، أصغر سفير للمغرب ثم شغل منصب وزير الشؤون الخارجية ثم وزيراً أول، من الشخصيات البارزة التي كانت شاهدة على فترة من تاريخ مغرب الحسن الثاني. ظل صامتاً طيلة 30 سنة. وفي هذا الاستجواب، يلقي مولاي أحمد العراقي الضوء على جانب مهم من بناء وتدبير الدبلوماسية المغربية { كيف تم تعيينك وزيراً للشؤون الخارجية؟ كان ذلك عقب زيارة رسمية لجلالة الملك لواشنطن في فبراير 1969، بدعوة من الرئيس ليندون جونسون. بعد أيام على عودته إلى المغرب، أبلغني رسالة يطلب مني العودة إلى الرباط على عجل. كنت أتساءل ما إذا كنت قد ارتكبت خطأ أثناء مقامه في واشنطن. رغم أنه كان يبدو مرتاحاً لعملي. أخذت الطائرة في ذلك المساء. لم تكن هناك رحلات مباشرة، كان يتعين المرور عبر باريس. في مطار الدار البيضاء، وجدت ضابطاً من الجيش كان في انتظاري بطائرة هليكوبتر. لم يمهلني حتى لاستلام حقائبي: «جلالة الملك في انتظارك». قلت في نفسي ربما الأمر خطير. حطت المروحية في ملعب الهوكي بجانب إقامته. لا حاجة إلى القول، إنني كنت خائفاً. وعندما رأيته باسماً، فهمت أن الأمر ليس خطيراً. التفت إلى اگديرة، المحمدي وادريس السلاوي الذين كانوا يتبعونه وقال لهم: «أقدم لكم وزير الشؤون الخارجية الجديد». بالنسبة لي، كان ذلك إشارة مفادها: «لا فضل لهم في تعيينك». كان عمري آنذاك 36 سنة. { هل يمكن أن تحدثنا عن بدايات الدبلوماسية المغربية، هل كانت هناك عقيدة واضحة، أم أنه تتم بلورتها من خلال العمل؟ كانت بداية الاستقلال، كل الوزارات ورثت إدارة كانت موجودة: المالية، الأشغال العمومية، الداخلية... فيما يتعلق بالشؤون الخارجية، لم يكن هناك شيء. كان يتعين أولا البحث عن مقر: وجدنا فيلا «لوريش» التي كانت مقر المجلس السابق في عهد الإقامة العامة. كان يتعين إيجاد الأطر. ويجب التأكيد أن السيد بلافريج كان شخصية خارقة. لقد كان دبلوماسياً في روحه. وكانت إحدى أولوياته الدبلوماسية هي التفاوض مع القوى الاستعمارية السابقة حول معاهدات تنظم علاقاتنا معها، وبالأخص إدماج طنجة التي كانت تتمتع بوضع دولي. استمرت المفاوضات شهراً أو شهراً ونصف، لأنه كان يتعين التفاوض مع 13 دولة موقعة على معاهدة الجزيرة الخضراء، وكل دولة كانت تطرح مشاكلها. وما كان قد تقرر في عهد محمد الخامس هو الحفاظ على نظام اقتصادي خاص لطنجة. ولم يتم إلغاء الوضع الاقتصادي الخاص لطنجة في عهد حكومة عبد الله ابراهيم، التي كان عبد الرحيم بوعبيد نائباً لرئيسها. { ألم يكن ذلك خطأ؟ وها نحن نعود إلى ذلك، من خلال إحداث منطقة حرة؟ كل الأبناك والشركات التي كانت متواجدة في طنجة انتقلت إلى جبل طارق وبيروت التي كانت تستفيد كذلك من وضع اقتصادي خاص. لقد خسرنا كثيراً بإلغاء الوضع الاقتصادي الخاص لطنجة. { إبان حكومة عبد الله ابراهيم، عندما كانت صلاحيات المجلس واسعة، هل كنتم كدبلوماسي تحت وصاية المجلس، أم أنكم كنتم ضمن المجال الخاص للملك؟ بطبيعة الحال، جلالة الملك هو من كان يعطي التوجهات الكبرى، ولكن ذلك لم يكن يمنع وزراء الخارجية من أخذ المبادرة. وهذا صحيح حتى من بعد. عندما عينني جلالة الملك قال لي: «عندما يكون هناك أمر مستعجل لا يحتمل الانتظار. ابعث لي خبراً مكتوباً بخط يدك والشخص الذي سترسله، سيعطي الرسالة إلى حارسي الشخصي، وهذا الأخير سيسلمه لرحال الذي بإمكانه أن يدخل حتى إلى حمامي الخاص. وإذا لم يصلك رد فعل مني خلال ساعتين، بإمكانك التحرك». بطبيعة الحال، لم أكن أفعل ذلك إلا نادراً، مرتين أو ثلاث في السنة. وأعتقد أن الوزراء يبحثون عن غطاء للاستمرار في مناصبهم. ولكنهم في تلك اللحظة يسرعون رحيلهم... { ما هي الأولويات التي كانت مطروحة على الدبلوماسية المغربية؟ أولا، استكمال الوحدة الترابية، لأنه في سنة 1912، تم تمزيق المغرب إلى منطقة فرنسية ومنطقة اسبانية، في الشمال والجنوب (طرفاية) ومنطقة دولية والصحراء التي كانت تابعة مباشرة لإسبانيا، إضافة إلى أن الحدود مع الجزائر لم تكن محددة جنوب فگيگ (معاهدة لالة مغنية سنة 1885). في سنة 1958، أرسلت فرنسا السفير أليكسندر بارودي الذي كان يحمل رسالة من الجنرال دوغول تقول بأن فرنسا مستعدة لفتح مفاوضات حول الحدود ما بعد فگيگ. لكن بعض الأشخاص في الحكومة قالوا لجلالة الملك محمد الخامس: «لقد اعترفتم بالحكومة المؤقتة لفرحات عباس. وسيكون فتح مفاوضات مع فرنسا، بمثابة طعنة في الظهر لفرحات عباس وللحكومة الجزائرية المؤقتة. هؤلاء الأشخاص أنفسهم دعوا حكومة فرحات عباس الذي حضر واجتمعنا في فندق ميرامار بالمحمدية، وهناك تم توقيع اتفاق يقر بأن مبدأ الحدود الموروثة عن الاستعمار، لا يمكن رفعه في وجه المغرب، وحرصنا على التنصيص على ذلك، لأن مؤتمر منظمة الوحدة الافريقية المنعقد في أديس أبابا سنة 1963، أقر في ميثاقه بمبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار. وعندما تم إقرار ميثاق منظمة الوحدة الافريقية، أبدينا تحفظنا فيما يتعلق بهذا البند. وعندما تم تعيين بن خضرة مكان فرحات عباس، جاء بن خضرة صحبة فريقه الحكومي وجدد تأكيد اتفاق الحدود الموقع مع سلفه. لكنهم لم يلتزموا بما وقعوا«. { كيف عشتم الفترة ابتداء من سنوات 64 / 65، حيث برز الحضور المغربي على الساحة الدولية؟ كنا إحدى الدول الأوائل التي اعترفت بنظام ماوتسي دونغ وتبادل السفراء مع الصين. وهذا يظهر أننا كنا مستعدين للانفتاح. { مباشرة بعد ذلك، اندلعت حرب 1967، كنت آنذاك وزيراً للشؤون الخارجية، ماهي ذكرياتك عن هذه الفترة؟ عندما طلب جمال عبد الناصر، سحب قوات الأممالمتحدة من خليج العقبة، بعثني جلالة الملك أسأله إن كان بحاجة لشيء. رد علي ناصر حرفياً «منذ 15 سنة وأنا أستعد لهذا اليوم وهذه اللحظة، لست بحاجة لأي شيء. لدي جيش وبدأ يسرد علي عدد المصفحات والطائرات التي يتوفر عليها..». في النهاية، عندما نهضنا قبل أن نفترق، قال لي: «لا، بإمكان جلالة الملك أن يسدي لي خدمة. فهو صديق حميم لشاه إيران، هل بإمكان شاه إيران أن يعد بعدم تزويد اسرائيل بالبترول، إذا ما هاجمت اسرائيل مصر»، لأن إيران هي هو. كان يزود إسرائيل بالبترول. عدت وأخبرت جلالة الملك وقال لي: «ستذهب للقاء شاه إيران وستنقل له ما قاله ناصر»، كان شاه إيران متواجداً في باريس لحضور زفاف إحدى قريباته. استقبلني على الفور، وقال لي: «إذا ما هاجمت اسرائيل مصر، سأوقف تزويدها بالبترول». بطبيعة الحال، هاجمت اسرائيل، لكن الحرب كانت منتهية في غضون ساعة... لقد ضربوا الطيران المصري في الأرض منذ ساعات الصباح الأولى ولم تقع المعركة، وبالتالي لم يقع وقف إمدادات البترول. { بعد ذلك، عينتم وزيراً أول. كيف تم ذلك؟ لم أكن أتوقع ذلك بتاتاً. أعتقد أنني مدين لأول مؤتمر قمة إسلامية الذي انعقد في المغرب في أعقاب إحراق المسجد الأقصى. ووجه الملك فيصل نداء إلى المسلمين، وطلب مني جلالة الملك الذهاب للقائه وأيضاً لقاء شاه إيران، لأنه لو انعقد المؤتمر في جدة، كما كان مقرراً، ما كان سيحضره الشاه، لأن العلاقات كانت جد سيئة بين إيران والسعودية خلال سنوات 1970/1968 وخلال الزيارة الرسمية التي قام بها جلالة الملك لإيران سنة 1968، طلب منه الشاه أن يحاول التقريب بين البلدين. بعد إيران ذهبنا إلى الرياض. الملك فيصل حكى لجلالة الملك المشاكل الموجودة بينهما وكان الشاه إيران ... بعثني إليه جلالة المك لأقول له بأن حضوره للمؤتمر مهم جدا. كنت قد ربطت صداقة مع وزير الخارجية الإيراني زاهدي، وهو إبن الجنرال الذي أطاح بمصدق، وكان أيضا الصهر السابق للشاه، القتيت الشاه وقلت له أنه لا يمكن تصور مؤتمر إسلامي بدون حضور إيران، رد علي: «إذا انعقد في جدة، فلن أحضره، ولكن إذا انعقد في الرباط سأكون حاضرا». ذهبت للقاء الملك فيصل، الذي كان بالطائف، التبرير الذي استعملت كان هو أن عقد المؤتمر في الرباط سيسمح بالاعتراف بموريتانيا ودعوة المختار ولد داده للحضور. وفي عهد محمد الخامس صرح الحسن الثاني لصحيفة لوموند غداة اعلان استقلال موريتانيا قائلا: «لو كنت ملكا، آنذاك لكنت أول من يعترف بموريتانيا». شرحت للملك فيصل بأن هذا المؤتمر فرصة سانحة، وفي الواقع لم يكن بحاجة لهذا التبرير، لقد كان رجلا رائعا. قال لي : «ليس هناك أي مشكل. لإيران وزن يجعل حضورها ضروريا. قل لأخي الحسن الثاني بأنه إذا أراد عقد المؤتمر في الرباط سأصفق». { هل عينتم وزير أول مباشرة بعد المؤتمر؟ نعم، مباشرة بعد المؤتمر كنت قد ذهبت إلى نيويورك لحضور أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال لي جلالة الملك: «الإعداد للمؤتمر ربما أرهقك كثيرا، خذ إجازة لمدة سبعة أيام في مكان ما بعد الجمعية العامة». أجبته بأنني مدعو من طرف وزارء بلجيكا وهولندا، وسأستغل ذلك للقيام بتلك الزيارات. وصلت إلى نيويورك وكنت مرهقا. حضرت افتتاح أشغال الجمعية العامة، طلب مني