انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي و"طرد البوليساريو".. مسارات وتعقيدات    بايتاس يُشيد بالتحكم في المديونية    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    هل تغيّر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية من معادلة الصراع في الشرق الأوسط؟    هاريس وترامب يراهنان على المترددين    مشفى القرب بدمنات يواجه أزمة حادة    طرائف وحوادث الإحصاء    "النملة الانتحارية".. آلية الدفاع الكيميائية في مواجهة خطر الأعداء    بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    بذل عمل جديدة لعناصر الجمارك "توضح تراتبية القيادة" شبه العسكرية    الشرطة توقف مروج كوكايين في طنجة    فاتح شهر ربيع الآخر 1446 ه يوم السبت 5 أكتوبر 2024    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت وتقارير إعلامية تتحدث عن استهداف هاشم صفي الدين    المياه المعدنية "عين أطلس" لا تحترم معايير الجودة المعمول بها    رسميا: فيفا يعلن عن موعد انطلاق مونديال كرة القدم سيدات تحت 17 في المغرب    الحسيمة.. عائلة من افراد الجالية تتعرض لحادثة سير خطيرة على طريق شقران    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    إسبانيا على وشك خسارة استضافة مونديال 2030 بعد تحذيرات الفيفا    المنظمة العالمية للملاكمة تقرر إيقاف الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مدى الحياة    الملك يهنئ رئيس الحكومة اليابانية الجديدة    أسعار النفط العالمية ترتفع ب 5 في المائة    "مجموعة العمل من أجل فلسطين": الحكومة لم تحترم الدستور بهروبها من عريضة "إسقاط التطبيع" ومسيرة الأحد تؤكد الموقف الشعبي    مومن: قائمة المنتخب المغربي منطقية        بايتاس: الحكومة تتابع عن كثب أوضاع الجالية المغربية المقيمة بلبنان    مشروع هام لإعادة تهيئة مركز جماعة "قابوياوا"    "درونات" مزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي لمراقبة جودة البناء    الركراكي: الانتظام في الأداء أهم المعايير للتواجد في لائحة المنتخب المغربي    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    الركراكي يساند النصيري ويكشف هوية قائد المنتخب        أخبار الساحة    أعترف بأن هوايَ لبناني: الحديقة الخلفية للشهداء!    مهرجان سيدي عثمان السينمائي يكرم الممثل الشعبي إبراهيم خاي    قراصنة على اليابسة    مقاطع فيديو قديمة تورط جاستن بيبر مع "ديدي" المتهم باعتداءات جنسية    عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    استدعاء وزراء المالية والداخلية والتجهيز للبرلمان لمناقشة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات    "جريمة سياسية" .. مطالب بمحاسبة ميراوي بعد ضياع سنة دراسية بكليات الطب    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    جائزة نوبل للسلام.. بين الأونروا وغوتيريس واحتمال الإلغاء    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    مؤتمر علمي في طنجة يقارب دور المدن الذكية في تطوير المجتمعات الحضرية    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    القطب الرقمي للفلاحة.. نحو بروز منظومة فلاحية رقمية فعالة        وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون والسلطة.. أسباب الخلاف وجذور العطب
نشر في هسبريس يوم 11 - 01 - 2012

