مما لا شك فيه أن النقابات ستقوم، بشكل فردي أو ثنائي أو جماعي، بقراءة لما تم في فاتح ماي لهذه السنة، مع ما سبقه وما تلاه. ولن يكون من حق أحد أن يملي على النقابيين، قواعد وقيادات، الدروس التي يجب استخلاصها، وإن كان من الوفاء حقا أن ينشغل المناضلون، في الأحزاب والمنظمات الحقوقية والرأي العام، بما أفرزته مظاهرات فاتح ماي وما كشفته من خطاب وممارسة. فالتطورات التي عشناها منذ 2011، ودخول الفاعل الدعوي الى مجال الاحتياطي الاجتماعي، ثم الى التأطير المجتمعي، للفئات المحرومة في بلادنا، لا يمكن أن يمر بدون تأمل عميق، يمس البنيات والمظاهر، كما يمس أدوات العمل والتحليل في الوقت ذاته. ومن الأشياء اللافتة للنظر، من جهة الحكومة : 1- غياب أي حس ناضج في معالجة المشاكل المطروحة، بحيث استمعنا الى خطابات من رئيس الحكومة تقفز على واقع الاحتقان الاجتماعي ، وتنخرط في انشغالات لا تمت الى حقيقة المعيش بصلة. فالرئيس عبد الإله بنكيران، اختار المزايدة على حلفائه أكثر من خصومه المفترضين، كما أنه لم يقدم أية تبريرات معقولة للتأخر الحاصل في التعامل مع المشاكل الاجتماعية. 2- غياب أي موقف من الفجوة الحاصلة اليوم بين الحكومة والنقابات، بل إن المسؤول الأول عن «إلغاء» الحوار الاجتماعي مع المركزيات الأساسية، لم يجد ما يقدمه في العيد الأممي للطبقة العاملة لتفسير هذا القرار، واكتفى من الهزيمة بالسكوت. 3- حصر الخلاف بين مكونات الحكومة ذاتها، في محاولة التفاف غير موفقة على المسؤولية وربطها بالمحاسبة، لكي لا يظهر الخلاف الحقيقي بين من يسعى الى تفعيل الإصلاح وبين من يستعمله للتصفية وللسجال البوليميكي، وتغييب المفاوضات الحقيقية التي تستدعي أرقاما ومواقف ملموسة ونتائج مادية ومعنوية واضحة. 4- الإصرار الحكومي على العمل من خارج دولة القانون والنصوص والتشريعات، كما يتبين من المواقف الخاصة بالحريات النقابية وممارسة الحق في الإضراب، أو العمل على تمديد العمل بقوانين أكل عليها الدهر وشرب كما هو الحال بالنسبة للفصل 288 الخاص بما من شأنه في العمل النقابي.. 5- التردد أحيانا والخجل أحيانا كثيرة في التنسيق النقابي العميق والبعيد المدى. إذ ما زالت النقابات بعيدة عن هذا الهدف الاستراتيجي، بتفسيرات لا تقنع أحيانا حتى من يقدمها. والواقع أن الوحدة النقابية لم تعد فقط شرطا ذاتيا لتحقيق التوازن في المفاوضات الاجتماعية مع الحكومة أو الباطرونا، بل إن العمل الموحد ، نقابيا، أصبح من أركان التوازن المجتمعي المطلوب الآن لتحصين المجتمع من الانزلاقات الممكن حدوثها، والتي قد تعصف بالكثير من المكتسبات لا قدر الله.