ممثلنا الدائم لدى الأممالمتحدة المرحوم أحمد الطيبي بنهيمة، الذهاب للراحة في مكان ما: «أنصحك بالذهاب إلى جزر بيرمودا، الطائرات تقلع مساء الجمعة وتعود صباح الاثنين...». قبلت الاقتراح، ولكنني طلبت منه عدم إخبار أي شخص. وصلت إلى جزيرة بيرومودا، كنت مع زوجتي، وبما أن الجزيرة صغيرة جدا، استأجرنا دراجة نارية للتنقل، عندما أعود في المساء في الساعة السابعة يقولون لي «السيد بنهيمة اتصل بك عشر مرات»، اتصلت به وقال لي «ادريس السلاوي يريد الاتصال بك بأي ثمن». كان ادريس السلاوي عمل مديرا للديوان الملكي، طلبت من بنهيمة مده برقم هاتفي، اتصل بي ادريس السلاوي وقال لي «جلالة الملك سيتصل بك غدا حوالي الساعة الواحدة بعد الزوال بالتوقيت المغربي»، أي الثامنة صباحا بتوقيت نيويورك، عدت إلى نيويورك مساء الأحد، وصباح الاثنين اتصل بي جلالة الملك وسألني «متى ستعود؟» وأجبته «ولكنني لم ألق بعد كلمة المغرب أمام الجمعية العامة، سألقي خطابي يوم الأربعاء، ثم سأقيم حفل عشاء على شرف كورت فالدهايم، بعد ذلك أخبرت وزيري خارجية بلجيكا وهولندا، لأنكم طلبتم مني أخذ إجازة للراحة»، أجابني «لا، لابد أن تعود في نهاية الأسبوع، لأنني قررت تعيينك وزير أول». { ماهي قراءتك اليوم لتلك المرحلة؟ عندما عينت وزيرا أول، أول شيء قلته لجلالة الملك بأنني كوزير للشؤون الخارجية، لاحظت بأن استمرار حالة الاستثناء تحرج المغرب كثيرا. قال لي «سأعلن نهايتها خلال خطاب عيد العرش 3 مارس المقبل» في ذلك اليوم فعلا أعلن عن رفع حالة الاستثناء، وأعلن أنه سيطرح دستورا جديدا على الاستفتاء، كما أنه قبل جميع الشخصيات التي اقترحت عليه. فعندما تتحمل مسؤلوياتك يتركك تشتغل... { هل بإمكانك أن تحدثنا عن «قضية الوزراء». هل فعلا كان هؤلاء المسؤولون فاسدين؟ صحيح أنه في ذلك الوقت، لم تكن الأمور عامة مثل اليوم: يمكن أن نصفها بالترهات، كنت قد اطلعت جلالة الملك عن الحرج الذي أحسه في أعقاب شائعات بالفساد. أتذكر أنه قال لي: «قدم لي الدليل...» لم أكن أتوفر على أدلة، وذات يوم خلال اجتماع للحكومة، اتصل بي جلالة الملك شخصيا، وطلب مني الالتحاق به فورا، ذهبت للقائه، كان الجنرال المدبوح قد عاد من الولاياتالمتحدة قال له: «أطلعه على الرسالة»، كانت رسالة من شركة بانام التي كانت تريد بناء مركب فندقي في ثكنة قريبة من حديقة الجامعة العربية، كانت من قبل ثكنة للجيش الفرنسي، كان الأمر يتعلق بمشروع يتضمن قصرا للمؤتمرات ومسرحا وفندقا.. واستغلت شركة بانام تواجد الجنيرال المدبوح بالولاياتالمتحدة للاتصال به وأخبرته أنه «طلب منا مبلغ معين للمتر» أمام هدوئي، سألني الحسن الثاني: «أهذا كل ما خلفه فيك» أجبته «جلالة الملك، هاهو الدليل الذي طلبتهم مني قبل ثلاث أو أربعة أشهر». الشخص المعني، الذي اتصل بشركة بانام لم يكن من بين أفراد الحكومة، لقد كان شخصا خاصا، قال لي جلالة الملك «تستدعيه فورا»، سألته «بأي حق سأستدعيه؟ إنه شخص خاص»، ثم اقترحت عليه أن يتم استدعاؤه من طرف الجنرال الدليمي، الذي كان آنذاك المدير العام للأمن الوطني، وأن يقوم باستسفاره، قلت له«لكن بشرط... ستقع تدخلات لفائدته، ستعدني بأن الجنرال سيضعه في مكتب ويعطيه سريرا ويقدم له الأكل، ولكن ألا يتصل بالعالم الخارجي خلال يومين أو ثلاثة» وافق جلالة الملك على ذلك قائلا: «اتصل بالدليمي لإخباره، وأنا سأؤكد له ذلك». وفعلا كما توقعت تقاطرت الاتصالات الهاتفية من كل جانب تسألني لماذا تم استدعاء فلان من طرف الدليمي، كنت أرد في كل مرة «ولكن الجنرال الدليمي يتبع مباشرة جلالة الملك وليس الوزير الأول، إذا كانت لديكم أسئلة. أطرحوها على الدليمي أو جلالة الملك». وبعدما اقتنع الشخص المعني بعد ثلاثة أو أربعة أيام أن التدخلات لم تثمر شيئا، أعطى لائحة القضايا والأموال المحصل عليها إلخ. هكذا اندلعت هذه القضية. { لماذا بقيت التفاصيل سرية؟ ذهبت للقاء جلالة الملك، قلت له «الوزراء المعنيون هم من اشتغل معهم أكثر، لم أعد أستطيع النظر في أعينهم... أمامكم ثلاثة حلول: أولا: تقديمهم للعدالة، هكذا ستعززون حكمكم وحكم ولي عهدكم شريطة أن لا يتم الكيل بمكيالين. ثانيا تغيرون الوزير الأول وتحتفظون بهم لأنهم أكفاء، لأنه لا أري كيف يمكن أن أواصل العمل معهم، والحل الثالث، يمكن أن يكونوا سفراء جيدين في بارس أو ألمانيا أو بروكسيل أو واشنطن....» قال لي: «دعني أفكر، لاداعي لأن ترحل انت» كان ذلك عشية ختان ولي العهد في فاس، بعدها دشنا سد وادي زير. عدنا إلى إيفران للمبيت. طلب مني استدعاء الوزراء المعنيين، قال لهم «لم تكونوا شرفاء، وخيبتم ظني، ولكنني أسامحكم بسبب الخدمات التي أسديتم إلى بلدكم»، مضيفا «واصلوا عملكم كما لو أنكم ولدتم اليوم»، ولكن بعد 30 يوما، ما كان سرا من أسرار الدولة أصبح الموضوع المفضل في أحاديث كل الأوساط. وأمام اتساع الظاهرة، قرر جلالة الملك أن يقوم بتعديل حكومي، وكلفني باستدعاء الوزراء الذين سيغادرون، لأقول لهم باسمي وباسمه بأن كل واحد منهم قدم خدمات جليلة لبلدهو وأنه لن يقلقواو وأن كل واحد منهم لن يضع علمه وخبرته في خدمة اقتصادنا. كان ذلك في شهر أبريل 1971. بعد شهرين ونصف وقعت المحاولة الانقلابية بالصخيرات، في ذلك الوقت بدأ بعض الأشخاص من المحيطين به يقولون له إنه إذا كانت حادثة الصخيرات قد وقعت فإنها مرتبطة «بقضية الوزراء»، ولكن لا علاقة للانقلاب بهذه القضية، لأنه علمنا فيما بعد، خلال محاكمة الانقلابيين، أن المحاولة الانقلابية كانت ستتم خلال المناورات العسكرية في الحاجب قبل سنة، وأنه تم تأجيلها. { 8 أيام بعد المحاولة الانقلابية في الصخيرات طلب منك الحسن الثاني إمداده بتحليل للوضعية؟ فعلا، طلب مني امداده بتقرير يلخص الوضعية الاقتصادية، الاجتماعية والسياية للبلد. سلمته إياه يوم 19 يوليوز بعد ثمانية أيام، الكثير من محيطه كانوا يعتبرون أن أحداث الصخيرات حادث عابر، لكنني كنت اعتقد أن الأمر يتعلق بزلزال كان دائما يسمح لي بأن أكلمه بصراحة، كان يقبل أن توجه له الانتقادات، حتى إن لم يكن تعجبه، ولكن ليس أمام الآخرين. على انفراد، كان يقبل كل شيء، وإلا ماكنت سمحت لنفسي بكتابة ذلك التقرير. { هل آخذكم الملك على ذلك التقرير لا، وإلا لما استدعاني بعد ذلك لشغل منصب وزير الخارجية، ثم حتى بعد تسلم التقرير سألني من الشخص الأجدر يتحمل مسؤولية الوزير الأول، وكنا متفقين على أنه في حالة الصدمة التي توجد عليها البلاد، كان لابد من رجل تكون له مكانة وقاعدة على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الدولي لأخذ زمام السلطة. وعندما أخبرنا، أنا وإدريس السلاوي، السيد كريم العمراني بتعيينه وزيرا أول، قفز من مكانه وقال «لا، أنا لست مؤهلا لذلك»، أقنعناه وساعدناه على اختيار وزراء بطبيعة لاحال بموافقة الملك. كنا مكلفين أنا وادريس السلاوي باستدعاء الأشخاص الذين نقترح عليهم المناصب. بعضهم رفض، خاصة السيد محمد الطاهري، حسن الشامي، أمين بنجلون وعبد الهادي الصبيحي الذين لم يفهموا لماذا أنا مكلف بالاتصال معهم، بينما أنا راحل عن الحكومة. ولكي أختم أعتقد أن جلالة الملك آخدني يوم 23 غشت ليلا، عندما استدعاني إلى الصخيرات، وجدت هناك ادريس السلاوي، كريم العمراني الحاج محمد باحنيني أحمد رضا اكديرة والجنرال أوفقير. الحكومة كانت قد تشكلت وكانت ستعلن في اليوم المالي. خرج جلالة الملك للقائنا. توجه نحو الآخرين وقال لهم: «فكرت جيدا: لابد من اقناع مولاي أحمد بالبقاء، أمهلكم ساعة لإقناعه، وسأعود للقائكم» والأقرب لاقناعي بالبقاء كان هو الوزير الأول المقترح كريم العمراني. أما أنا فقد كنت قد اتخذت كل إجراءاتي وهيأت نفسي للرحيل. { كيف عدتم للشؤون الخارجية في يناير 1974، استدعاني جلالة الملك وقال لي: «لابد أن يعود الي الخدمة هناك قضية مهمة يجب التعامل معها» كانت قضية الصحراء، أتذكر أنني أجبته «جلالة الملك عوض محمد بنهيمة كوزير أول والآن سأعوض أحمد طيبي بنهيمة كوزير للشؤون الخارجية: آل بنهيمة سيكرهونني»، رد قائلا «هذا شأني، سأرسل أحمد طيبي بنهيمة إلى الإعلام، سيكون أفضل في هذ المنصب لأننا سندخل فترة صعبة: سننخرط في معركة الصحراء»، وبما أنني كنت وزير أول من قبل، عينني جلالة الملك وزير دولة مكلف بالشؤون الخارجية، وزير الدولة يأتي في التراتبية مباشرة بعد الوزير الأول، وبالتالي عدت إلى الخدمة طيلة 4 سنوات. { ما هي في رأيكم حصيلة سياسة المرحوم الحسن الثاني؟ سياسة السدود كانت إحدى أهم النقط التي تحسب له، وبذلك قلت إن الحسن الثاني كان بعيد النظر، بطبيعة الحال الأغنياء هم الذين استفادوا منها أكثر، ولكن ذلك خلق دينامية عمل وتحسين الإنتاج يستفيد منها جميع المغاربة. على المستوى الدولي كان له صيت لم يتسنى لكثير من رؤساء الدول، بالمقابل في ميدان التعليم كان الفشل تاما. كانت هناك الديماغوجية، فهل يمكن تصور تعريب التعليم الابتدائي دون الانشغال بالمكونين؟ { كيف سمح الحسن الثاني، الذي كان ذكيا وبعيد النظر كما قلت، ان يقع شيء كهذا؟ كان ذلك تحت ضغط حزب الاستقلال { ماهي في نظركم افاق السلام في الصحراء؟ لقد ارتكبنا عدة اخطاء، في سياق نجاح المسيرة الخضراء، كان علينا ان ننظم نحن بانفسنا استفتاء. ارتكبنا خطأ عدم الدخول الى بير لحلو، لانه اذا كنتم تتذكرون، في سنة 1975 كان 4000 او 5000 جندي جزائري محاصرين هناك. وفي تلك اللحظة تدخل جميع رؤساء الدول، هوفويت بواني، سنغور، ملكا السعودية والاردن، والرئيس المصري حسني مبارك قام بأربع رحلات أو خمسة بين الجزائر وفاس، كان لهم جميعا نفس الخطاب مع الحسن الثاني، لقد ربحتم تماما المعركة. وعليكم الحفاظ على كرامة بومدين. جمع الحسن الثاني جميع رؤساء الاحزاب، كانوا كلهم موافقين على سحب قواتنا، لان جيشنا كان معبأ في الجنوب. ولم تكن وجدة في الشمال محمية، وبالنظر لحمق الجزائريين، كنا نتخوف من ان يهاجموا المغرب من هناك. واتذكر حرب الرمال سنة 1963، كان بامكان الجنرال ادريس بن عمر، قائد اركان الجيش، ان يواصل حتى تندوف. قال لي عندما تلقيت برقية وقف التقدم الى الامام والعودة الى الحدود، خطر ببالي ان اكسر الراديو ولكن، انا وفي، نفذت الامر، سألت الحسن الثاني فيما بعد، لماذا عدنا الى الحدود، اجابني يمكن ان نربح مؤقتا، ولكنني افكر في من سيخلفوني. لا أريد ان يشن الجزائريون الحرب على ولدي واحفادي للاخذ بثأرهم. لذلك افضل المرور عن طريق التفاوض. { كيف جرت الامور امام الامم المتحدة؟ الاسبانيون كان ينوون تنظيم استفتاء من أجل خلق دولة صورية في الصحراء، او ان يتم إلحاق هذه الارض باسبانيا. قرر جلالته الملك طرح المشكل امام محكمة العدل الدولية بلاهاي، ولكن لكي تقبل المحكمة اصدار تحكيمها، كان لابد ان توافق اسبانيا على تقديم طلب مشترك لمحكمة العدل الدولية. و بما ان اسبانيا كانن ترفض، كان يتعين المرور عبر الجمعية العامة للامم المتحدة. ارسل جلالة الملك بعثات عبر العالم وتمت زيارة القارات الخمس، ولكن مفاجأتنا كانت كبيرة عندما لم يشر اي متدخل رلى طلب التحكيم الذي قدمه المغرب، لان الجزائر قامت بعمليات ضغط، وذلك رغم ان بومدين قال خلال مؤتمر الرباط العربي سنة 1974 اذا اتفق المغرب وموريتانيا انا ليست لي اطماع على هذا التراب. وصلت رفقة بوستة وبوعبيد وعلي يعثة وأحرضان الى نيويورك، كنا امام هذا الوضع. اتصلت بوزير الخارجية الموريتاني دون ان اخبر زعماء الاحزاب بذلك، اقترح علي توقيع اتفاق يعطي لموريتانيا جزءا من الصحراء، سنناقشه فيما بعد. عرضت ذلك على رؤساء الاحزاب الذين ايدوني، واكدوا انه فعلا حتى الدول العربية، حتى السعودية، لم يقولوا كلمة واحدة حول الاقتراح المغربي، وبالتالي تقدمنا معا، وحصلنا على تحكيم محكمة العدل الدولية. { لماذا لم تنجح هذه المبادرة؟ في سنة 1975 وجدنا انفسنا امام صعوبة اخرى. الجزائر طرحت ملتمسا مدعوما من 85 مندوبا، كل المعسكر السوفياتي، ومجموع دول عدم الانحياز، ملتمس يطلب الانسحاب الفوري للمغرب وتنظيم استفتاء. كنا امام عقبة كبيرة، لأن الاشخاص الذين كنت اتصل بهم لا يجيبون. في النهاية قررت ان اقدم مشروع قرار بديل يقول في ديباجته انه يجب احترام مبدأ حق السكان في تقرير مصيرهم، ولكنه في حيثياته يشير إلى اتفاق مدريد. حصلنا على دعم اربع دول فقط. السينغال، الغابون، الكاميرون والنيجر، حتى تونس لم تساندنا. عندما فاوضنا كل هذه الامور، كان الوقت متأخرا للاتصال بجلالة الملك، والمهم بالنسبة لي كان هو الاشارة لاتفاق مدريد واعطائه تزكية الامم المتحدة. بمعنى ان تواجدنا في الصحراء كان قانونيا. تم تمرير القرار الجزائري ب 153 صوتا، وقرارنا تم تمريره ب 89 صوتا. وعندما تمكنت من الاتصال بالملك، سألني عن محتوي هذا القرار، اجبته بان الجانب العملي يشير الى اتفاق مدريد. سألني عن محتوى الديباجة، قلت له حق تقرير مصير سكان الصحراء، رد علي سأدينك علانية. قلت له جلالة الملك انه في ميثاق الامم المتحدة. ستدينني يوم الاثنين، ولكنك سترى ممثل اسبانيا يتناول الكلمة هذا المساء أمام الجمعية العامة. رد علي اعطيك مهلة حتى يوم الاثنين. يوم الجمعة، أخذ ممثل اسبانيا الكلمة ليقول بان الاسبانيين أضعفهم مرض فرانكوا، وانهم وقعوا هذا الاتفاق لتفادي حمام دم امام حشد من 350 الف شخص ، مضيفا ان مسألة الغاء او تعديل اتفاق مدريد تعود الى الجمعية العامة. أرسلت النص الكامل لجلالة الملك، ويوم الاثنين بعث لي رسالة : «اتخذت المبادرة الجيدة، لك مني كل الرضى، رسالة مازلت احتفظ بصورة منها. { ماذا وقع بعد ذلك مع الدول الافريقية؟ عندما غادرت وزارة الشؤون الخارجية سنة 1978 لم يكن عدد الدول التي اعترفت بالجمهورية الصحراوية الوهمية سوى 7 دول: الجزائر، رواندا، بورندي، فيتنام الشمالية، كوريا الشمالية، الرأس الاخضر، وليبيا. وبعد ذلك وقعت مقايضات على حساب المغرب. و وصل العدد الى 43 دولة، وهو ما اجبر جلالة الملك على اقتراح الاستفتاء. ولكنني اعتقد انه كان خطأ السماح لمنظمة الوحدة الافريقية بالعودة في النقاش، بينما كنا في الامم المتحدة. { هل تعتقد ان الجزائر ستقبل في النهاية المقترح المغربي؟ اتمنى أن أكون مخطئا، ولكنني لا أعتقد بان الجزائر ستغير من موقفها. انه شيء متجذر في اذهانهم. عاشرت الرئيس بوتفليقة. كوزير للشؤون الخارجية. للاسف هم حاقدون على المغربو ولا أعرف على ماذا يرتكز هذا الحقد. في الواقع الخطأ الكبير الذي ارتكبناه هو اننا لم نتفاوض مع فرنسا سنة 1958 . انها فرصة اهدرناها، و نؤدي ثمنها غاليا. نحن في الصحراء وسنظل فيها. ماأخشاه هو ان هذا الحكم الذاتي الداخلي ينتقل كعدوى، وتطالب مناطق اخرى بنفس الشيء. ولكن مؤخرا موقف الولاياتالمتحدةوفرنسا وعدة دول اوربية عزز موقف المغرب.