأعلى للأخلاق والحياة الصوفية، وقد ألقى الخالق في قلبه - بالإلهام والوحي - علوم الأوائل والأواخر، وعلوم الحقائق والشرائع، لذا عجز الناس عن معرفته، فاكتفوا بالانقياد لحكمته انقياد الملائكة لآدم عندما لم تدرك علمه. ويعتبر أصحاب نظرية »الإنسان الكامل« الرسول صورة للتجلي الإلهي الأزلي بعيدا عن الصورة البشرية الشخصية للنبوة.. واعتبر الصوفية الرسول نموذجا للأخلاق البشرية ككل، يجد فيه بغيته وقدوته كل من الفقيه والمريد والوصل، والصانع والزوج.. لذا جاءت رسالته الى البشر كافة، كما انهم يسعون الى تقليد الآثار المحمدية (التشبث بالسنة) إلا أنهم يختلفون من حيث درجات هذا التقليد: - تقليد الظاهر بالاخذ بالشريعة يتدرج فيه المقلد إلى أن يلج مقام الاسلام. تقليد الباطن يتدرج فيه إلى الأخذ بالطريقة إلى ان يلج مقام الايمان. وتقليدهما معا، والتدرج إلى الوصول إلى الحقيقة وولوج مقام الاحسان. اوردنا هذا التحديد لنبين ان علم الباطن بدون علم الظاهر عدم، وان السؤال الاول الذي طرحه البعض عن مبلغ علمه، هل هو عالم اصلا مجرد سؤال مغلوط وبالتالي مجرد وهم. وفي حوار بين الشيخ ابي محمد عبد الله الهبطي ويبن شيخه الشيخ عبد الله الغزواني في تعريف علم الباطن اورد ما يلي: فقلت له مامعنى العلم الظاهر والعلم الباطن؟ فقال:ما الظاهر فقد علمت ماهي أصوله وفروعه. واما الباطن فيدرك بالمشاهدة فقلت مامعنى المشاهدة؟ فضاقت عليه العبارة فقلت في نفسي الان نقف على حقيقته. فنظر الي ورفع نظرته فصعقت وخر مغشيا علي، فما انتبهت حتى كوشفت بعجائب الملكوت. ترى من الذي اخبر الشيخ الغزواني بما يروج بخاطر سائله «الآن نقف على حقيقته. أليس ذلك هو علم الباطن. الاستشراف.. الكشف، التوسم والتفرس. ثانيا: نستنتج ان علم الباطن يدرك بالمجاهدة وليس بالحرف او الحفظ او طرق الاستدلال المعروفة. فما مبلغ سيدي احماد اوموسى في هذا العلم. علم الباطن؟ هو الذي ادرك به مكانته التي يحملها هذا الكتاب (وخاصة فصل في الكشف والكرامة) ورغم ذلك سنورد مبلغ ذلك عبر امثلة نستسمح القارئ الكريم في تكرارها عبر الكتاب ولو باختلاف المراد منها. فالنص كما يقال يحمل على اوجه عدة حسب مقتضى الحال. المثال الاول: اورده ادفال حول طالب يسأل الشيخ عن مورد العلم: وكان عند سيدي احمد بن موسى احد الطلبة ثم قال لسيدي احمد اريد ان اذهب لفاس لطلب العلم، فقال له: او ما تشاور شيخك يعني سيدي احمد بن عبد الرحمان، اذ كان يقرأ عليه، فقال له: نعم ..