في مثل هذا اليوم 18 يونيو 1964، ظهرت جريدة « المحرر» لأول مرة إلى الوجود كجريدة أسبوعية مؤقتة ناطقة بلسان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي حاليا)، في أول عدد لها يوم الخميس18 يونيو 1964، وذلك بعد توقيف جريدة «التحرير» بصفة نهائية في أكتوبر سنة 1963، وشاءت الأقدار أن تظهر إلى الوجود جريدة «المحرر» بمناسبة الذكرى العاشرة لاستشهاد محمد الزرقطوني، (رمز المقاومة المغربية، البطل الذي ابتلع حبة السم، لكي لا يبوح للشرطة الفرنسية التي اعتقلته بأسرار المقاومة، ما أن وصل إلى مركز الشرطة حتى كان جثة هامدة). كما صادف صدورها تقديم ملتمس الرقابة ضد السياسة الإقتصادية والمالية والإجتماعية لحكومة محمد أباحنيني، هذا الملتمس المقدم من طرف الفريق النيابي الاتحادي وذلك في يونيو 1964 في موقف تاريخي هو الأول من نوعه في المغرب (وبعده سيأتي ملتمس الرقابة الثاني في ماي 1990). بدأت الجريدة تصدر كل أسبوع قبل أن تتحول إلى الصدور مرتين في الأسبوع الثلاثاء والخميس، لتعود أسبوعية ابتداء من يوم 10 يوليوز 1965 في حلة جديدة، ثم تصبح يومية بقرار اتخذه الفقيد عبد الرحيم بوعبيد والأستاذ عبد الرحمان اليوسفي أطال الله عمره والمرحوم الفقيه محمد البصري، وذلك يوم 10 شتنبر سنة 1965. أول مدير لجريدة « المحرر» هو المرحوم إبراهيم الباعمراني أحد المناضلين البارزين في حزب القوات الشعبية، كان يشتغل في الخفاء، و منشغلا بالتنظيم والتأطير الحزبي والنقابي، لذلك كان بعيدا عن الجريدة بالرغم من تحمله مسؤوليتها إداريا، ولم يكن يتدخل في الشؤون التحريرية أو التسيير أو التمويل، ومن منطلق أنه لابد من اسم يتحمل مسؤولية إدارة الجريدة، فقد وضع الثقة في الإخوة الذين كانوا يشرفون على صدورها آنذاك، وهم الشهيد عمر بنجلون و الفقيد مصطفى القرشاوي وكسكرتير التحرير الأستاذ عبدالله رشد، وبعض المناضلين الاتحاديين المتطوعين مثل المرحوم محمد عابد الجابري الذي كان يكتب في الركن اليومي (بصراحة) منذ 17 يوليوز 1965، وكذلك المرحوم محمد الحبيب الفرقاني، وحسن العلوي الذي كان يشرف على تصفيف المواد وذلك أيام الكتابة بالرصاص. وعلى ذكر حسن العلوي، فقد عمل هذا الأخير لمدة طويلة في صحافة الاتحاد، وكان له تكوين ثقافي واسع، وصاحب قلم فياض، وله دراية بوضع الماكيت والعناوين المعبرة. وقد تعرضت جريدة «المحرر» للمصادرة من طرف الشرطة عدة مرات، وخصوصا خلال شهر مارس 1965، بعد أحداث 23 مارس، على إثرقرار وزير التربية الوطنية آنذاك يوسف بلعباس بمنع الأطفال في سن معين من حقهم في التعليم، كانت الحكومة تحجز الصحف الوطنية من المطابع لضرب الحصار على أحداث القمع الدامية خلال الأيام التي عاشتها الدارالبيضاء والرباط وفاس وبعض المدن الأخرى. كما وضعت مطابع «دار النشر المغربية» التي تطبع فيها صحافة الاتحاد تحت المراقبة المستمرة، واقتحم رجال البوليس هذه المطبعة ودخلوها تعسفا بدعوى البحث عن أحد الأشخاص، وتزامن ذلك مع الأحداث المؤلمة التي أطلق فيها الجنرال محمد أوفقير الرصاص على المتظاهرين في الأحياء الشعبية بالدارالبيضاء وكانت مذبحة رهيبة ذهب ضحيتها مئات من المواطنين والمواطنات، وبقيت «المحرر» تحت الرقابة إلى أن منعت بعد عملية اختطاف واختفاء المهدي بنبركة، لأنها كانت تنشر تفاصيل وأصداء الإختطاف، ولأن المسؤولين في المغرب كانوا لايريدون أن يعرف الرأي العام تلك الأخبار وكذلك أسماء بعض المتورطين من داخل المغرب وخارجه . تعرضت جريدة «المحرر» عدة مرات للحجز بعد مظاهرات مارس 1965 التاريخية، وكذلك أثناء مؤتمر القمة العربي الثالث لكونها نشرت رسالة مفتوحة كتبها الدكتور حافظ إبراهيم عن الحالة الصحية للسيد أحمد بنبلة الرئيس السابق للجزائر? كما أقامت وزارة الداخلية يوم 26 شتنبر 1965 دعوى ضد «المحرر» بسبب دفاعها عن المنكوبين في الفيضانات بسوق خميس الناقة بناحية أسفي، والتي خلفت مئات