تشكل ظاهرة المخدرات داخل السجون المغربية، خطرا كبيرا على المسجونين وإشكالية مقلقة بالنسبة للمسؤولين على المؤسسات السجنية لما لها من انعكاسات سلبية على الأمن والاستقرار داخل أوساط المسجونين. فبالرغم من المجهودات المبذولة لمحاربة الظاهرة، فإنها تبقى واقعا متفشيا وملموسا داخل أوساط المسجونين وأضحت تجارة مربحة لنزلاء بهذه المؤسسات السجنية، احترفوها مستغلين في ذلك الظروف السجنية للنزلاء المدمنين على العديد من أنواع المخدرات، والرغبة الجامحة لهم من أجل القفز على واقع الاعتقال وقتل الوقت نظرا لأوضاعهم الهشة. لقد سبق لمصطفى الرميد وزير العدل والحريات أن صرح أن المعتقلين بالسجون المغربية في قضايا المخدرات يمثلون 25 في المائة من نزلاء المؤسسات السجنية، كما أبرزت دراسة حول تعاطي المخدرات داخل السجون همت 635 سجينا (600 رجل و35 امرأة)، أن المخدرات المستعملة تتمثل في القنب الهندي 40 % والكحول المصنع من لدن السجناء 50 % والمخدرات الصلبة 11 % والمنشطات 14 %. وأكدت الدراسة التي همت جميع جهات المغرب أن المخدرات أحد الأسباب الكبيرة التي تؤدي إلى السجن، وأن السجناء معرضون أكثر للتعاطي للمخدرات لأنهم شريحة هشة، والكثير من الشباب المسجونين ليس لهم وعي بمستقبلهم. وأن العدوى تنتقل بسرعة كبيرة بالسجن، وتزيد نسبة التعرض للعدوى. ويلعب الموقع الجغرافي لهذه المؤسسات السجنية دورا كبيرا في تفشي الظاهرة، فبحسب مصدر مسؤول لمؤسسة سجنية تناوب على إدارة بعض السجون المغربية ، أكد لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» أن السجون الموجودة بالمدن الكبيرة والقريبة من التجمعات السكانية مرشحة بشكل كبير لانتشار الظاهرة وبشكل مقلق، حيث يسلك البعض العديد من الطرق والحيل من أجل إيصال المخدرات الى هذه المؤسسات وذلك من أجل الربح السريع. وأضاف نفس المصدر أن هؤلاء المتاجرين بالمخدرات غالبا ما يكونون من ذوي السوابق وكانوا نزلاء في فترات ماضية بهذه المؤسسات السجنية ثم لهم دراية كبيرة بالسجن وواقعه وهندسته، كما أنهم يدركون جيدا أن المجال مناسب لكي يغامروا ويجازفوا من أجل تحقيق الربح السريع وبيع هذه الممنوعات بأثمنة باهظة. وعلمت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» من مصادر موثوقة، فضلت عدم الكشف عن هويتها، أن السجن المدني بسلا قد ضبط كمية هائلة من المخدرات حاول فيها بعض الزوار إدخال المخدرات داخل السجن، أو تم القذف بكميات لهذه المخدرات من خارج السجن وذلك من فوق سور السجن بهدف إيصالها إلى بعض النزلاء وتتحدد هذه الكمية للمخدرات «الحشيش» في 22 كيلوغراما. وأكد نفس المصدر أن هذه الكمية التي تم ضبطها كانت خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2012 ، وقد تم ضبط أكثر من 50 شخصا حاولوا تسريب كميات متفاوتة من المخدرات أثناء الزيارة وبطرق عديدة، حيث يتفنن هؤلاء في إخفاء ذلك عن المراقبة وعمليات التفتيش التي تتم من قبل حراس السجن بهدف تمريرها للمعنيين بالأمر. وسجل المصدر ذاته أن أغلب هؤلاء الذين تم ضبطهم كن نساء، حيث يعمدن إلى إخفاء المخدرات سواء داخل الأغذية والتموين «القفة» التي يوجهونها لأفراد عائلاتهم القابعين بالسجن، فمثلا تم ضبط المخدرات داخل سطل بلاستيكي للحريرة، ثم داخل وجبة «للهركمة»، ثم صابونة أو بصل وثمر محشوين بالمخدرات، ثم هناك من يلجأ لإخفاء المخدرات داخل أحذية وذلك بإتقان كبير حتى لا تنكشف. وأكد هذا المصدر على أن هؤلاء الزوار الراغبين في تمرير المخدرات لبعض ذويهم