عرف فضاء مكتبة الكرامة بالدارالبيضاء، استضافة ندوة حول جمعية كازاميموار، التي تهتم بالحفاظ على التراث المعماري لكبرى مدن المغرب، الدارالبيضاء. وأطر اللقاء نائب رئيس الجمعية، المهندس المعماري كريم الرويسي، خريج مدرسة الهندسة بتولوز، والأستاذ بمدرسة الهندسة في الدارالبيضاء، فصل فيه الحديث عن عمل الجمعية، التي يتحدد هدفها في الحفاظ على التراث المعماري للقرن العشرين بالمغرب. وحول المعنى الذي تقصده الجمعية بالتراث شرح المحاضر بأنه ملك جماعي يعبر عن تاريخ الشعب والمدينة والوطن ينتقل من جيل لجيل. بما يسمح للجيل الحديث بالإندماج داخل تاريخ بلاده، حتى يهيء للتحديات المشتركة التي يواجهها؛ هو عنصر استقرار في عالم متغير بسرعة هو أيضا عنصر أساسي يسمح للشعب بأن يظهر مميزاته بالتقابل مع بقية الشعوب، معبرا عن طريقته تفكيره ورؤيته للعالم، ويظهر قدرته على الإبداع الثقافي.. ويعين حفظ التراث على استعادة الذاكرة، بقدر ما يفترض بناء المشروع المجتمعي الحديث المرغوب. وبعيدا عن المعنى العام، والقيمة الغير المادية، فللتراث أيضا عوائد مادية، حيث تحدث المحاضر عن العائدات السياحية، كمورد مشترك للعديد من المؤسسات المرتبطة بها، كالفنادق والمطاعم والمرشدين السياحيين والصناعة التقليدية، وصيانة ذلك التراث، واستغلاله وكل ذلك منتج لفرص العمل. ودعم التنمية المحلية، عبر توفير فضاء بنايات قديمة، حتى تصير أمكنة للأنشطة الجديدة، مع الحفاظ عليها. «الافتراض بأن المحافظة على التراث المعماري للمدينة يشكل عائقا أمام تحديثها، هو افتراض خاطئ»، يشرح رويسي، اذ يمكن أن يشكل حسن استغلاله والاستفادة منه دعامة ورافعة فعلية للتنمية. وقد قامت جمعية كازا ميموار في سنة 2011 (مثلا)، بأنشطة للتحسيس بما مجموعه 62 زيارة لمختلف المباني ذات القيمة المعمارية، لفائدة أكثر من 1100 زائر، في عدة أنشطة منها أيام التراث، ومشروع الذاكرة المشتركة.. مع الحفظ قامت الجمعية بتشكيل شبكة للرصد، جردت ما مجموعه ستين مبنى في الدارالبيضاء، وتكلفت بحماية بعضها وتنشيطها، أبرزها مبنى الباطوار بالحي المحمدي. إلى جانب الأبحاث قام أطر الجمعية ومتعاطفوها بالمشاركة في العديد من الندوات والملتقيات، ما أنتج خلاصات، أُصدر الكثير منها على شكل كتب، منها كتاب «جوانب من ذاكرة كريان سنطرال- الحي المحمدي بالدارالبيضاء في القرن العشرين»، للأستاذ نجيب تقي، والذي وُزع بالمجان على الحاضرين (يفترض أنه تمت مناقشته ليلة البارحة بنفس المكان). كما أن كازا ميموار نظمت الكثير من أنشطة التكوين في التراث للعموم، ورحلات تطبيقية لعين المكان، وحلقيات نقاش وحفلات ووقفات احتجاجية وعروض أفلام، وأنتجت دليل الدارالبيضاء، وهيأت الملف التقني الذي قدمته لليونسكو، وموقع أنترنت عن التراث الجماعي، ثم انطلقت في توسيع أعمالها إلى خارج الدارالبيضاء، منها أن وضعت خريطة إرشادية لمدينة تطوان. ويشكل مبنى الباطوار نموذجا لعمل الجمعية، فقد تم تحويل هذا المبنى الضخم، الذي توقف عمله كمذبح، وحُول إلى مشتل ثقافي، يوفر فضاء للحركات الفنية الحديثة للتدرب والاستكشاف والعرض والتفاعل، رغم الصعوبات الإدارية التي تعترض الشباب (أنظر التحقيق الثقافي بعنوان «الباطوار أو حيث يتدافع الفن المعاصر مع أرواح الجِيف» منشور في عدد السبت21 يوليوز- جريدة الاتحاد الاشتراكي). فُتح نقاش بعد المحاضرة، شارك فيه متخصصين في التاريخ والتراث ومتعاطفين مع الجمعية وأعضاءها، تحدث فيه الأستاذ نجيب تقي عن التشويه الذي تتعرض له معالم المدينة، إن في الملصقات الاشهارية التي تشوش عليها، أو بتغيير أسماء الشوارع والبنايات، التي باعثُها تقديرات المنتخبين بدون مراعاة لحمولة أسمائها الأصلية، ولا أهمية ما تؤرخ له. أعضاء الجمعية والحاضرين أجمعوا على أن الرقم الأهم في معادلة حفظ تراث البيضاء، هو اهتمام المواطن البيضاوي الاعتيادي- والمغربي، حرصه على ذاكرة مدينته وأثر آبائه، ومساهمته لكبح زحف الاسمنت الذي يكلس الذاكرة.