ولدت الدينامية السياسية والاجتماعية التي شهدتها المجتمعات العربية في سياق ما يسمى بالربيع العربي إلى سقوط مجموعة من الأنظمة التسلطية، وإذا كانت طريقة تعامل الأنظمة السياسية مع هذه الحركية السياسية الاجتماعية الجديدة، اتسمت بنوع من الدهشة والتخبط، فإنها انحصرت مابين أنظمة تعاملت بقبضة حديدية مع المحتجين آملة ردعهم بالقوة والعنف، مما أدى إلى سقوطها (تونس ومصر وليبيا)، في حين اختار النظام السوري المواجهة الدموية مع شعوبه وهو يوشك على الانهيار؛ بينما اختار النظام السياسي المغربي لتصحيح هذه الانزلاقات، التعامل مع هذه الموجة الاحتجاجية باقتراح تعديل الوثيقة الدستورية من خلال المرتكزات السبعة التي طرحها الملك في خطاب 9 مارس، والإعلان عن انتخابات سابقة لأوانها فاز فيها حزب العدالة والتنمية ب 107 مقعد برلماني، تلاه ترأس الإسلاميين للحكومة الحالية بزعامة الأستاذ عبد الإله بن كيران، وهو ما حولهم من القيام بدور المعارضة إلى مرحلة تدبير الشأن العام وفقا لدستور جديد ينتظر تنزيله الديمقراطي، وهو ما يجسد مرحلة جديدة لا شك أنها ستكون صعبة؛
معارضات حكومة العدالة والتنمية: المكونات والخصائص
الطيف السياسي المشكل للمعارضة المقبلة للحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية متباين ويمكن تصنيفه إلى ثلاثة اتجاهات معارضة:
I. معارضة مؤسساتية برزت إثر نتائج استحقاقات 25 نونبر والتي حصل خلالها حزب العدالة والتنمية على أزيد من 107 مقعد وتزعم بها رئاسة الحكومة، وأبرز مكوناتها حزب الأصالة والمعاصرة الذي أفضت تداعيات ما يسمى بالربيع العربي إلى إقبار مشروعه السياسي وتكبده في الاستحقاقات التشريعية ضمن تكتل G 8لهزيمة سياسية أرجعته إلى الوراء لصالح حزب العدالة والتنمية، وهو ما اضطر حزب الأصالة والمعاصرة إلى التموقع في خانة المعارضة السياسية للحكومة المرتقبة؛ والتي لاشك أنها ستكون معارضة وجودية شرسة، سيسعى خلالها الحزب لإبراز قدرته على البقاء والاستمرارية بعد خروج مؤسسه فؤاد علي الهمة منه، إن الفشل السياسي الذي مني به الحزب قد يشكل دافعا قويا لإصراره على القيام بمعارضة قوية كشرط لاستمرايته وكتعويض عن الرأسمال الرمزي الذي فقده بعد انسحاب مؤسسه الذي عين مستشارا ملكيا؛
وهناك حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي اختار المعارضة السياسية لأول مرة منذ حكومة عبد الرحمن اليوسفي لسنة 1997، ويمكن تفسير دواع اتخاذ الحزب لهذا القرار كنتيجة لعدم رضا الحزب عن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبذلك ستكون معارضة الاتحاد الاشتراكي معارضة قوية تستلهم شرعيتها من تاريخ الحزب الطويل في معارضة النظام منذ السبعينات، وسيسعى الحزب من خلالها إلى إعادة المصالحة مع قواعده الشعبية التي أفضت مشاركته الحكومية إلى توسيع الهوة بينه وبينها، وسيعمل الحزب من جهة ثانية إلى بلورة خطاب سياسي احتجاجي يركز على الحداثة والدمقرطة والمحاسبة في محاولة لاستقطاب بعض الفئات من حركة 20 فبراير.
وهناك التجمع الوطني للأحرار التي اضطر إلى التموقع كمعارضة بعد هزيمته في الانتخابات الأخيرة، فإذا ما حافظ على تماسكه قد يشكل معارضة سياسية على حكومة بن كيران، إلا أنها ستبقى محدودة نظرا لبنية الحزب الذي خلق ليشارك في الائتلافات الحكومية، وأعتقد أن تموقعه في المعارضة قد يزيد من فرص إضعافه؛
وهناك أحزاب أخرى ستنضاف للمعارضة إلا أن دورها سيبقى محدودا وتابعا.
