تواجه الأغلبية الحكومية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وهي تجتاز سنتها الأولى من تدبير الشأن العام، امتحانا صعبا في ظل مطالب وضغوط تمارسها القيادة الجديدة لحزب الاستقلال لفرض تعديل حكومي في أٌقرب وقت. وبدا لافتا منذ خلافة حميد شباط لسلفه عباس الفاسي على رأس حزب الاستقلال، أن القيادة الجديدة تسعى بكل الطرق إلى دفع بنكيران إلى إقرار تعديل حكومي وتغيير موازين القوى داخل الأغلبية تحت يافطة «ضخ دماء جديدة في الحكومة» تارة، و«إعادة التوازن إلى الحكومة وتسريع الإصلاحات لتلبية مطالب وانتظارات المواطنين، لضمان عدم العودة إلى مرحلة ما يحصل اليوم في العالم العربي من اضطرابات» تارة أخرى. وبالنسبة لإدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، فإن خرجات شباط، منذ انتخابه على رأس حزب الاستقلال، المطالبة بإعادة النظر في الحكومة ومشاوراته مع عدد من قيادات الأحزاب المصطفة في المعارضة، تدخل في سياق الرغبة في ممارسة الضغط على حلفائه في الحكومة، خاصة حزب العدالة والتنمية، في اتجاه تقوية مكانته التفاوضية من أجل الحصول على تدبير قطاعات أكثر أهمية من التي يتولى الحزب تدبيرها حاليا. ويرى لكريني في تصريحات ل«المساء» أن المطالبة بتعديل حكومي تعكس الرغبة في إعادة توزيع الأدوار داخل التحالف الحكومي، فهناك أحزاب تعتبر أن القطاعات التي أسندت إليها لا تتيح لها ربح بعض النقط السياسية في التدبير. وفيما يسجل المراقبون إصرارا لدى قيادة الاستقلال على عدم التراجع عن قرار التعديل الحكومي، واعتباره «مسألة وقت فقط»، يرى أستاذ الحياة السياسية أن هناك مبررات موضوعية تدعم مطلب التعديل الحكومي مرتبطة بحضور المرأة في التشكيلة الحكومية، وهو الحضور الذي كان ضعيفا، وتكييفه مع المقتضيات الدستورية التي تنص على المناصفة، مشيرا إلى أنه من اللازم بعد مرور سنة على أي عمل حكومي أن يكون هناك تقييم لأداء ذلك العمل، إما بتقليص عدد الحقائب الوزارية أو تغيير نخب بأخرى أكثر كفاءة وخبرة وقدرة على التدبير الحكومي، ما يمكن من تحقيق دعم العمل الحكومي. وأوضح لكريني أنه إذا لم يكن هناك اتفاق بين جميع الفرقاء على برنامج وطريقة التدبير والأولويات وشروط العمل الحكومي، فإن أي تحالف حكومي سيكون في مهب الريح، لافتا إلى أنه منذ البداية كان واضحا أن السياق السياسي المتسارع الذي جاء فيه التحالف الحكومي من أجل احتواء تداعيات الربيع العربي، خلق ارتباكا انعكس على طبيعة التحالفات في المشهد السياسي بما فيها التحالف الحكومي الذي حمل بين طياته عوامل عدم الانسجام. وبرأي المتحدث ذاته، فإن التعديل الحكومي لا يمكن أن يتم إلا في اطار المقتضيات الدستورية وتوافق جميع الفرقاء، مؤكدا في تصريحات ل«المساء» أن التعديل مطروح بشكل كبير من أجل أن يدعم التحالف الحالي من خلال إعادة توزيع المهام وتغذية النخب الحكومية بأخرى، ما سيمكن من دعم الأداء ويحصن الانسجام الحكوميين. وفي الوقت الذي يعتبر فيه بعض المحللين أن تلويح شباط بورقة التعديل الحكومي مجرد وسيلة لضمان حصة مريحة في عدد التعيينات في الوظائف السامية