من أبناء «المدينة العتيقة» بالدارالبيضاء ، من مواليد 1960 ، أخذه الولع من خلال استماعه لأصوات مشرقية لقراء كبار وهو في ربيعه العاشر، حيث كان يجلس إلى جانب المذياع بمنزل والديه وينتظربث حصة القرآن الكريم، خصوصا المحطة الاذاعية لأكادير. وكان من بين هؤلاء المقرئين، المرحوم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، و محمد صديق المنشاوي رحمه الله... صوت هذا الأخير الشجي القوي، المتميز، دخل وجدان جمال بلعادل، لتكون تلك الفترة بمثابة البداية في مشوار قراءة الذكر الحكيم، والحلم بأن يصبح يوما ما، من بين القراء المتألقين . وعند بلوغه السادسة عشرة من عمره درس القواعد والأحكام الخاصة بتجويد القرآن على يد أستاذه الحسين مفراح، رئيس المجلس العلمي الحالي بمدينة المحمدية، ومع الاستمرارية، والاحتكاك، تمكن جمال من إتقان القواعد وكذا المقامات الصوتية. بعد ذلك زار بلعادل الديار السعودية، فكانت له علاقات بعدد من القراء هناك، لم يسلط عليهم الضوء الإعلامي بالشكل المطلوب، بخلاف يومنا هذا، والدور الذي تلعبه الفضائيات المتعددة ، كما هو الحال مع المشاهير الحاليين المتواجدين بالمسجد النبوي بالمدينةالمنورة، كالحديفي، و عبد الله عواد الجهني، و المعيقلي والشيخ السديسي. وبخصوص القراء المغاربة ، فإن جمال بلعادل، كان يواظب على أداء صلاة الجمعة بمسجد بوسمارة نهاية السبعينات لغاية 1985 ، على أساس الاستماع، والاستمتاع بصوت المقرئ الأستاذ أحمد بوشاهي المعروف بالدمناتي أطال الله عمره، والذي يعتبر من أبرز القراء المغاربة، بتوفره على صوت قوي وجميل. المسجد العتيق هذا كان معروفا أيضا وملتصقا باسم الحاج بن موسى أطال الله عمره، الذي كان يروي الحديث قبل خطبة الجمعة، ويؤذن الأذان الأول بأدائه الأصيل. كما كان جمال يستمتع بصوت مقرئ آخر، ابن درب السلطان، وبالضبط بدرب الكبير، والذي كان يقرأ في بعض المناسبات مع الشيخ الدمناتي بمسجد بوسمارة، إنه صابر أعراب، الذي كان يسير على خطى المقرئ المصري الكبير محمد صديق المنشاوي. بلعادل كان أيضا من بين رواد المسجد المحمدي، وهناك استمع للأستاذ المقرئ الحاج محمد ترابي، الذي تتلمذت على يديه أجيال من القرّاء من السبعينات إلى يومنا هذا. في مساره احتكّ ، كذلك ، برفاقه من أبناء المدينة العتيقة، كحسن الضادي ، بومليك، كما كانت له مشاركات عديدة في مسابقات تجويد القرآن في عدة مناسبات، نال من خلالها جوائز مهمة، إلى جانب أصدقائه القراء: سعيد مسلم، أحمد روشدي .. وغيرهما ، دون إغفال استماعه لقراء بيضاويين آخرين كعبد الحق التقناني، عبد الاله مفتاح، وزميله ابن الحي المجاور الحسين الجاويدي الذي يمتحُّ قراءته من مدرسة محمد صديق المنشاوي. واصل جمال بلعادل التنقيب والبحث في كل ما يخص علوم القراءة والتجويد ، إلى أن أضحى المنشاوي يحتل مكانة خاصة لديه، ليأتي بعده آخرون كالشيخ محمد الدمنهوري، ومحمود عبد الحكم. هذا وأشار جمال بلعادل، في حديثه للجريدة ، إلى أن المقرئ عندما يقرأ بمقام صوتي معين ، فإن ذلك رهين بالحالة التي يكون عليها في تلك اللحظات، لأن الزمان والمكان يفرضان ذلك، ويأتي بعد ذلك المقام، والذي يصنع المقام هو الإحساس. وبخصوص الجيل الجديد، الذي يشق طريقه في عالم القراءة والتجويد و الترتيل ، أكد بلعادل، على أن هناك «ثروة وطنية» من الأصوات الجميلة التي تأسر المستمع إليها ، وتبقى في حاجة للاحتضان والعناية، مشيرا إلى أهمية الحفاظ على «تقليد» القراءة الفردية داخل المساجد كل جمعة، وأعطى مثالا بالقراء المصريين الذين يلقبون بالسور، فمثلا محمد صديق المنشاوي كان يلقب بقارئ الكهف، بعدما كان يقرأ يوم الجمعة سورة الكهف، وهناك قارئ الفجر... وهي فرصة للقارئ للإبداع في القراءة، والتي ينتظرها المصلون، الذين يحجون للمسجد، للاستمتاع بها قبل خطبة الجمعة، مشيرا إلى أن قرار منع القراءة الفردية ، الصادر منذ سنوات ، حرمه وغيره من القراء من فضل كبير، علما بأن هناك العديد من الأصوات الجميلة، داعيا إلى الحفاظ على هذا النهج ذي النتائج الطيبة ، على مستوى اكتشاف المواهب في قراءة القرآن طبقا للقواعد والأحكام ، وذلك بالموازاة مع ما تقوم به إذاعة القرآن الكريم والقناة السادسة من مجهودات كبيرة في هذا المجال، مبرزا أن المغرب ، والحمد لله، يزخر بطاقات ومواهب واعدة ، كاليافع معاد أيت العين ( 17 سنة ) ، الذي ذكره بالقارئ المصري الشهير أحمد شبيب، وهو الفائز قبل موسمين بجائزة القناة الثانية، والذي يشق طريقه بإصرار واجتهاد ، من خلال أدائه المتميز، و حسن تطبيقه للأحكام و المقامات الصوتية. وقد اختتم جمال بلعادل حديثه للجريدة بدعوة كافة القراء بأن يستثمروا هذا العطاء الرباني ،الذي وهبهم الله، وهو الصوت الجميل، بقراءة الحصص كل يوم جمعة وإمتاع الحضور بآيات بينات مُحبّرة ومجمّلة، كما قال عبد الله ابن مسعود، القارئ المفضل للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، بعد أن كان يستمع إليه النبي من خلف الباب، وهنأه على القراءة، بقوله: « لقد أوتيت ياعبد الله مزمارا من مزامير آل داوود»، حيث كانت إجابة ابن مسعود «والله لو علمت أنك يا رسول الله تستمع لهذه القراءة، والقرآن لحبّرتُه لك تحبيرا» . ( أي لجمّله بصوت أحلى..). و في ختام حديثه، حرص جمال بلعادل على القول : «أشكر الجريدة على اهتمامها هذا ، فقد عودتنا دائما على مثل هذه الالتفاتات الطيبة ، وأرجو الله أن يوفق كل المجتهدين من أجل تشجيع قراءة القرآن الكريم والاعتناء بأحكامها وقواعدها وجزاهم الله خير الجزاء».