سجين يعيل عائلته من داخل سجنه .. اعتقال حارس متورط في إدخال المخدرات .. عناصر من نفس الأسرة يتم سجنهم بعدما ضبطوا متورطين في تزويد أقربائهم بالمواد المخدرة. قصص متلصصة من يوميات السجون حيث تستمد التباينات والفوارق وجودها من الواقع المعاش خارج الأسوار. وتتحول معها بعض المؤسسات السجنية إلى مايشبه “محميات خاصة” .. حيث كل شيء مباح لمن يدفع أكثر، وسلطة المال هي السائدة ! لا يجاهر الكثير من السجناء السابقين بموقفهم الشخصي اتجاه السلوكيات الشائعة في العديد من المؤسسات السجنية، لأنهم في غالب الأحيان، طرف نشيط في المبادلات والمقايضات التي قد تتم بتعاون من طرف بعض حراس السجون. تتناسل الحكايات عن سجناء مكنتهم تجاربهم المتعددة داخل أسوار البنايات الإسمنتية من اكتساب مهارات خاصة في التعامل مع ثقافة عالم السجون إلى الحد الذي أصبحوا من خلاله بمثابة ممونين محتكرين لتسويق وتصريف بضائع خاصة بأحياء ومعاقل بعض المؤسسات السجنية. يعيل أسرته من داخل السجن ! تتعدد الأسباب وتتقاطع التجارب المرة التي قادتهم لرهن سنوات من أعمارهم وراء قضبان السجون. من بين هؤلاء سمير السجين السابق، الذي سبق أن أدين في ملف له علاقة بحيازة المخدرات والاتجار فيها. يعترف هذا الأخير أن نطاق الاتجار في المواد المخدرة داخل المؤسسات السجنية مجال غير مقيد أو محصور، فالعديد من السجناء يمتهنون ترويج كميات مهمة من الحشيش والكيف وغيره، ويتمكنون من جني أرباح طائلة يتم تقاسمها مع جهات وأطراف “خاصة”، حسب توصيف السجين المذكور. في نفس السياق، يتذكر سمير، أحد رفاق السجن الذي كان يتفاخر بكونه، يجني من وراء تجارته المحظورة داخل زنزانته أكثر مما كان يتقاضاه خارج أسوار السجن. كما يستحضر حالة تخص سجينا آخر، تمكن في ظرف شهرين من مراكمة أرباح مالية مهمة تقدر ب 17 ألف درهم .. «كان كيصرف على العائلة ديالو من داخل لحبس .. كان الواليد ديالو مريض بالقصور الكلوي .. وكيخلص ليه الدياليز».، يروي السجين السابق بالمركب السجني عكاشة. سبع سنوات مرت على الحادثة التي تعرض لها سمير، كانت جميعها فصولا متوالية من الاعتداءات الانتقامية والاتهامات الكيدية، بعد أن تقهقرت المكانة المتميزة التي كان يحظى بها، وأصبح من بين “المغضوب عليهم”، بسبب رغبته في كشف ما اعتبره “منكرا” داخل أروقة المؤسسة السجنية.. «جبت لراسي صداع مني بغيت نكتب تقرير على شي حوايج لبانو ليا ماشي قانونيين داخل مؤسسة من المفترض أنها خاضعة لقانون»، يعلق سمير على سيل الإجراءات العقابية التي طالته، بعدما تجرأ على رفع تقرير مكتوب لأحد المسؤولين، يكشف فيه عن فضائح “الحلف المقدس” بين بعض الحراس وبارونات المخدرات. حاميها .. حراميها ؟! «لا يوجد دخان بدون نار»، مثل ينسحب على بعض الحالات حراس المؤسسات السجنية، اللذين فضلوا التعاون مع السجناء حسب قواعد خاصة يجري عليها منطق الربح والخسارة، وفضلوا التستر على سلوكات أصبحت أكثر تجذرا داخل أسوار السجون، التي أصبحت بمثابة “محميات خاصة”. في صبيحة أحد أيام شهر يناير الماضي، وخلال جولة تفتيشية روتينية، وقف أحد حراس سجن القلعة محدقا حائرا على غير عادته، بعدما استرعى انتباهه وجود جسم غريب بالساحة الخارجية والمحاذية لبرج المراقبة. بعد اقترابه من المكان، اكتشف أن الأمر يتعلق بجوارب محشوة بمخدر “الحشيش”، وأوراق التلفيف “النيبرو”، مرمي بها في انتظار صاحبها الموعود، غير أن الصدفة جعلته يكون في الموعد، ليحبط محاولة جريئة لإدخال قطع من المخدر المشهور إلى أحد النزلاء، عبر جوارب تحولت بفعل فاعل إلى مخازن خفية لتمرير المحظور. وضع لم يجد معه الموظف، إلا إخبار إدارة السجن التي ربطت الاتصال بجهاز الشرطة القضائية للمنطقة الأمنية (قلعة السراغنة) التي صادرت عناصرها “الجوارب الطائرة”، فيما أمرت النيابة العامة بفتح تحقيق دقيق ومعمق للتعرف على الجناة المفترضين. إذا كانت الخطوة التي بادر إليها الحارس المذكور، تعبر عن حس عالي بالمسؤولية الأخلاقية، وتقدير عال اتجاه عمله، فهناك العديد من الحالات المماثلة التي كشفت عما يشبه