يسلكون بعض الطرق الغريبة في ذلك، والهدف الأساسي لهم هو عدم انكشاف أمرهم، حيث تعمد بعض النساء إلى إخفاء المخدرات في أجهزتهن التناسلية للإفلات من المراقبة والتفتيش، وصرحت لنا هذه المصادر على أنه سبق أن تم ضبط امرأة يفوق سنها الستين تم ضبطها تخبئ «الحشيش» في دبرها. ولا يقتصر الأمر على محاولات تمرير الحشيش فقط، بل هناك محاولات أخرى من اجل تمرير مواد أخرى تعتبر ممنوعة في السجون المغربية كالهاتف النقال، والسكاكين والأقراص المهيجة والمهلوسة... وصرحت هذه المصادر لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» على أن هناك طريقة خطيرة تؤرق المسؤولين على المؤسسات السجنية تتوخى إيصال المخدرات داخل المؤسسات السجنية، والمتمثلة في رميها من خارج السجن عبر سوره العالي لتسقط داخل السجن وبمحاذاة الهدف المنشود أو قريبة من المكان الذي يتواجد فيه المقصود بها، ليستولي هذا الأخير عليها بطرق خاص. ويعمد هؤلاء الذين يقذفون بكميات محددة من المخدرات معلبة في بلاستيك وشبكة ،وأحيانا يصاحب هذه الكمية سكين لتسهيل مأمورية السجين «البزناس» لتقطيع المخدرات من أجل تقسيطها على الزبناء بالسجن. ولتوضيح الأسباب التي تجعل هؤلاء الذي يحلون قرب السجن عبر دراجات نارية سريعة لكي لا تتمكن دوريات الأمن من القبض عليهم، فهي الربح السريع وكذلك الشأن للتاجر الموجود بالسجن، حيث أوضح مصدر الجريدة على أن «بلاكة من الحشيش» التي تساوي 100 غرام والتي تعادل خارج السجن 500 درهم، يصل ثمنها داخل السجن إلى 15 ألف درهم، وحبة القرقوبي التي تباع ب 10 دراهم خارج السجن تباع داخل السجن ب 100 درهم، أما الهاتف النقال الذي له اهمية كبيرة في التواصل مع العائلة والاهل، فالهاتف العادي الذي يباع ب 50 أو 100 درهم يتم بيعه داخل السجن ب 2000 درهم، بمعنى أن هناك ربحا كبيرا في عدد من المواد الممنوعة مما يفسر المخاطرة والمجازفة سواء لمن يحاولون تمرير هذه الممنوعات أو من يتاجرون بها في غفلة عن الحراس. وبخصوص الحالات التي تم ضبطها متلبسة في محاولات لتمرير الممنوعات وعلى رأسها المخدرات، أكد المصدر ذاته أنه قد تم اعتقالها وعملنا على تقديمها للعدالة من أجل المحاكمة، لتشكل عبرة لمن تسول له نفسه القيام بهذا العمل الإجرامي الخطير. ومن أجل بث الرعب والخوف في الحراس الذين يقومون بدوريات المراقبة أو يراقبون جنبات سور السجن من الداخل، يعمد هؤلاء المحترفون لبيع المخدرات وذوو السوابق أحيانا إلى قذف الماء الحارق في الوقت الذي يقذفون فيه بكميات من المخدرات كي لا يقترب الحارس منها إلى حين أن يتوصل بها المعني بالأمر عن طريق جرها بواسطة قضيب حديدي طويل خصص لهذه الغاية، وأحيانا تقذف بشكل متتال وعشوائي بالحجارة ودائما بهدف تأمين وصول المخدرات إلى صاحبها، ويكون ذلك غالبا في أوقات متأخرة من الليل مثلا وقت أذان المغرب والسحور في شهر رمضان وما بين الساعة الثانية والرابعة صباحا. وفي ما يتعلق بالإجراءات التي أقدمت عليها المؤسسة السجنية من أجل محاربة هذه الظاهرة الخطيرة، فقد أشارت مصادر الجريدة إلى أنه تتم مراسلة جميع السلطات القضائية والأمنية لتطويق الظاهرة التي قد تحدث اضطرابا في السلامة والأمن داخل المؤسسة والسجناء. فبالرغم من التجاوب الذي قامت به المصالح الأمنية وذلك بالقيام بدوريات منظمة لمحاربة المسؤولين عن هذه الجرائم بالقرب من المؤسسة السجنية، إلا أنه يبقى المشكل مطروحا لأن هؤلاء المجرمين يلعبون لعبة القط والفأر مع رجال الأمن مستعملين في ذلك دراجات نارية.