« تصنيف المدينة في مرحلة أولى كتراث وطني ، ثم في مرحلة لاحقة كتراث عالمي من قبل اليونسكو ... خطوة أساسية ستكون الوحيدة القادرة على أن تُشكِّل صمّام أمان صلب قادرعلى مواجهة الحملات المسعورة التي يتعرض لها حاليا هذا التراث المعماري البالغ الثراء...». إنها إحدى الخلاصات / الصرخات القوية المؤثثة ل« التقديم » الخاص ب«دليل معمار القرن العشرين بالدار البيضاء» المُنجز من قبل جمعية «كازا ميموار» ، والمتضمِّن لعشرات «النماذج المعمارية» التي فقدت «هويتها الأصلية» ذات المرجعية التاريخية الغنية، تحت تأثير«العامل الطبيعي» وتوالي السنوات، أو بفعل قرارات إدارية «غيرمسؤولة» كبّلتها «الغاية المادية» الجاهلة لحقيقة مفادها أن «بيضاء اليوم» لم تُؤسس من فراغ أو هي «تجمّع بلاجذور»، إذ «كانت تجربة للمعمار الحضري ومختبرا للحركات المعمارية العالمية المتفرّدة ما بين العقد الأول والعقد السادس من القرن العشرين». قرارات أعدمت «المسرح البلدي» بهندسته الفاتنة، لتُجبر ساكنة «القاطرة الاقتصادية» للبلاد، على تجرّع مرارة « يُتْمٍ ثقافي» لم تستطع «المسارح الجماعاتية» المُقامة في النفوذ الترابي لهذه الجماعة / المقاطعة أو تلك ، الحد من تداعياته المدمرة، فضاعت المدينة في عدد كبير من خيرة مُبدعيها / فنانيها، الذين تاهوا في دروبها «المظلمة» الحبلى بعناوين التشاؤم والانكسار. المآل ذاته ، أي المحو الممنهج ل«ذاكرة الجمال» بمفهومه الشامل عرفته عشرات القاعات السينمائية التي شكلت ، في العقود الماضية، علامةً مائزةً لأحياء بعينها. كما هو شأن ، تمثيلا لا حصرا، قاعات « مونتي كارلو، فاميليا ، مونديال... بالمعاريف فيكتوريا .. ببوركون ، ولارك ..بالزيراوي..» ، التي يجهل شبان ويافعو الأحياء ذاتها، اليوم ، كل شيء عن ماضيها، بعد أن فتحوا أعينهم على محلات تجارية وخدماتية... رأى المُنافحون عن منطق «الأسمنت الأعمى» ، أنها الأجدر بالتواجد بهذه البقع الأرضية، بدل بنايات تحمل بصمات جمالية لمهندسين من جنسيات مختلفة ( فرنسية ، إيطالية ، بريطانية ...)، يمثلون مدارس هندسية متعددة المشارب نموذج راق لتلاقح الحضارات وينظرون إلى «تصاميم البناء» نظرة الفنان التشكيلي المهووس ب«هاجس» إنجاز لوحة تُخاطب العمقَ لا السطحَ ، الباطنَ لا الظاهرَ، حتى يضمن لها أسباب «التوارث» التلقائي بين الأجيال. استمرار إعمال «المقصلة» في العديد من المباني ذات الحمولة التاريخية ، في ظل صمت «مُريب» من قبل الماسكين بزمام الشأن المحلي البيضاوي ، يطرح أكثر من سؤال من قبيل : هل المِلكية الخاصة لبعض هذه البنايات تُعفي أصحاب القرار ، في مختلف مواقع المسؤولية، من «الاجتهاد» لإيجاد صيغة تحفظ للبناية طابعها «الذاكراتي» ، وتتيح لأصحابها ، في الآن ذاته ، إمكانية «الاستفادة المادية» ، من خلال تعويضهم بما يليق من «أرض ونقد»، على غرار تجارب مجالس منتخبة بحواضر بلدان في الضفة الأخرى من المتوسط تدخل «صيانة تراث المدينة، المادي والمعنوي» ضمن أولوياتها ؟ ما المانع من تشكيل «لجنة يقظة» ، يمثل أعضاؤُها السلطات المحلية والمنتخبة وجمعيات المجتمع المدني ذات الاختصاص ، يُراعى رأيها «الاستشاري» قبل إعطاء الضوء الأخضر لهدم هذه «البناية» أو تلك ، بالنظر لما للعملية من «استثناء» يستوجب عدم التعاطي معها كما لو أن الأمر يتعلق بإرسال جرافات ل«محو» أثر أبنية عشوائية «نبتت» في جنح الظلام؟ إن رفع «الراية البيضاء» أمام بعض «المنهشين العقاريين» ، الذين لا يحلمون سوى بتحويل كل شبر من تراب المدينة، إلى مُتواليات من «الأسمنت المرصوص» ، المفتقدة لأي مُسحة جمالية تُريح عينَ ناظرها من الخارج وتُنعش فؤادَ «مُستوطِنها»، سكنًا أو وظيفةً، دون اكتراث لا بما يرمز ل«الماضي» من أحجار، لا تحتاج سوى إلى ترميم ، ولا بما يضمن سلامة الصحة العامة في الحاضر والمستقبل من أشجار «تُغتال» في واضحة النهار، يُشكل مسلكا خطيرا يهدد الأجيال القادمة بأوخم العواقب في ما يخص طبيعة ارتباطها ب «ذاكرة» المدينة ، عُمرانا وإنسانا، والتي كُتبت محطاتها المختلفة ب«عقود» من جُهد و عرق ودم ... الآباء والأجداد. تُرى ألم يحن الوقت لإيقاف النزيف قبل أن يستيقظ الجميع يوما على «جيل بلا ذاكرة» ، والذي ، بطبيعة الحال ، لن يكون سوى «جيل بلا مستقبل»، مع ما يعنيه ذلك من توجه نحو المجهول؟!