في ظل صراع خفي بين حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية من أجل الظفر بحصة الأسد في التعيينات المقبلة في حالة المصادقة عليها من طرف رئيس الحكومة، دافع عادل بنحمزة، عضو اللجنة التنفيذية والناطق الرسمي باسم حزب علال الفاسي، عن مطلب التعديل بقوة نافيا أن يكون من ورائه مآرب أخرى. وقال: «التعديل الحكومي يعتبر عاديا في الديمقراطيات الغربية، أما نحن فلازلنا ننظر إلى الموضوع بعقلية تآمرية لا تساعد على تطوير العمل السياسي ببلادنا». ويستعين القيادي الاستقلالي بالوضعية العامة للحكومات المغربية المتعاقبة، والمتمثلة في تأليف حكومات ائتلافية من أٍربعة أحزاب أو أكثر كنتيجة لنظام انتخابي وتقاليد سياسية لا تفرز ثنائية حزبية، وكذا بالسوابق التي عرفتها الحكومات السابقة لإضفاء الشرعية على مطلب التعديل الحكومي المرتقب، معتبرا في تصريحات ل «المساء» أنه من الضروري اليوم على الطبقة السياسية والإعلام والمتتبعين إعادة قراءة موضوع التعديل الحكومي في ظل هذا الواقع، في حين يتعين على الأحزاب السياسية أن تتعاطى مع هذا المعطى الموضوعي بشكل عادي جدا. ويتابع المصدر ذاته حديثه ببعث رسالة إلى من يهمه الأمر بالقول: «من يحاول تبخيس مطلب التعديل الحكومي يروم، في الحقيقة، التمسك بالحقيبة أو الحقائب الوزارية التي بيده ، ويقدم صورة عكسية عن الواقع». ويذهب عضو اللجنة التنفيذية لحزب علال الفاسي إلى أن ما يطرحه حزبه اليوم من تعديل حكومي أصبح الجميع متفق عليه، وذلك من خلال تسريع وتيرة العمل الحكومي الذي يتسم بالبطء لأسباب موضوعية تتعلق بالظرفية وصعوبة اتخاذ القرارات الكبرى، وذاتية مرتبطة بغموض الرؤية المشتركة لأحزاب الأغلبية التي فشلت إلى اليوم في التحول إلى أغلبية سياسية كما ينص على ذلك ميثاق الأغلبية نفسه. وتوضح وتيرة لقاءات الأغلبية التي نص عليها ميثاقها خلال كل ثلاثة أشهر، حسب بنحمزة، أنه من الصعب على تلك الأغلبية أن تقود عملا يوميا يستدعي السرعة والنجاعة في زمن أصبحت السرعة من مشمولات النجاح في أي عمل تدبيري للشأن العام، مضيفا في تصريحاته للجريدة: «في حزب الاستقلال اعتبرنا في برنامجنا الانتخابي لسنة 2011 أن تحسن مناخ الحكامة السياسية المتمثل في الدستور الجديد والاختصاصات العميقة التي منحها للحكومة ولرئيس الحكومة بصفة خاصة، سيمنح المغرب نقطة سنوية في معدل النمو، لكن ما يبدو عليه الواقع اليوم هو أن الحكومة بعيدة عن هذا المستوى. ومن هنا يأتي التعديل الحكومي من منظور العمل كفريق منسجم لحاجته إلى دماء جديدة ليس فقط على مستوى الأشخاص بل وبصفة أكبر على مستوى الأفكار والمنهجية». ولئن كانت الأغلبية التي تشكل الحكومة الثلاثين في تاريخ المغرب الحديث تحاول ترميم ما أفسده الصراع والتجاذب السياسيان بين مكوناتها، من خلال جلسات مكاشفة تحاول إعادة رسم حدود التنسيق والانسجام الحكوميين، في ظرفية سياسية بالغة الحساسية، فإن السؤال الذي يثار هو إلى أي حد سيتمكن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية من مقاومة ضغوط حليفه حميد شباط في إقرار تعديل حكومي السنة القادمة؟