II. معارضة احتجاجية يمثلها الشارع بزعامة حركة 20 فبراير بمختلف مكوناتها المدنية والإسلامية (جماعة العدل والإحسان التي انسحبت مؤخرا) والسلفية واليسارية(كالنهج الديمقراطي واليسار الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة) والتي ستشكل حتما معارضة شرسة للحكومة المقبلة وما ستقوم به من برامج ومشاريع، وهو ما سيشكل تحديا للإسلاميين فنجاحهم في تنفيذ برنامجهم وقدرتهم على استثمار ما خوله لهم الدستور الجديد من صلاحيات وسلطات، قد يفضي إلى إضعاف معارضة الشارع، بينما سيؤدي كل إخفاق أو تعثر أو فشل للحكومة المقبلة في انجاز مشاريعها إلى تقوية الحركة الاحتجاجية؛
إن الاختلاف الجذري بين القوى السياسية المشتغلة داخل الحقل السياسي الرسمي، والمتمثلة في المعارضة المؤسساتية (الاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني وغيرها) والقوى السياسية الاحتجاجية التي تعمل خارج النظام، على شاكلة الحركات الاجتماعية ذات الطابع الاحتجاجي يتمثل فيما يلي:
فالمعارضة المؤسساتية ستشتغل بمنطق سياسي إصلاحي وستسعى إلى استثمار ما تخوله اللعبة السياسية من صلاحيات جديدة للقيام بدور المعارضة من داخل النظام، بغية خلق دينامية سياسية جديدة قد تستميل الجماهير التي أبدت عزوفا عن العمل السياسي، وهي بذلك لا تؤثر على طريقة اشتغال النظام، بل تعمل على خلق التوافق حوله وشرعنته كآلية سلمية للتناوب على السلطة؛
بينما تهدف القوى السياسية الاحتجاجية (حركة 20 فبراير) إلى معارضة مجمل العملية السياسية، تأثرا بمنطق بالثورات التي يشهدها العالم العربي حيث ستستمر في المطالبة بتغيير جوهري وجذري لقواعد اللعبة السياسية وإعادة صياغة مفاهيمها وقواعدها ومضامينها، بالرجوع إلى ضغط الشارع، وهي من أبرز التحديات المطروحة التي ستواجه الحكومة المقبلة وستصعب من مهامها المرتقبة.
وقد تدخل جماعة العدل والإحسان في خط معارضة الحكومة بعد خروجها من حركة 20 فبراير، وإن كانت الجماعة تؤكد بأن مشكلتها هي مع نظام الحكم وليس مع الحكومات التي تعتبرها حكومة شكلية بدون صلاحيات؛
III. معارضة تقوم بها القوى الخفية المعارضة للتغيير أو المتضررة منه أو غير الراضية عن صعود الإسلاميين للسلطة، وهي تشتغل بشكل خفي وتسعى للحفاظ على نفوذها السياسي ومصالحها الاقتصادية ومواقعها داخل أجهزة الدولة وفقا لمنطق اللوبيات، وهي من أبرز التحديات التي ستواجه الحكومة المقبلة؛
الإسلاميون والسلطة أسباب الخلاف وجذور العطب
تعود جذور الخلاف بين الإسلاميين والسلطة إلى منتصف القرن الماضي واتسمت العلاقة بينهما بعدم الوضوح وانتفاء الثقة بين الطرفين، نظرا لتضافر عدة عوامل ذاتية وموضوعية لا يسع المجال لذكرها والتي تطرقنا لها بالتفصيل في كتابنا الإدماج السياسي للقوى الإسلامية بالمغرب الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات؛
تميزت عملية الإدماج السياسي للإسلاميين داخل المجال العام بوجود أهداف لكل من المؤسسة الملكية والإسلاميين: تحدد هدف نظام الحكم من إدماج التيار الإسلامي الإصلاحي داخل اللعبة السياسية في تجديد التوافق حول قواعد المنافسة السياسية طبقا لشروط النظام السياسي، وتقوية الإجماع حول المكانة السياسية والدينية للمؤسسة الملكية، ودعم شرعيتها وتقوية استقرارها السياسي والاجتماعي، أمام مرحلة سوسيو-اقتصادية صعبة سمتها تناقص الموارد السياسية والاقتصادية للنظام، كما أن إدماج جزء من التيار الإسلامي يندرج ضمن استراتيجية التجديد الجزئي في آليات إنتاج النخبة السياسية التقليدية، التي بدأت تعرف نوعا من الضعف والترهل، فكان من الضروري تطعيمها برافد جديد لخلق نوع من الدينامية السياسية تسرع من وتيرة التنافس والصراع السياسي والإيديولوجي؛بينما هدف الإسلاميون المشاركونإلى تلبية تطلعات نخبة سياسية إسلامية تنهل من إيديولوجيا إصلاحية وتطمح إلى تأطير العمل السياسي وتخليقه، من أجل المزيد من التقارب بين المشروع الإسلامي ومرامي العمل السياسي، وفقا لمنطق تدرجي يقر بالفعل السياسي داخل المؤسسات السياسية بهدف تغييرها من الداخل، وهو ما مكن القوى الإسلامية من تفعيل أدوارها السياسية والاجتماعية.
