فتيحة، سيدة تبلغ من العمر 50 سنة، تقطن بأحد الأحياء الصفيحية بمنطقة سيدي مومن، حيث الفقر والعوز، وحيث الخصاص في كل شيء والحاجة لأي شيء. لم تكن السيدة التي لها 5 أطفال، تعيلهم رفقة زوجها الذي تارة قد يجلب معه قوت يوم وتارة أخرى لايكون في مقدراه ذلك، بحكم أنه مياوم هنا وهناك، بحثا عن لقمة عيش صعبة وليست بالهنية. صراع هاته الأسرة مع الفقر، لن يُشكل المعاناة الوحيدة التي تتكبدها، وذلك بعد أن انقلبت حالتها رأسا على عقب، بعد أن تدهورت صحة الأم على حين غرة، تدهورا لم يكن في الحسبان. اشتكت فتيحة لأيام متعددة من آلام في ضرسها، قبل أن تقرر التوجه إلى سوق شعبي حيث يتواجد عدد من «مقتلعي» أسنان المواطنين بالشارع العام، وهناك فتحت فكيها وسلمتهما لرجل أولج «كلاّبه » داخل الفم وأزال الضرس، معلنا عن دخولها وسط دوامة من التيه بفعل المرض والآلام والتداعيات المتعددة الأوجه. بعد أيام بدأت فتيحة تحس بأن قواها منهكة وبالتعب يعتري جسدها، بحيث أضحت عاجزة عن الحركة كما في السابق، وفارقها النشاط الذي عوّضه الخمول والوهن، وضعية لم تستطع عليها صبرا فاتجهت لزيارة الطبيب، لتُصدم بعد فحصها وبعد إجرائها للتحاليل بأنها مصابة بالتهاب الكبد الفيروسي! صدمة وألم كبيران حيث جحظت عينا الأم ودارت الأرض بها ولم تعد قدماها قادرتين على حملها، فالمصاب جلل، وأنى لهذه السيدة الفقيرة بأن تتوفر على مصاريف باهظة للعلاج هي ليست في المتناول. غادرت فتيحة المستشفى، وبعد تدارس للأمر رفقة أسرتها الصغيرة، اختارت وبفعل العوز، أن تسلك سبيلا آخر زاد من حدة معاناتها وأدى إلى تدهور وضعيتها الصحية، فأمام قلة اليد، لم تجد غير الالتجاء إلى عشاب قيل إن أعشابه قادرة على علاج عدد من الأمراض، وبأن يده «المبروكة» بإمكانها أن تحسن حالتها وأن تعيد إلى جسمها ما افتقده من «قوة». وظلت على ذلك الحال لمدة سنة بالتمام والكمال، ظلت تطرق خلالها باب العشّاب، دفعت طيلتها مبالغ ليست بالهينة مع ذلك، واستهلك جسدها كميات متعددة من الأعشاب المختلفة سائلة و «صلبة»، والتي لم تقدم لوضعها الصحي أية قيمة مضافة. التدهور الصحي ل «فتيحة» دفع إلى طرق أبواب المحسنين، والأقارب والجيران، وكل من بإمكانه أن يساهم في إعادة البسمة إلى محياها، حيث تم توفير مبلغ 12 مليون سنتيم، تارة بالاستدانة وتارة أخرى بالتبرع، حيث تمكنت من متابعة العلاج بالأدوية لمدة سنة، استبشرت معها الأسرة خيرا وهي تبلّغ من طرف الأطباء بأن حالة الأم تتحسن يوما عن يوم، وبأنه أمكن تفادي مضاعفات خطيرة، إلا أن توالي الأيام ، وبعد أن اعتقد الجميع بأنها شفيت تماما ،وشرعت في العيش بشكل طبيعي، عادت حالتها الصحية للانتكاس، بعد أن تبين أن السيدة مازال الداء ينخر جسدها ، وبأنها مدعوة مرة أخرى إلى تكبد المشاق بحثا عن العلاج!؟