باب الديمقراطية الذي انفتح عن طريق الإنتخابات النزيهة، عقب ثورات الربيع العربي ، لم يفض إلا إلى تيارات إسلامية استفادت من ربيع عربي لم تسهم في صنعه ، بل أعطى لها مساحة أكبر و أوسع من حجم مساهمتها فيه . و بلا مجازفة يمكن القول إن وجود التيار الإسلامي في الصدارة لم يكن إلا استغلالا للمرحلة الإنتقالية ، التي لم تكن فيها قوى الثورة الجديدة قد نظمت صفوفها ، و بلورت مشروعها ، فكانت عودة الشعب إلى المرجعيات الوطنية التقليدية عودة مفهومة ، في غياب نمو و تبلور المرجعية التي تنتمي حقا و صدقا إلى ثورات الربيع العربي . كما أن هذا التيار استفاد من حالة الإنكماش و الجمود الثقافي الذي عرفه العالم العربي ، نتيجة لإخفاق القوى الديمقراطية و التقدمية في تحقيق مشاريعها الحداثية ، و نتيجة لاستعمال الأنظمة الشمولية الفكر المحافظ لمحاربة الفكر السياسي الإشتراكي ، الذي ساد وهيمن في حقبة السبعينات من القرن الماضي . ولكن ... ما مستقبل الإسلاميين بعد أكثر من عامين من استفادتهم من الربيع العربي و الفوز في انتخابات أوصلتهم إلى السلطة ؟ إن فوز أحزاب الإسلام السياسي لا يعني أن الشعب منح تفويضا مطلقا لقيادتها ، و لا يمت فوزها بصلة إلى وجود سياقات أو قناعات إيديولوجية أو دينية مسبقة كانت تحرك الناخبين ، بل ما حركهم للمشاركة بكثافة فيها هو سعيهم لتحقيق إرادتهم و مساهمتهم في التغيير ، و رسم ملامح المرحلة المقبلة. «شخصيا أتوقع أن التجربة التي يقودها الإسلاميون في عدد من الدول العربية و الإسلامية سيكون مآلها الفشل ». تابعوا بالكثير من الانتباه ، فالكلام هنا ليس لكاتب هذا المقال ، و إنما هو للأمين العام لحزب البديل الحضاري المنحل ذي التوجه الإسلامي مصطفى المعتصم في حوار أجريناه معه .قبل أن يتابع تفصيل الاعتبارات التي يرى أنها ستقود التيار الإسلامي الحاكم إلى الفشل ،فلنستمع إليه جيدا : «الحركات الإسلامية لا تمتلك التجربة الضرورية في الحكم بعيدا عن الشعبوية و البوليميك ، ثم إن أغلبها رفع شعارات ديماغوجية بعيدة عن الواقع المعقد الذي وجدت نفسها في مواجهته ، كما أن هذه الحركات لم تتخلص من فكرة الفئة الناجية التي تمتلك المشروعية و الأحقية في فعل ما تريد بعيدا عن الإتفاق و التوافق مع المختلفين معها في المقاربة و الرؤية» . مآل التجربة التي يقودها الإسلاميون الفشل ، قد يبدو هذا تحصيل حاصل ،فكل الدلائل و الشواهد الموضوعية تشير إلى ذلك. فجماعات الإسلام السياسي لم تستطع بعد التفرقة بين ما هو دعوي و سياسي ،حيث دأبت على الخلط بينهما ، و لم تُوجد بعد حدود فاصلة بين الدور الديني و الإجتماعي لهذه الحركات و نشاطها السياسي . ثم إنهم لم يتمكنوا بعد من تغيير البنية العقلية و الفكرية لمرحلة العمل السري الى الإطار العلني بمسؤولياته و التزاماته . و كما تبين في غير ما مكان من العالم العربي أن تيارات الإسلام السياسي لا تملك مشروعا سياسيا يوحدها ويوحد الناس حولها . كل واحد من تلك التيارات يزعم أنه الأكثر هداية و تقوى و من ثم قربا إلى الله ، و ما من شيء يتعلق ببناء الحياة و تطوير سبل العيش لمجتمع يعيش فيه الأفراد متساوين في الحقوق و الواجبات ، يرعى قانون موحد شؤونهم. و مما قد يضعف كثيرا من حظوظ الإسلاميين في إنجاح تجربتهم في الحكم ، تحولهم المفاجئ من المعارضة إلى السلطة بدون أن يكون هناك تصور واضح للتعامل مع الحكم ، و انفرادهم بالقرار و عدم إشراك القوى السياسية التي لها قدر معين من التأثير . و هو ذات التحليل الذي عبر عنه الفرنسي جون بيير فيليو ، في كتابه « الثورة العربية : 10 دروس من الانتفاضة الديمقراطية »، بكلمات يجدر ايرادها بالكامل : «إن التيارات الإسلامية الناشطة في مختلف الدول العربية ، خصوصا التي شملتها رياح الربيع العربي ، توجد حاليا في مأزق . ويتجلى هذا المأزق بالأساس في انتقالها على حين غرة من المعارضة القوية إلى المشاركة في تدبير الشأن العام في بعض الدول، و تولي هذه المهمة بشكل منفرد في أخرى ». هذا ، بالإضافة - يضيف جون فيليو - إلى ضرورة التأقلم مع الوضع الجديد و اعتماد أساليب مبتكرة تقطع مع مناهج المعارضة التي اعتمدها الإسلاميون في الوطن العربي على مدى عقود ، وإثبات جدارتهم بالوصول إلى السلطة .و تواجه التيارات الإسلامية تحديا كبيرا ، يتعين عليها كسبه في زمن قياسي ، يتجسد في إحداث ثورة داخلها على نحو يجعلها قادرة على مسايرة المستجدات و ملاءمة خطابها مع مرحلة ما بعد الربيع العربي . ثم إن قدرة التنظيمات الإسلامية، التي تشكل قوام الأنظمة و الحكومات الجديدة و عمادها الرئيس ، على الاستمرار في الحكم رهين بمدى قدرتها على تجاوز الخلاف و التصدع الواضح داخل عائلة الإسلام السياسي، نظرا لتعدد مراجعه و اختلاف مكوناته و مشاربه.و قدرتها على الاستجابة لتطلعات الشارع ، لاسيما ما يتعلق منها بالشق الاجتماعي ، و رفع التحدي الإقتصادي و الحلول و الإجراءات التي يمكن أن تقدمها . و في ذات السياق يقول جيل كيبل ،المحلل السياسي و أستاذ العلوم السياسية ، في حوار مع جريدة « لونوفيل أبسرفاتور » : «يبدو لي أن جدلية الثورات كانت كالتالي :في المرحلة الأولى ، إسقاط الحكام المستبدين و انطلاق الاندفاعة الديمقراطية . و المرحلة الثانية كانت فيها سيطرة الإسلاميين على الحكم و السيطرة عليهم ماليا من طرف الملكيات النفطية . أعتقد اننا نصل الى مرحلة ثالثة ،و هي عودة المجتمعات المدنية الى مواجهة صعود السلفيين و توجيه النقد الى الاسلاميين و حدوث تجادبات داخل احزاب « الاخوان » و تراجع شعبيتهم .الثورات العربية لم تقل كلمتها الاخيرة ، لذلك ،فمن المهم الاستمرار في الاستماع اليها » و مع ما تقدم ، يمكن القول إن شهر عسل الإسلاميين مع صندوق الاقتراع ، سيكون شهر عسل قصير ، و إن مستقبلهم يبدو قاتما. * كاتب صحفي مستقل