الضحايا وتدمير المزروعات، إلا أن بلاغ وزارة الداخلية اعتبر ما نشر أخبارا زائفة، مع العلم أن صحافة «ماس»، على لسان جريدة «لوبوتي ماروكان» «Le petit marcain « نشرت الخبر وأعلنت أن عدد الموتى يقدر ب 75 ضحية مع عشرات المفقودين وعدد كبير من الخسائر المادية، وأن عدد الضحايا يفوق بكثير ما نشرته « المحرر»، كما أن صحيفة « لوموند « Le monde» الفرنسية أكدت نفس الأرقام، ونفس الشيء فعلته جريدة « الفيغارو» Le figaro ، وطرحت تساؤلات أثناءها على وزير الداخلية محمد اوفقير.. الذي لم يرفع أية دعاوى ضد هذه الجرائد، لكونها تحدثت عن تلك الفيضانات في وقت يدعي فيه أن عدد الضحايا لايتعدى 37، ولهذا تكون دعوى وزارة الداخلية ضد «المحرر» متعمدة بسبب دفاعها عن منكوبي الفيضانات وعن إشارتها إلى أن المواطنين بسوق خميس الناقة ناحية أسفي يطالبون ببناء السدود والتحكم في مياه الأنهار و مسار الأودية الخطيرة، حتى يتمكنوا من تفادي النكبات. بعد هذه الدعوى تأتي دعوى أخرى من طرف مكتب التجارة والتصدير بوزارة التجارة ضد «المحرر» بسبب فضحها لعملية تخريب «التأمين»، ثم رفعت دعوى أخرى من طرف وزارة التجارة على إثر نشر»المحرر» لمقال، تناولت فيه مسألة العلب « الكُورْبَات» التي اشترتها ب 133 فرنكا للوحدة، في وقت تباع فيه ب 105 و 110 فرنكات للوحدة فقط. وقالت «المحرر» إن أكثر من 260 مليون فرنك تضيع على المنتجين والفلاحين الفقراء? إضافة إلى هذه المحاكمات، تعرضت «المحرر» شأنها شأن «التحرير» للعديد من الإستفزازات والتعسفات والمنع المباشر أو غير المباشر. كان البوليس المرابط بباب المطبعة لا يسمح بخروج جريدة «المحرر» إلا بعد المراقبة التي قد تستغرق وقتا طويلا وبالتالي يتم تعطيل توزيعها، وتأتي هذه الإجراءات والتعسفات، إما قبل خروج «المحرر» من المطبعة أو بعد وصولها إلى الباعة والقراء، بالرغم من أن الرقابة كانت مفروضة على الصحافة الوطنية ويتم الإطلاع مسبقا على كل عدد، وتمنع مصالح الرقابة التوزيع إذا ظهر لها شيء لا يرضى عنه المسؤولون في الشرطة السرية أو يزعج الجهات المسؤولة في البلاد? أحيانا كان بعض عمال المطبعة يسربون بعض الأعداد المحجوزة إلى خارج المطبعة، حيث كانوا يضعونها داخل ملابسهم، و كانوا يغامرون ويتحدون مصالح الرقابة ويقومون بتوزيعها على المناضلين والمتعاطفين خاصة مناضلي سيدي عثمان ودرب البلدية وبيلفيدر وروش نوار وبعض المناطق والأحياء بالدارالبيضاء رغم قرار المنع. ومنهم من كان يتبت ويلصق الأعداد المحجوزة إلى جانب الأكشاك ليلا في الشوارع الرئيسية بالدارالبيضاء كما وقع للعدد المصادر الذي كان يحمل عنوان كبير جاء فيه: «اختطاف المهدي بنبركة بمشاركة الحسن الثاني وأفقير». استمرت «المحرر» في ظل هذه المعاناة والمنع والحجز المتكرر طيلة سنة 1965 ، حيث في هذه السنة تعرضت للحجز أكثر من 15 مرة في شهر واحد، زيادة على تأخير صدور العدد في بعض الأحيان إلى الساعة الثانية أو الثالثة صباحا من اليوم الموالي، إلى أن صدر أمر بتوقيفها عن الصدور بعد تناولها لجريمة اختطاف واغتيال المهدي بن بركة. فمثلا قبل أن يشرع في طبع عدد يوم5 نونبر 1965، وصلت سيارة الشرطة السرية الى باب المطبعة حاملة عددا من البوليس السري تولوا مراقبة باب المطبعة، وعندما عمد عمال قسم التوزيع إلى تسليم الكميات الأولى من الأعداد المطلوبة إلى الباعة، اعترض البوليس على ذلك وطلب بأن تسلم له بعض الأعداد وأن يتوقف الطبع والتوزيع. وقد توقف العمل بالفعل في المطبعة ساعات عديدة، إلى أن أعطى الرقيب «الضوء الأخضر»، وتطلبت عملية الرقابة عدة ساعات مما سبب تأخيرا في توزيعها. أما عدد يوم 6 نونبر 1965، فقد منع من التوزيع نهائيا دون أدنى سبب، حتى لا يتتبع الرأي العام تطورات وتفاصيل قضية اختطاف المهدي بن بركة. وقد تواصل الحجز « إلى أن منعت «المحرر» أواخر سنة 1965 من الصدور لعدة شهور بدون سند قانوني أو قضائي ?