فشاوره.. فقال له سيدي احمد بن عبد الرحمان: العلم علم الظاهر والباطن. ان كان مرادك الظاهر، فاي شعبة شئت من (جزولة) اخذته فيها وان كان مرادك الباطن فخليق له ذلك الرجل الذي كنت عنده.. فلو كان يقبلني لكنت أمة المثال الثاني جاء في ممتع الإسماع حين ا لتعريف بالشيخ سيدي ابراهيم اوعلي ان (تغانمين) عن علم سيدي احماد اوموسى وكيف كان عالم المتصوفة الكبيرالشيخ سيدي سعيد بن عبد المنعم يدل عليه: ومنهم الشيخ ابو سالم ابراهيم بن علي الاصمني الاداوزيكي، الامام العالم الولي الجليل لقي الشيخ ابا عثمان سعيد بن عبد المنعم فاخذ عنه، وأمره بالمسير إلى الشيخ ابي العباس احمد بن موسى الجزولي السملالي، وكان من شأنه ان يدل عليه، فاخذ عنه ايضا.. وسئل عمن أخذت؟ فقال: سيدي سعيد بن عبد النعيم طهرانيتي وسيدي احمد بن موسى ملأها عسلا. انه التكامل الذي ذكرناه بين علمي الظاهر والباطن، والتعليم والتربية اذ لا يعني هذا التخصص الظاهر الجهل بعلم الاخر، وانما هناك اعتراف بالتفوق، وفوق كل ذي علم عليم. في علاقته بكبار عصره. كنا سنتجنب الخوض في هذا الباب لنترك القارئ يستنتج بنفسه طبيعة هذه العلاقة من خلال مسارات وفصول هذا الكتاب وخاصة الفصل المتعلق بمكانته. ولكننا لما وجدناه من اشياء «غريبة» تستحق الافراد قررنا اشراك القارئ معنا بعرضها و جعلها ملحقا مضافا إلى باب مكانته. وجدنا حين استقرائنا للنصوص، والعلامات التي تتحدث عن ذلك اي علاقته بكبار عصره: علاقة خالية من الندية، علاقة المتبوع بالتابع، المحيط بالمركز علاقة عمودية مبنية على الاخذ وليس على العطاء المتبادل. فاذا استثنينا تلك اللقاءات الثلاثة في تلك المحطات التي اختبر فيها وامتحن وارشد، محطة صاحب القفة التي حدت من غلوائه، ومحطة الشيخ التباع الذي اختبر فيها، ومحطة الشيخ الملياني التي نال فيها مانال من تربية وتلقين.. اذ استثنينا هذه المحطات الثلاث التي ابان فيها عن خضوع واستسلام تأمين فلا نجد بعدها الا شخصية لم تمح فقط نفسها بل محت بذلك حتى من يقترب منها، ويروم مواجهتها، «وقد قلت له مرة انهم اهلكونا بالدعوى، لاسيما انا، كلما قام قائم يدعي علي. فقال لي: لن يقوم احد مازالوا لم يولدوا، وما زالوا في قبرهم بحبسهم. كل من قال لك انا فوق الناس فاتيني به، يعطيني علامة ذلك: فلكل شيء علامة، ثم قال لي: اعيينا من ذلك، ويقولون كنا حتى نصلهم فيسكتون يعني يعجزون. فحرنا من اين جاءت تلك التبعية المذكورة، وهي اكبر من ان تأتي مما عرضناه، من صفات جليلة في الشيخ فقط واهمها: ادراكه المبكرلقيمة احترام المرء لنفسه، والعمل بها في كل محطات ومسارات حياته، إلى أن أخذت ورويت عنه كمأثور: كنت اظن ان احترام الناس لي نابع منهم، ولكنني تأكدت الان من احماد اوموسى هو الذي يحترم نفسه. إذ لا يعقل بتاتا ان يقوم علماء اجلاء رفيعو الشأن والمقام ومتصوفة قامت على ايديهم دولة الجهاد، وهم ماهو ليطأطئوا الرأس، ويسلموا بل وفيهم من يقبل قدمي الشيخ، واي شيخ! شيخ من رآّه اول مرة ظنه من ادنى العوام، شيخ مازال العلماء والباحثون يتناقضون حول مبلغ علمه، ويتطارحون البينات حول ذلك. حرنا حين لمسنا تلك السلبية