حادث الاعتداء الجسدي على المناضلة والكاتبة فدوى الرجواني بجامعة أكادير, لا يمكن أن يكون حدثا عاديا يمكن السكوت عنه أو تجاوزه, كما يريده البعض بشكل إيجابي، فقناعتها الفكرية وتحليلها للواقع المجتمعي وتنوعه الإثني والقبلي والعقائدي والثقافي أوصلها لنتيجة يتقاطع معها عدد مهم من المواطنين والمواطنات باعتبار» العلمانية هي الحل». والجواب رد الفعل لم يكن إلا همجيا, سواء كان وراء هذا المعتدي تنظيم أو شخص أو فكر متطرف ، اعتدى على فدوى ليقول بما هو مكتوب» الاسلام هو الحل». نعلم جيدا أن فهمنا للعلمانية ليس واحدا كما هو فهمنا للعلم ، والوقوف عند نقطة مفادها أن العلمانية هي فصل الدين عن العلم فيه الكثير من التبسيط والاختزال لمنظومة فكرية وثقافية، اجتهد الفلاسفة والمفكرون في شرحها ومواكبة تفعيلها بهدف السمو بالإنسان لمستوى يجعل العلاقة بينه وبين خالقه علاقة مقدسة وليس لشخص او لتنظيم بما في ذلك التنظيم المجتمعي يمكن له التدخل فيها بأي شكل من الأشكال. والانتصار للعلم هو انتصار للعقل الذي حبانا به الله عن باقي الكائنات الحية، وتوظيفه بشكل فعال ومنتج ومنفتح على العلوم والتقنية والتطورات التي يشهدها العالم في مختلف المجالات، و هو من أهم أسباب تطور المجتمعات والدول، وحسن استعمال المنهج العلمي يسهل علينا التعاطي مع الأمور المستجدة والحديثة, ليس من منطلق كل بدعة ضلالة, ولكن من خلال ما يمكن أن تقدمه للإنسانية من خير يعود عليها بالرفاه ، ويجعلنا نرتقي بسلوكنا عن الاحتكام لغرائزنا ولتأويلاتنا والخضوع للقانون وللحق بمعناه الأسمى. والإسلام ليس هو الدين الوحيد الذي أنزله الله على بني آدم ، وعلاقة الإسلام بباقي الديانات مبنية على الاحترام المتبادل والقدرة على التعايش في نفس الرقعة الجغرافية، وإذا كانت الديانات التوحيدية هي الأقرب إلى فهمنا والأكثر تفاعلا مع ثقافتنا والتي تؤثر على اختياراتنا وتعاملاتنا البشرية، فإن الديانات الأخرى اللاتوحيدية أو الاتنية أو المرتبطة بالإنسان كالبوذية, فلا يمكن إغفالها أو تجاهل تواجدها أو تجنب الخوض في النقاش فيها وحولها، وإذا ابتعدنا عن الدين قليلا فستجد اللادينيين الذين يؤمنون بالطبيعة أو بالأرواح أو بالبشر أو بتأليه العقل.ويبقى الإسلام الذي يعتبر دين الدولة المغربية واحد من مجموع الديانات واللاديانات المتعايشة جنبا إلى جنب في نفس البنية الاجتماعية و القيمية والأخلاقية، واحترام الاختلاف وحرية العقيدة شرط لتحقيق التعايش والسلم والتآخي في ظل مجتمع لازال يناضل من أجل تكريس ثقافة ديمقراطية مبنية على احترام الذات و الآخر واحترام تعدد الأفكار على اختلافها، والإيمان بالنسبي وإن كان في العلم، واعتبار كل حقيقة مرتبطة بزمان ومكان وربما بشخص معين.والتطرف الذي ألصق بالإسلام هو نفي الاختلاف ومحاولة قولبة مجتمع منمط ومستلب وتابع، لأن رفضنا سيظل ثابتا لكل أشكال التبعية والاستلاب, سواء للغرب بالمفهوم الكلاسيكي الافرنجي أو للشرق البتر ودولاري الوهابي/ الفارسي/ العثماني. فالدين سهل التوظيف والاستعمال لشحن الناس، لأنه مرتبط بالإيمان وليس بالعقل، ورغم أن الإسلام يعلي من قيمة العقل( الاشاعرة والمعتزلة وصراع النقلي / العقلي ) و الجدال والحوار بالتي هي أحسن، إلا أن عددا كبيرا من المؤمنين والمؤمنات ،وبحكم طبيعة تكوينهم العلمي وقدرتهم العقلية, لا يمكن لهم مجاراة نقاشات العقل ولا احترام أساليب الحوار والنقاش الهادئ والرزين، وإن كان الدين الإسلامي يخاطب العقلاء المؤمنين برسالة النبي محمد لتحمل عبء قيادة الخطاب التنويري والنفوذ إلى عمق السماوات والأرض بسلطان العلم، فإن الكثير من الفقهاء أصبحوا تحت وصاية لوبيات من أصحاب المصالح المتصارعة حول السلطة والمال وإعادة تقسيم العالم بشكل يسهل التحكم في موارده الطبيعية وثرواته الباطنية. وأصبح الإسلام كما بدأ إسلامات، ومن تمثلانه تعدد الطوائف المتقاتلة في العراق، وأزمة