جمال الصقلي الذي يحب أن يناديه المستمعون ب»الدكتور» صاحب الوصفات السحرية الساحرة المختومة عبر الأثير، وارث البركة ورئيس مختبر التحليلات العشبية الكائن بفيلته بفرانس فيل بمدينة الدارالبيضاء. الاذاعة الوطنية ومن خلال برنامج إذاعي يستضيف «العارف » بالأعشاب ومنافعها- التي لا يعلمها إلا الراسخون في العلم- طيلة أيام الأسبوع سوى الجمعة والسبت والأحد، لحكمة لا يعلمها إلا أصحاب البرمجة! لغط كثير، وجلبة أثارت اهتمام مختلف الأجناس والأعمار لتتناسل الأحاديث هنا وهناك عن أسماء الأعشاب الموصوفة وتربة نشأتها وتحديد جغرافيتها، ونكات هي الأخرى، ولدت مع السياق، تنسج خلف الكواليس عن البابونج والودع وقشور البيض وغيرهما من الأسماء التي عجز عملاق البحث الإلكتروني «غوغل» ان يجد لها مرادفات كي يسهل اقتناءها من «العراكات» قرب سوق»جميعة» بالدارالبيضاء والتي ارتفع سعرها- بالمناسبة- إلى أثمنة لم تكن في الحسبان فبعضها وصلت قيمته «500»درهم في وقت كان الناس لا يكترثون حتى للنظر إلى شكله أو لونه أو زاوية تواجده.فمن المرضى من تحمل عناء السفر للظفر بما ورد في الوصفة الصقلية، من موطنها الأصلي وهي لازالت «طرية»لم تلمسها يد بشر. ومنهم من ظل يهاتف أقرباءه بالمهجر ليبحثوا له عن أعشاب عجزت تربتنا عن استنباتها حتى ضاعت أحلامه مع نفاذ بطاقات التعبئة التي استهلكها طول مدة الاتصال ولم يكن يدري أنه خارج التغطية الطبية . ما كان ليستهويني هكذا حديث، لولا أن تفتقت عبقرية السيد جمال الذي انتقل الى الحديث عن «الفياغرا» نعم فياغرا مكوناتها أعشاب تسهم في بلوغ المراد عند من لم يتبق لهم زاد في يوم الميعاد. ألم يثبت العلم أن «الفياغرا» ذات المكونات العلمية الدقيقة والجرعات المحددة من قبل أطباء أفنوا سنوات عمرهم في الدرس والتحليل المخبري والتمارين السريرية أنها في نهاية الأمر إحدى مسببات المرض الخبيث الذي عجز العلم عن استئصاله من الذات البشرية. كيف إذن لمجموعة من الأعشاب عبارة عن كبسولات موقوتة ومراهم مشبوهة وأقراص و... و التي لا يعرف متناولها مقادير مكوناتها وأعراضها الجانبية ومدة صلاحيتها وقوة مفعولها وخطورة مضاعفاتها و تأثيراتها النفسية والبدنية والأسرية و العلائقية أن تكون مطلبا للمصلحة ودرء للمفسدة، أن تكون نعمة دون أن تكون شر النقم ، أن تكون مهيجة للأحاسيس والحيوانات المنوية قبل أن تكون مدمرة للكلى والكبد والشرايين... كل الأعشاب تحمل من السموم ما يتلف العقول ويربك الأعضاء ومنها ما يزهق الأرواح ويخلف المآسي وهو ما ظل العلم وأصحابه ينبهون عليه في كل المناسبات والمحافل الوطنية والدولية،وهي نافعة أيضا بهؤلاء الأطباء الأكفاء الذين أبلوا في سبر أغوارها ومعرفة فعاليتها وصلاحيتها قبل تجزيئها إلى عينات بمقادير ونسب لا تحتمل الزيادة أو النقصان وهامش الخطأ فيها يساوي الصفر لا غير. كُثر هن اللواتي والذين يقودهم الجهل والبحث عن متعة من صنع الخيال لا يقرؤون العواقب ولا يبالون بالمسافات وسباقاتها، وكُثر هم الذين يعبثون بمشاعر الناس ويبيعونهم وهما يصورونه لهم على أنه حقيقة فيستقبلونه دون نقاش لضعفهم ومعاناتهم وسخطهم على أنفسهم وفرارهم من قدر كان مفعولا. قد تسلم الجرة مرة لكنها لا تسلم مرتين، من يدري قد يتفاقم الوضع الصحي عند البعض كمن تناول أوراق الزيتون ليخفف نسبة السكر في الدم فحدث أن أصيب بالشلل النصفي أو كمن شربت ماء «الخرشوف» فتفاقم مرض الكبد لديها أو كمن استعملت «الودع» المدقوق للتجميل فذهب بما كانت تحتفظ به من«حروف الزين» للزمن فلازمها مرض الأعصاب دون هوادة،واللائحة طويلة وستطول إن ظلت دار لقمان على حالها. نقول لكل هؤلاء المرضى شفاكم الله من عنده وتداووا ونقول أيضا لدواتنا في حديث من المواساة: ليس عيبا أن نحلم بالشفاء على أيدي هؤلاء ولكن العيب أن نصدق أحلامنا معهم وبأعشابهم.