المطلقة، وتلك السكينة التامة في سلوك شخص كالشيخ الجلد الصارم القوال بالحق سيدي احمد بن عبد الرحمان الذي قال فيه السلطان محمد الشيخ السعدي ماقال.. والذي واجه عالم المتصوفة الشيخ سيدي سعيد بن عبد المنعم بما واجه.. حين يقترب من الشيخ سيدي احماد اوموسى لا يستطيع حتى مشافهته بل يلجأ إلى مرسول او يستعمل المكتوب ولإدراك وتوضيح وتبيان ما نقصده، بعمق وعمق حيرتنا لابد ان نورد من يكون ذلك الرجل الشيخ الذي قبل قدميه حين صحح له فقط ان المذموم ما ذمه الشرع والمحمود ماحمده وان الدنيا ليست في حد ذاتها مذمومة محمودة. هذا الرجل هو الذي قال فيه هؤلاء ما اورده الحضيكي وزاد عليه. محمد بن ابراهيم الشيخ التمنارتي محمد بن ابراهيم بن عمر بن طلحة بن محمد بن سليمان بن عبد الجبار اللوكوسي الجزولي، قال بعض اولاده فيه: ومنهم ولي الله الشيخ العارف بالله الامام العالم المتحقق ا لمتفنن الرباني الجامع بين علمي الشريعة والحقيقة،ا لمشفع لعلم الظاهرب علم الباطن، التقي الصالح الزاهد الوردع، وحيد دهره، وفريد عصره، وشيخ وقته وأوانه. الذي اليه المنزع في النوازل المشكلات المهمات العلمية والدينيات والدنيويات.. رضي الله عنه ونفعنا ببركاته وجازاه عنا وعن المسلمين خيرا. ما رأت عيناي قط، ولا سمعت اذناي في الناس مثله نجدة وتصلبا في الحق، وانصافا وحرصا على الدين واجتهادا فيه، واستغراقا لأوقاته في العبادة والمواظبة عليها، مع قيام الليل وكثرة الاوراد، وخشية وخوفا ومراقبة، وصبرا واحتمالا ، وحياء وصدق لهجة، وتواضعا وسخاء وايثارا وقناعة وغنى نفس، وشدة في اتباع السنة المحمدية والتخلق بخلقها في حركاته وسكناته، واخذه وعطائه وعيظا، وعدم تملك النفس عند رؤية مخالفة السنة، واذا سمع عن احد الابتداع بشيء في الدين ايا كان نهاه ولا يبالي به، ولا يخاف فيه الله لومة لائم. تبحر في علمي المعقول والمنقول، وبلغ فيهما مبلغا لم يصل اليه احد في بلاد جزولة، ونصح للخاصة والعامة مع حب الخيرلجميع المسلمين. ومع كل هذا ومن اجل كل هذا يصرح: اعرف فلانا وفلانا من الاشياخ ومع ذلك... مارأيت الا سيدي احمد بن موسى حرنا حين رأينا الشيخ سيدي محمد وابراهيم التمنارتي العالم النحرير والمجاهد الكبير، والذي سمى الشيخ منزله بمنزل النبي لما كان فيه من علم ..يقول حين كان يحدث ويفاجأ بوجود الشيخ في حلقته، وتلاقت اعينهما» لقد انكسرت توبتي» وكيف لشيخ مثله علم ما علم وعلم ما علم ان ينهض ليقبل قدمي الشيخ لمجرد ان رده حين ذم الدنيا قائلا له: المذموم ما ذمه الشرع والمحمود ما حمده الشرع. حرنا حين وجدنا أن ا لشيخ المجاهد و المقاوم والعالم الشيخ سيدي سعيد بن عبد المنعم يقول «لو كنا يقبلني لرفعت رحيلي اليه لكنه لا يقبل». وحرنا حين وجدنا ابنه العلامة الفقيه سيدي عبد الله بن سعيد بن عبد المنعم يتوارى عن الناس