تحالفا مصلحيا بين السجناء والحراس الذين هم معتقلون باسم الواجب. هذه المرة اختلف المكان والزمان والأدوار المسندة لكل طرف، حينما تمكنت مصلحة الشرطة القضائية بمدينة برشيد من اعتقال حارس بالسجن المحلي ببرشيد، بتهمة التواطؤ في عملية دخول كمية 200 غرام من مخدر الشيرا إلى المؤسسة السجنية لفائدة أحد السجناء، حيث تمكن ضباط إدارة السجن المذكور من اكتشاف عملية تسرب المخدرات إلى السجن، من طرف أحد الحراس التابعين لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ليخبروا مدير السجن، الذي بدوره أخبر رجال الشرطة بمفوضية الشرطة، الذين انتقلوا إلى عين المكان، واعتقلوا الحارس والسجين، حيث تمت إحالتهما على وكيل الملك، من أجل “إدخال مواد ممنوعة إلى السجن والاتجار في المخدرات داخل مؤسسة سجنية”. الحاجة أم الاختراع! ، الموارد المالية التي يتم جنيها من رواء ترويج المخدرات داخل السجن فرضت على بعض النزلاء توريط أقربائهم في نشاطهم. إذ يلجأ بعض نزلاء المؤسسات السجنية إلى إلهام ذويهم بطرق فريدة لاعتمادها في تسريب الممنوعات إلى حيث يتواجدون خلف القضبان، وحسب زوجة لإحدى السجناء رفضت الكشف عن هويتها، فقد استطاعت تهريب كميات مهمة المعجون إلى زوجها المحكوم عليه بخمس سنوات سجنا، بعدما قدم للقضاء من أجل ترويج المخدرات مع حالة العود، فقد أملى عليها زوجها المعتقل بسجن خارج العاصمة الاقتصادية حيلة فريدة من نوعها، إذ بواسطتها استطاعت أن توصل إليه بضاعته من مخدر الشيرا إلى حيث يقبع داخل الزنزانة، تضيف السيدة قائلة، « طلب مني زوجي أن استغل عيد االفطر لسنة 2006، في تسريب كمية من المعجون، حيث أملى علي حيلة ذكية لاستغفال حراس السجن، وطلب أن أعد له «كيك» مخبوز بمسحوق وزيت حبات القنب الهندي، ثم تغليفها بالبلاستيك الذي يشبه الأغلفة التي تعبأ بها الحلويات، حيث لم يستطع الحراس التفريق بينها وبين الحلوى العادية، بعد ذلك، طلبت من أحد الحراس أن يسمح لي عند كل زيارة بإدخال «طاوا عامرة بالكيكة»، 75 بالمائة منها معجونة بمسحوق وزيت حبات القنب الهندي، مقابل 100 درهم عند كل زيارة». بطاريات محشوة بحبوب الهلوسة حكاية أخرى لسجين سابق آخر تحول إلى «بزناس» رغما عنه، حينما وجد نفسه بالسجن وبحوزته كمية من حبوب الهلوسة، ففي إحدى الزيارات جلب له صديق عشرين بطارية للشحن من النوع الكبير، رغم أنه لم يطلب منه ولا من ذويه هذه البطاريات، وبدأ يشك في الأمر وفي جدوى البطاريات، قبل أن يتفاجأ بمكالمة هاتفية من صديقه، يخبره أن تلك البطاريات محشوة بحبات «القرقوبي» ، حيث طلب منه ترويجها مقابل 30 درهما للواحدة، ليضرب معا موعدا لتسلم نصف المبلغ المحصل عليه أثناء الزيارة القادمة، لكن نشاطه لم يقتصر على ترويج حبوب الهلوسة، بل تعداه إلى ترويج لصاق «السيلسيون» بعدما تمكن صديقه من إرسال خمس عبوات من معجون الأسنان ذات الحجم الكبير، يتم تفريغ معجون الأسنان منها وإعادة حشوها ب«السليسيون» حيث كان يبيع محتوى العبوة الواحدة ب200 درهم، أما الجرعات الصغيرة من اللصاق فيبلغ ثمنها 10 دراهم. أو يتم مقايضتها بعلبة سجائر أو ب«بون» للمواد الغذائية، التي تباع بدكان السجن0 يكسب آلاف الدراهم من بيع «التقطيرة» من الحيل التي لم يفطن إليها حراس السجن، تلك التي ابتدعها سجين سابق، حينما استطاع رفقة صديق له تسريب تقطيرة خاصة بعلاج مرضى «الثلاثي الصبغي21»، بعدما كان يسربها له صديقه أثناء الزيارات عبر إخفائها في عبوات «الشامبوان» كبيرة الحجم بعد تغيلفها جيدا بالبلاستيك، حيث كان يبع القطرة الواحدة للسجناء بمبلع 20 درهم!، فمفعولها يؤكد هذا السجين السابق، يضاعف مفعول حبتين للهولسة إذ يشعر المستهلك لها بارتخاء شديد وثمالة قد تمتد ليومين أو ثلاثة!، و«هكذا أصبحت تصلني البضاعة دون أن يفطن أحد، واستطعت الحصول على آلاف الدراهم طيلة تواجدي بالسجن واقتسامها مع شريكي في وقت الزيارة، بالإضافة إلى بعض الأمتعة التي كان يقايض بها السجناء جرعات «التقطيرة»، من «مانطات» وشاشات تلفاز وهواتف نقالة وحواسيب! أنس بن الضيف / محمد كريم كفال