الطائفية بلبنان، والصراع القبطي المسيحي الإسلامي بمصر، واحتكار السلطة باسم الشيعة ضد كل ما هو سني في إيران، والضغط الذي تمارسه السعودية لنصرة الطرح الوهابي بالمنطقة، والحرب الأهلية بالجزائر، والمد السلفي بدول ما سمي الربيع العربي، وتنوع الإرهاب والجماعات الدينية الإسلامية بدول الساحل والصحراء، ثم الكثير من الجماعات التي تعتبر نفسها إسلامية بمجموعة من الدول الإفريقية والعربية بالأساس, حملت السلاح متجهة للتغيير لنصرة دولة الخلافة حسب اعتقادهم ويعتبرون أنفسهم أوصياء على المسلمين وأن كل طائفة / جماعة تملك حقيقة الإسلام ووحدها في اعتقاد مريديها لديها الحل . لقد أصبحت عبارة «الإسلام هو الحل» كثيرة التداول بالخصوص على الصفحات الاجتماعية، هذه العبارة قادرة وحدها على الدفع بناقص عقل ودين كذاك الذي اعتدى على فدوى إلى اتخاذ موقف عدائي ضد مواطنته تعتبر أن العلمانية هي الحل ، وتجاهل هذا المعتدي -كيف ما كانت ملته أو دوافعه إن كان مسلما من طبيعة الحال - أن المسلم هو من سلم الإنسان من أداه اللفظي والمعنوي والرمزي والجسدي والمادي. لقد تم تكفير الخارج عن الدين وتم اعتباره مرتدا وهذا ضد كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وضد حتى القوانين التي نحتكم إليها كمغاربة، وتمت مهاجمة الناشط الامازيغي عصيد احمد بتهمة الازدراء بالدين الإسلامي من طرف سلفيين ومن يتبعونهم في الفهم الضيق للدين والذين يعتبرون أنفسهم الامة رقم 73 التي ستكون في الجنة وأن باقي الفرق الدينية الاسلامية في جهنم، مع العلم أن الدولة تتبنى الدين الاسلامي ، واعتبر المهاجمون أن لهم غيرة أكبر من باقي المواطنين( 30 مليون مغربي ومغربية)، ولحسن الحظ تم التهديد دون أن يطاله الآذى الجسدي، وإن كان الترهيب اللفظي والرمزي أقوى وأكثر تأثيرا في النفس وفي المحيط الاجتماعي، ثم جاء الدور على فدوى الرجواني المناضلة التي عبرت عن رأيها في مصير مجتمع اسمه المغرب. لقد اغتيل عمر بنجلون المفكر والقيادي الاتحادي الذي كان ضحية للتطرف وللفكر الاستئصالي المتواجد بالمغرب والقادم من المشرق ، فكر وهابي/إخواني و الدخيل على ثقافة المغاربة، وقدمت البشرية والعالم الإسلامي عددا مهما من الضحايا, من مفكرين مناضلين ومواطنين أبرياء، والأكيد انه باسم الدين الإسلامي لازال يوميا يقتتل المسلمون في ما بينهم، وحتى أولائك الذين يقومون بمحاولات انتحارية هم ضحايا الشحن المتطرف لأفكار متشددة ويائسة ، من طرف أناس إما أنهم يتلاعبون بالدين للوصول للسلطة أو المال، أو عملاء لأجندات خارجية تتاجر في السلاح والبشر، فأقسى ما يمكن أن ينتجه الفقيه المسلم هو تفسير متطرف لآية كريمة أو لحديث شريف، تم يتفرغ بعد ذلك لكي يمدد ويحشو فيه لدرجة يصبح فيها المضمون مشوها، ويصبح الحديث التأويل الخاص يحمل مالا يحتمل، وعندما ينتج نتاجه الفقهي المتأسلم هذا يشتري سلاحا مهربا من أمريكا أو روسيا لكي يجاهد في اعتقاده في نصرة الدين، ويدعون نصرة الله، وكأن الله يحتاج لنصرته أحد. الإيمان بالله أو بالروح او بالجسد او بالمادة هي مستويات مختلفة حسب طبيعة التربية والجنس والثقافة واللغة والوسط الاجتماعي.....ووجودنا كمجتمع وقدرتنا على الاستمرار غير مرتبط بالدين ولكن بالأرض وبجوهر الإنسان الحر وحقه في العيش الكريم ، ودفاعنا في هذه المرحلة من تطور البشرية عن فكرة دولة الحق والقانون واعتماد العقل والإعلاء من شأنه وتبني المنهج العلمي في التحليل للوصول إلى المعطيات والقيام بالاختبارات اللازمة لكل القضايا التي تصادفنا أو نساهم في تركيبها ليس ثابتا أو جامدا، بل هي مرتبطة بما سنفرزه من خلال النقاش بيننا والتدافع المجتمعي والقيمي والمعرفي الذي نؤسس له قواعد وشروط ديمقراطية وحقوقية وقانونية، تكون في مستوى لحظة التحول والتغيير نحو الأفضل، لتطوير البنيات القيمية والأخلاقية والرقي بها لمستوى احترام الإنسان لإنسانيته ولماهية وجوده.