وقد خلفت المشاركة المكثفة للحزب في الانتخابات، الكثير من الترقب والتخوف من إمكانية تحقيق نتائج غير متوقعة، قد تفضي إلى اكتساح الخارطة السياسية أو بلبلتها وخلط أوراقها، الأمر الذي يتعارض مع ثوابت اللعبة السياسية المغربية، التي ترتكز على منطق التوازنات السياسية، والعمل على توجيه العملية السياسية وتأطيرها، لكي لا تفرز أغلبية عددية تقلب حساباتها السياسية، وعبر إقرار نظام اقتراع يفضي إلى نتائجَ سياسية متقاربة من خلال انتهاج تقطيع انتخابي يخدم استراتيجية السلطة.
لقد قام حزب العدالة والتنمية بدور الواجهة بين الحكم والإسلاميين، عبر وساطة المؤسسات القانونية، والعمل على تسويق نموذج للإسلاميين باعتبارهم تيارا معتدلا تم إدماجه داخل نظام الحكم، وهو ما جعل الإسلاميون يضطلعون في تجربتهم السياسية بالوظائف الآتية:شرعنة السلطة وتقويتها، المساهمة في التنفيس عن الاحتقانات والتذمرات الاجتماعية، إدماج الفصائل المتطرفة والعمل على تحييدها، إعطاء دينامية جديدة للعمل البرلماني، القيام بوظيفة الرقابة الأخلاقوية داخل الحقل السياسي، ثم إبراز مدى قدرة النظام السياسي على الاحتواء والمحافظة على الاستقرار السياسي.
إلا أن الدينامية السياسية أبرزت مجموعة من المشاكل غير المعلنة التي اعترت فعل الإسلاميين السياسي في علاقتهم بالسلطة، إذ أنهم اصطدموا دون نية مسبقة أو تخطيط لمجال حساس، شكل طيلة هذه التجربة قلقا متناميا للمؤسسة الملكية السلطة السياسية وإمارة المؤمنين السلطة السياسية الدينية، ذهب فيها الحزب أبعد مما هو مسموح به، بمنافسة الملك باعتباره أميرا للمؤمنين في النهل من الشرعية السياسية الدينية، وإحراجها في أحيان عديدةمن خلال مناداته بأسلمة الاقتصاد-معارضة قانون السلفات الصغرى –مناهضة وجود الخمارات- تخليق المشهد التلفزي، كما أثار نفس النهج سخط النخب السياسية وامتعاضها التي اعتبرت الإسلاميين يمارسون نوعا من الوصاية الأخلاقية والسياسية عليهم. وهي من الإشكالات والقضايا التي أفرزتها الممارسة السياسية، فشكلت هذه المرحلة للحزب والحركة مناسبة لإعادة تقييم مسارهم السياسي والدعوي، وضرورة احترامهم للتقسيم الذي يتماهى السياسي فيه بالديني على مستوى إمارة المؤمنين، وبالفصل بين السياسي والديني على صعيد باقي التشكيلات السياسية والاجتماعية، وقد تبلور ذلك فيما بعد بانتقال التيار الإسلامي من رفض أطروحة الفصل بين السياسي والديني إلى إقرار مبدإ التمايز بين السياسي والديني، وهو ما شكل نوعا من التطور السياسي الذي أبرزته الممارسة السياسية وأنضجته.