ولا يستقبلهم إلا في اوقات معينة لمجرد ان الشيخ امره بذلك. «وكان عارفا بزمانه، شديد الحجاب، لا يصل اليه احدإلا في الليل ومابرز قط في النهار لاحد، إلا مرة واحدة، ويذكرا ن شيخ سيدي احمد بن موسى السملالي اوصاه بذلك. حرنا في الفقيه ادفال، وهو فقيه درعة ومتصوفها يطلب منه ان يتخذه شيخا، فيرفض، ويرفض، وبعد لأي يقبله على الاخوة «قلت له حينئذ احب الاخوة الخاصة فصافحني. حرنا في عالم وفقيه كابن الوقاد وهو ما هو يتخذه شيخا. وحرنا كيف لشيخ شريف عظيم كالشيخ مولاي عبد الله بن حسين دفين تامصلوحت يطلب منه الدعاء لحفيده مولاي ابراهيم وهو صغير. حرنا وحرنا وحرنا والشيخ امام هذه الاشياء والامور، كلها لا يأخذ شيئا الا ما عجزنا عن رؤيته. وتكبر حيرتنا ويعجز فهمنا - الذي قد يكون صغيرا عند اصحاب المناهج الحديثة - حين يطلبه السلطان، شيخا ومستشارا دون ابداء اي تزلف وتملق في عزة وطول انفة. ويكفي ان ننظر في الواقعة التالية لنبصر ذلك ثم ان الشيخ قدم مراكش في بعض الايام زائرا من كان فيها من اهل الله تعالى، فرغب اليه السلطان الغالب بالله ان يدخل داره وهو اصحابه، ويصنع لهم طعاما، وشرط على نفسه ان لايطعمهم الا الحلال ولا يطعمهم ما فيه شبهة، وحلف للشيخ على ذلك فأسعفه، ولما حضر الطعام وضع الشيخ يده عليه ولم يصب منه، فلما خرج قيل له مالك لا تتناول من طعام السلطان وقد حلف ان لا يطعمكم الا الحلال. فقال له من اكل طعام السلطان وهو حلال، اظلم قلبه اربعين يوما ومن اكله وفيه شبهة مات قلبه اربعين سنة. انه بحر الحيرة الذي اجبرنا على ركوبه، فلم نخرج إلا باعادة السؤال السابق: كيف لهؤلاء كلهم ان يطأطؤا الرأس و»يسلموا» و»يشاوروا» شيخا متواضعا من رآه اول مرة ظنه من ادنى العوام، شيخا مازال العلماء والباحثون يتناقشون حول مبلغ علمه ويتطارحون البينات.. وحين خرجنا من حيرتنا فهمنا انه سواء قولوه او قال عن نفسه - كان صائبا في قوله حين سئل عن القطب: احمد وفهمنا لم قال فيه الشيخ سيدي محمد اوبراهيم التامنارتي هو كالشمس ونحن كالكواكب. وفهمنا كذلك اجاباته لسائله المذكور حول مبلغ نوره، وسمعه، وعلمه.. واستنتجنا ان لاعلاقة متكافئة او ندية مع القطب الا إن كان قطبا ومع الشمس الا ان كانت شمسا. تلك هي علاقة... وذلك جزء من طبيعتها. لم هي كذلك؟ كيف بناها على هذا الشكل والشاكلة؟ وكيف اوتي تلك الموهبة في نسج هذه العلاقة.. هل هي هبة من الله؟ هل هو دعاء صاحب القفة، ام توسم وفراسة الشيخ التباع ام هي المجاهدة، والسير في المقامين اللذين رعاهما وصحبهما الشيخ الملياني، وصنعتهما سياحة لقي فيها اكثر من ثلاثمئة شيخ ..ام هذه الاشياء كلها.... اكيد هذا لمن يفكر تفكير الحائر والمستسلم والعاجز، وطبعا ليس اكيدا لمن يبحث خارج هذه الاشياء: في الاقتصاد والاجتماع والسياسة وسلامة المنهج.