فشل المجتمع الدولي في العثور على حل ينهي به الأزمة في سوريا ويوقف الحرب الدائرة هناك منذ أكثر من سنتين. وهو فشل يكشف عن النوايا المبيتة التي صارت تعبر عن نفسها من خلال الحث على الاستمرار في الحرب. كان السوريون قد سبقوا المجتمع الدولي إلى ذلك الفشل، حين لجؤوا إلى السلاح لحل خلافاتهم السياسية الداخلية. الآن يذهب جزء من المجتمع الدولي إلى تقليد السوريين في لجوئهم اليائس إلى السلاح، أملا في إضعاف الطرف الحكومي بذريعة معاقبته. وهي ذريعة تجرّ العالم مرة أخرى إلى منطقة تُتوج فيها لغة العنف باعتبارها اللغة الوحيدة الممكنة في ظل تغييب تام للغة القانون الدولي. كان الفشل السياسي مقررا منذ بداية الأزمة السورية. لقد مهد لذلك الفشل لجوءُ النظام السوري إلى الحلول الأمنية في مواجهة الاحتجاجات التي بدأت سلمية ومحدودة، ثم تحولت إلى دعوات التسليح ثم الانخراط في مجموعات مسلحة وصولا إلى تأسيس الجيوش، فبدأت الحرب التي تسللت أطراف إقليمية ودولية كثيرة من خلالها إلى الأزمة السورية وسيطرت على القرار، المعارض والحكومي على حد سواء. وهو ما يعني أن السوريين صاروا محكومين بالفشل على مستوى البحث عن مخرج من الحرب التي مزقت بلادهم ودمرت حاضرهم. وهو الفشل الذي نتج عنه نوع من العقاب الجماعي، مارسته وشجعت عليه جميع الأطراف، سواء من ناصر النظام منها أو من وقف مع المعارضة، ليشمل ذلك العقاب بعدوانيته الشرسة جميع السوريين، من غير استثناء. كان واضحا أن الأطراف الدولية لم تكن جادة في إنهاء تلك الحرب، قبل أن تتحول سوريا إلى بلد منكوب وشعب محطم. بالنسبة لعدد كبير من الأطراف التي ساهمت في إذكاء نار الحرب، كان استمرار النزاع وتصعيده وابتكار سبل لتطوير أساليبه، مناسبة لكي تجد لها موضع قدم في بلد كان إلى وقت قريب مغلقا من جهة اكتفائه الاقتصادي الذاتي وقراره السياسي. الآن لم تعد سوريا كذلك. لقد تحول المشهد السوري إلى ما يشبه مسرح الدمى. هناك من يحرك الخيوط من الأعلى فتتحرك الدمى المدججة بالسلاح لتتطاير أشلاء السوريين ويتحول تاريخهم في العيش المشترك إلى وسائد محشوة بالألغام. حتى الصورة المرعبة التي ظهر فيها أطفال الغوطة وقد استسلموا لموت تنشقوا غازاته بهدوء ودعة، لم تكن إلا جزءا من مشهد يُراد له أن يكون مكتملا بكل تنويعاته وتجلياته البشعة. فحرب الآخرين على سوريا والتي ينفذ الجزء الأكبر منه سوريون لا ينبغي أن تنتهي إلا بعد أن تكتمل الجريمة ذاهبة إلى أقاصي خيالها. وهو ما يفسر تردد المجتمع الدولي في الذهاب إلى جنيف وإجبار السوريين على اعتماد الخيار السلمي في حل مشكلاتهم السياسية. بالنسبة للأطراف الراعية لشؤون الحرب وفنونها البشعة فإن استعمال السلاح الكيماوي كان ضروريا، بغض النظر عن الطرف الذي استعمل ذلك السلاح. كانت صورة الأطفال بكل إلهام قسوتها ضرورية، لا من أجل أن يستيقظ الضمير العالمي الذي هو تعبير مجازي عن كذبة مضللة، بل لكي تكون تلك الصورة ذريعة لعقاب يعتقد الغرب أنه قد تأخر كثيرا. سيكون من السذاجة أن نتخيل أن ذلك العقاب سيتم خدمة للعدالة الإنسانية، ذلك لأن آثاره لن تكون محصورة بمن ارتكب الجريمة، بل قد يفلت المجرم من العقاب كليا. وليس من باب التكهن القول أن هناك جهات استخبارية عديدة في العالم تعرف جيدا هوية ذلك المجرم، إذا لم تكن جهة من تلك الجهات هي التي خططت للجريمة وأشرفت على تنفيذها. لا فرق إذا كان المجرم من أصدقاء الشعب السوري أو من أعدائه، فالعقاب الذي سيفلت منه ستدفع سوريا ثمنه، مزيدا من القتلى ومزيدا من الخراب.