غادر وطنه المغرب المناضل محمد عبروق سنة 1962 كرها، هارباً من حملة القمع التي عرفها المغرب خلال سنوات الرصاص، زمان التصفية الجسدية. لم يغادر الوطن ويعيش في منفاه 51 سنة، باحثاً عن لقمة العيش، ... مثلنا نحن الذين قبعنا في السجون وحكمنا بالإعدام. وهذا أسميه بقطع أو قص خريطة النضال والكفاح. محمد عبروق لم أكتب لزمنه، بل أكتب للجيل الحاضر حتى يسجل في ذاكرته مواقف هذا المناضل، وهي مواقف الشجاعة في الدفاع عن حوزة الوطن، والدفاع بالغالي والنفيس دون كلل أو ملل، حيث ظل وفياً لوطنه المجيد، ولأبناء الوطن المخلصين، من أجل استرجاع الحرية والكرامة، مسلحاً في كل ذلك بالعزيمة وقوة الإيمان. محمد عبروق رجل النضال ساهم في مقاومة الاستعمار، وكان عضواً نشيطاً في خلية المقاومة بالرباط إلى جانب عبد الفتاح سباطة وعمر العطاوي، وكان من بين المقاومين والمناضلين الأفذاذ، ومن المقاومين الذين من سمعوا عنه أو من ناضل بجانبهم، لقد كان محبوباً بين المناضلين والمقاومين، ومن يلتقيه لأول مرة يشعر بأنه يعرفه منذ سنوات. من خصال الرجل، أنه عزيز النفس، طيب المعشر، بسيط في تعامله ويمقت التكبر، ويقول كلمة الحق في أصعب الظروف، شجاع في الظروف الصعبة، صادق أمين، وأحد مناضلي ومؤسسي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية, ضمن مجموعتنا التي كانت تعمل إلى جانب المهدي بن بركة ومحمد الفقيه البصري، وفي الاتحاد الوطني أصبحت أفكاره تكبر ليصبح في ساحة الجهاد التي لم يغادرها، على الرغم من أنه يدرك ما يخططه الغادرون لاستهدافه، هذه الخصال وهذه الشجاعة وهذا النضال والجهاد والنعمة التي رزقها الله لمحمد عبروق العلمي الذي سبقناه نحن في العودة من سجن الظلام للوطن، وبقينا في انتظار المعلومات المجهولة عنه، إلى أن قام المجلس الوطني لحقوق الإنسان في إطار متابعته لمسلسل تسوية الملفات المرتبطة بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتيقن بأن الرجل محمد عبروق والملقب ب البغدادي حي يرزق، وأنه قد جهز نفسه فكرياً ونفسياً وجهادياً ليكون أحد الفرسان، وأنه اكتسب العروبة بعد أن استقر بيوغوسلافيا، بتدخل من المهدي بن بركة، وهي الدولة التي تابع بها دراسته العليا بكلية العلوم الاجتماعية، وبعد نهاية دراسته عمل كإطار بمكتب منظمة التحرير الفلسطينية بعاصمة يوغوسلافيا بلغراد، واستمر يناضل مع الفلسطينيين إلى أن حصل على تقاعده سنة 2007، وأنه أصبح قضية مغربية. إنها كلمات خفيفة على اللسان قلتها في حق هذا الرجل للجيل الحالي، لكنها في الميزان ثقيلة. وأنا أشد بحرارة في هذه اللحظة على أيادي أخي ورفيقي ولم أهمس في أذنيه، بل بأعلى صوتي أقولها له أمام الملأ، وأعلنها على هذا المنبر، ها أنت عدت من منفاك إلى أرض الوطن، »يا مرحبا بك«، ها هم أبناء وطنك يعانقونك ويضمونك إلى صدورهم، لتشم فينا رائحة المقاومة والنضال السياسي، وتشم فينا رائحة الشهداء والرفاق، ستسأل عن الكثير منهم وستبحث عن الكثير، ولكنك لم تجد إلا الأقلية منهم التي بقيت على أرض النضال والكفاح. وتحضرني في هذه اللحظة، رسالة من المنفى لمحمود درويش، والتي قال فيها: أماه يا أماه لمن كتبت هذه الأوراق أي بريد ذاهب يحملها؟ سدّت طريق البر والبحار والآفاق أو أنت يا أماه ووالدي، وإخوتي، والأهل، والرفاق... لعلكم أحياء ............. لعلكم أموات لعلكم مثلي بلا عنوان ...... ما قيمة الإنسان بلا وطن...... بلا علم .... ودونما عنوان ما قيمة الإنسان يا أخي كما ناضلت مع الفلسطينيين، وكما تمسّك الفلسطينيون الذين هُجّروا من فلسطين بحق عودتهم إليها, يا عبروق ,على الرغم من الاضطهاد والتجويع والتشريد والقمع الذي عانوا منه في الوطن والمنفى، وتعاملوا مع هذا الحق بوصفه حقاً ثابتاً راسخاً غير قابل للتصرف، ولا يملك أحد حق التنازل عنه، حان وقت عودتك إلى أرضك لتشم رائحة حدودها التاريخية، إنها أرضك التي أضاءها المناضلون بتضحياتهم، وأنارها الشهداء بدمائهم، لقد كان لابد في يوم من الأيام, لا يهم أي سنة، أن تعود لأرضك أرض آبائك وأجدادك وتسير القافلة من دون تردد، ومن دون أن تؤثر فيها السنون التي مرت من عمر النكبة. لقد انتهى المصير المجهول، وأصبحت رسالة مدوية، ها أنت بين عائلتك مغربي نعم مغربي... لم يسرق منك الماضي ولا المستقبل. مِفتاحُ بيتك الذي هو في يديك، ولم يحضن ذكرى بلدك سواك، فلا مجال لليأس... فالوطن الآن بلا جلاد ولا تصفية أجساد، لا أحد يقوى على قتل ماضيك وتاريخك وغدك. وأفضل ختام إحدى أبيات أحد الشعراء يوسف حطيني. تحريرُ الأرض هو الأملُ..... وبحق العودةِ يكتملُ حقٌ لم نرضَ له عِوضا..... ما في الأكوان له بدلُ مِفتاحي ها هو في جيبي ...... لحفيدِ حفيدي ينتقلُ