من نكد البؤس السياسي على هذه البلاد، أن الذين يساندون التجربة القائمة يريدون من المعارضة أن تكون جناحا وفيا ... للحكومة! وتكون المعارضة الاتحادية بالذات وصيفة للحكومة، تحمل ألواح النشيد وراءها. ولم لا تتلقى التوجيه من حركة التوحيد والإصلاح! فقد تمنى علينا الزميل بلال التليدي في افتتاحية يوم الجمعة.، ( فصولا أخرى من عبث المعارضة السياسية) أن نكون ،عما عهدنا دستورانيين. وكتب يستغرب« المفارقة أننا لم نسمع في بلاغ القيادة الجديدة لحزب الوردة أي حديث عن الفصل 42 ،خاطر فتح المجال للتأويل الديموقراطي له». العجب هو ما يكشفه السؤال: هل سمع المغاربة أولا أي حديث عن الفصل 42 من الدستور على لسان رئيس الحكومة المعني الأول به؟ طبعا، أبدا! لقد كتب السيد المعني "سكتت القيادة المعنية وسكت الحزب القائد"، ولم نقرأ أي بلاغ ولا أي دفاع للرئيس عن لا حياته وعن تأويله. بل لم نسمع في أي بلاغ للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية أي تضامن أو تفسير ، بل نسمع أصواتا قيل لنا في بلاغ لرئيس الحكومة إنها تعبر عن نفسها. يذكر الجميع أن الخروج عن المنهجية الديموقراطية في 2002، لم يجد سوى الحزب الذي راح ضحية انتهاكها للجهر به. ويذكر الجميع أن تدخل المستشار الملكي أندري أزولاي، في الجدوى الاقتصادية لحكومة عبد الرحمان اليوسفي، وجد أولا وأخيرا الاتحاد الاشتراكي ليذكره بواجب التحفظ. ولا ندري ما الذي تريده افتتاحية يومية التجديد من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.؟ تريده أن يكمل بنجاعة التفكير، ما عجز عنه الرئيس بصناعة التدبير؟ ليكن واضحا أن العالم الذي تريده الأغلبية مرتكزا على دعائم التحالف، يعرف منذ مدة هزات ارتدادية لما يقوم به الفريق القائد، ولم ينتبه هذا الاخير الى الموجات التي تعمق الشروخ تحت التحالف الذي يقف عليه. سواء كانت الحكومة متضامنة أو متفسخة، فإن المعارضة ستعارضها. وقرأنا مدونة طويلة من تسفيه مواقف الاتحاد الاشتراكي في ذات الافتتاحية، عن الانزياح الخطير عن أصول العمل السياسي وتحول أحزاب عريقة، هكذا «بجرة ألم» من ضربة شباط، إلى «أدوات لصناعة العبث. أو تبريره أو التغطية عليه». ماذا لو كانت أول مؤسسة للعبث في هذه البلاد هي الحكومة؟ ألم نتابع فصول التطاحن على البث السياسي المباشر؟ ألم نسمع النقد والتجريح في أمين عام حزب، هو وزير الداخلية، مباشرة بعد إمضاء رئيس الحكومة على لوائح التعيينات في مراسيم الولاة والعمال؟ ألم نتابع الضربات الترجيحية بين الاستقلال وبين العدالة والتنمية قبل الانسحاب بكثير، ومنذ بداية العمل الحكومي؟ ألم نسمع من يدعو من منبر الحكومة إلي تجاوز المؤسسات والاحتكام الى الشارع؟ أي عبث أكبر من أن يكون أول الصامتين هو رئيس الحكومة؟ لنتذكر أيضا: ماذا كان رد الاستاذ عبد الإله بنكيران ، عندما قامت المعارضة الاتحادية في البرلمان وخارج البرلمان بدفعه الى ممارسة صلاحياته، سواء عند التنصيب أو عند مناقشة قانون التعيينات؟ لقد قال بكل بساطة إننا «نريد أن ندق الإسفين بينه وبين جلالة الملك»؟ ألم يقل بالدارجة"«راهوم باغيين يقنيو ليا، اللي بغا يقني يبعد علي ويقني؟" ألم يخاطب أبناء وإخوان حزبه بالقول: إنهم علمانيون يكرهونكم لا تصدقوهم؟ هل نترك هذا الإرث السياسي ، كما لو ألا شيء حدث، ونبدأ معه ، مخافة .. العبث؟ . في الواقع امتلأ بريدنا العمومي في الاتحاد الاشتراكي برسائل النصيحة وبكاتالوغات الفنون السياسية، التي تعرض خدماتها بالمجان وأحيانا بالتقسيط المريح، حتى أن هناك من تمنى علينا لو أننا ننتظره حتى يكتب لنا بياناتنا السياسية. عجيب: إما أن تعارض بالموافقة على ما تقوله الحكومة، وإلا لست عاقلا ولا جديا ولا مسؤولا؟ عجيب، في بلادنا وحدها من بين دول العالم، لا يمكنك أن تكون معارضا وأنت تعارض، بل عليك أن تنتظر من الحكومة أن تعبر عن رضاها عما تقوله، وإلا .. السيف بيننا وانتظر غضب الله عليك وغضب كتاب الافتتاحيات. هل هناك عبث أكبر من أن نطالب المعارضة بأن تتولى الدفاع عن صلاحيات الحكومة، في حين تعارض الحكومة صلاحياتها؟ نعم نحن شركاء في «الاستفزاز الديموقراطي» المتبادل، لكن هناك مسؤوليات قائمة. ولا يمكن الالتفاف عليها بإدراج المواقف في خانة "«القنيات»!!" لهذا العبث تاريخ، وقد بدأ منذ اختار الاتحاد المعارضة: لقد قيل وقتها إن الاختيار كان الهدف منه إفشال التجربة!!! وقتها كانت الحكومة تحتفل، على مرأى من المغاربة، بالنجاح الباهر الذي نالته، والالتفاف الجماهيري الكبير حولها. وكان يراد من الاتحاد أن يثبت أنه يحب بنكيران ويضرب رأسه مع الحائط السميك، مثل كل عاشق أهبل! وقتها قلنا لبعض قياديي العدالة والتنمية: نحن واضحون معكم،ونحن نعارضكم وقد قلنا الحقيقة، فاحذروا أنفسكم واحذروا غمدكم. وكنا على صواب. وسيثبت القادم من الأيام، أن التاريخ لا يمكن أن نسعفه بالتمنيات، ولا برمي الجمرات على شيطان المعارضة، ولا بالتكفير كما لو أن العدالة والتنمية «يجبّ ما قبله» ، ولا بتقطيع الممارسة السياسية ، بناء على طلب العروض المقدم من طرف الحكومة.. أبدا.، ولا أن تقوم المعارضة بدور رئيس الحكومة. والحال أن أمام هذا الاخير فرصة لكي يكون رجل تاريخ، كما نقول دولة، لا أن يمر في دواليب الدولة باعتباره ما تبقى من تاريخ رجل! المعارضة في كل أنحاء العالم تعارض والحكومة تحكم، وإذا لم تستطع فذلك شأنها. كلمة أخيرة عن استمرار المؤسسات واستقرار البلاد:في كل ديموقراطيات العالم تكون الحكومة عنصر ثقة في البلاد وعنصر طمأنة للرأي العام، والسؤال: متى كانت حكومتنا الموقرة فعلا عنصر ثقة، للحلفاء ولرجال الاعمال وللمعارضة وللدول الشريكة، والحال أن الزعزعة الكبرى هي ما تقوم به الحكومة، وليس غيرها، والمعارضة القوية والقويمة عنصر استقرار أيضا، وخدمة للبلاد كذلك. وفي الختام، ليست المعارضة قضاء أسرة مطلوب منه أن يعيد شباط الى بيت الطاعة !! ورحم الله عبد الرحيم بوعبيد الذي قال : السياسة أخلاق!