انتظرها بنكيران من الشرق فجاءته من الغرب. ظل بنيكران يردد بأن جهات غير معروفة، وأحيانا، إذانات غبية ، لا مرئية تتهدد تجربته. ولكن الصعقة جاءته من الحليف الأول في التحالف الحكومي، حزب الاستقلال بعد أن أعلن هذا الأخير قرار الانسحاب من الحكومة. قرار الحليف الرئيس لبنكيران، يكشف، و بالرغم من كل القراءات الاختزالية التي تمت لحد الساعة, عن وجود أزمة في البيت الحكومي، ووجود تصدع لم تعد معه التصريحات الضبابية كافية لتفسير ما جرى. أزمة أنزلت الرئيس من الخرافة السياسية إلى قوانين اللعبة المؤسساتية. كما إنه إعلان، يكشف بالملموس، أن ما سبق ونبه إليه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لم يكن من باب ممارسة المعارضة أو تمرين طبيعي في وضع طبيعي. وأكد مجددا أن التعامل مع تنبيهات المعارضة الاتحادية، هو نفسه مع الحلفاء، عندما يختلفون في التقدير، وأن إرباك الحلفاء قبل المعارضين استراتيجية انتهجها الفريق الغالب، لكي ينفرد بالقرار. الحليف الذي يجر وراءه سنوات طويلة من التدبير والأدبيات السياسية والمشاركة، ويجر وراءه تاريخا لا يمكن إغفاله أو القفز عليه، هذا الحليف يوجد اليوم في وضع المعارض للتوجه الحكومي. وقد اتخذ قرارا من داخل المؤسسة الحكومية، بعد مدة طويلة من التجاذب، الذي لم يكن سليما دائما مع الحزب الأول فيها. والنتيجة اليوم أمامنا: تصدع كبير وانفجار لا يمكن أن نخفيه بالتصريحات الهجومية ولا بالتبخيس العرضي. والنتيجة هي، أيضا، التأكيد العملي على ما كان يعتبر من باب التسخينات العابرة، أصبح واقعا يفرض الصمت على كل مكونات الأغلبية. مطروح في المقابل التعامل الجدي مع الموضوع، وإعطائه الصيغة التي يستحقها، سياسيا ودستوريا ومؤسساتيا. دستوريا، نحن أمام اختبار غير مسبوق، سيكشف القدرة التدبيرية والتأويلية لرئيس الحكومة ومستشاريه الدستوريين، والميزان الذي سيقيس به الحدث اليوم. وسياسيا، نحن أمام وضع جديد، لم يكن أكثر المتشائمين في الفريق التنفيذي يتوقعه. وضع يجعل الحليف «المتمرد»، الذي لم يأخذ بجدية، يتقدم في خلق الوضع الجديد على حليفه الأول والفرقاء. ومؤسساتيا، لا يمكن أن نغفل أن الأغلبية هي أغلبية تدير الحكومة وتدير البرلمان في نفس الوقت، ورئيسه وعموده الفقري، حزب الاستقلال. وهو ما سيفرض وضعا جديدا داخل المؤسسات التمثيلية، دون إغفال الوضع داخل غرفة المستشارين . يمكن القول - عرضيا- أن المستجد الذي نحن بصدده، يمكنه أن يكون مخصبا للحياة السياسية ويحرك فيها نقاشا ظل، منذ البداية، بعيدا عن اهتمامات الفريق الأغلبي، وهو نقاش حول القدرة المؤسساتية للحكومة على تنفيذ معطيات ومقتضيات الدستور. لكن هذا الجانب الإيجابي لا يمكنه أن يخفي عنا أننا أمام أزمة سياسية، لا يمكن أن نتوقع انقشاعها بين ليلة وضحاها، بل ستظل فيها كل السيناريوهات مفتوحة، وأن التداعيات المرتبطة بها، ليست كلها في عداد التداعيات الطبيعية.