لقد اجتازت علاقة الإسلاميون بالسلطة بعد تفجيرات الدار البيضاء، أول أزمة سياسية أثرت في أدائهم السياسي والتشريعي؛فهي مرحلة حرجة في مسار الإسلاميين وكيفية تدبيرهم للأزمة التي اجتازوها،لم تخلو من ذكاء وتغليب للجانب البراغماتي، الذي عكس واقعية الإسلاميين وإدراكهم لموازين القوى، وما كانت تستلزمه المرحلة من مرونة وليونة، اقتضت تقديمهم لتنازلات سياسية، وهو ما طرح العديد من القضايا الإيديولوجية والسياسية التي ظلت عالقة، كتوضيح الخط السياسيللحزب، والحسم في العلاقة بين الحزبي والحركي أو السياسي والديني، وبسط المسألة الاقتصادية والاجتماعية وسبل الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، التي تعد بمثابة امتحان للقوة الاقتراحية للمكون الإسلامي، وحسم تصوراته وتجلية مواقفه من الحداثة والديمقراطية وحق الاختلاف.
إن المكاسب التي ارتأت قيادة الحزب بحس براغماتي سياسي كسبها عبر مشاركة سياسية مقننة، أكثر واقعية من خيار المواجهة المفتوحة والاحتقان السياسي، الذي سيدخل مسار الإسلاميين في علاقتهم بالسلطة في المغرب إلى متاهات غير مضمونة العواقب، فكان قرار الموافقة على تحديد عدد الدوائر الانتخابية، إلى جانب تليين الخطاب السياسي وإضفاء الطابع الاعتدالي عليه، تهميش العناصر التنظيمية المتصلبة إيديولوجيا وسياسيا والقطع مع القوى الدينية والسياسية التي اعتبرت مصدرا للتشدد.
ويمكن تفسير أسباب الخلاف بين السلطة والإسلاميين إلى العناصر الجوهرية الآتية:
أولا الصراع حول الشرعية السياسية الدينية:فاعتماد حزب العدالة والتنميةللمرجعية الإسلامية قاعدة إيديولوجية وسياسية، أثار حفيظة القوى السياسية اليسارية التي تنظر إليها بسلبية، ترى فيها توظيفا للرموز الدينية والمفاهيم الشرعية في ميدان العمل السياسي؛ وهي المسألة التي لا تروق للمؤسسة الملكية إذ تساهم في منافسة الملك باعتباره أميرا للمؤمنين على السلطة السياسية - الدينية،لأن الملكية تعتبرها مجالا خاصا تحتكر تمثيليته،وتوظفه رمزيا ودينيا وسياسيا، حسب السياقات والظروف التي تساعد على التمييز بين الأدوار السياسية والوظائف الدينية، أو تحويل بعض القضايا الدينية إثر الخلاف حولها إلى سياسية، وهي الورقة نفسها التي يستند إليها الحزب في بعض ممارساته السياسية والبرلمانية.
ثانيا، التداعيات السياسية لوظيفة الضبط الأخلاقوي: وهي مسألة تتجاوز ما هو سياسي لتقتحم ما هو عقائدي وأخلاقي، كالمطالبة المستمرة بتخليق المشهد السمعي البصري، وعدم إدراج القمار في وسائل الإعلام العمومية، ومشروع قانون السلفات الصغرى بالفائدة، والمطالبة بإغلاق الحانات والخمارات ومشكل السياحة الجنسية. فهي قضايا وإشكالات يتداخل فيها السياسي بالديني والأخلاقي والاقتصادي، ينظر إليها الإسلاميون على أنها مخالفات لمنطوق الشريعة وتحليل للمحرمات وإباحة للمحظورات، بينما تعتبرها السلطة السياسية خاضعة للاجتهاد وتندرج ضمن مجال عمل الدولة مركزيا ومحليا، وهو ما يعكس نوعا من التباين المرجعي حول الوظيفة الأخلاقية والسياسية التي تضطلع بها الدولة العصرية التي يرى الإسلاميون أنها تخلت عن وظائفها الأخلاقية والدينية.
ثالثا، الحفاظ على التوازنات السياسية الكبرى، فالتدخل المستمر للسلطة لمراقبة الحقل السياسي وتوجيهه،والاستمرار في لعبة التوازنات الماكرو سياسية المستندة إلى هيمنة السلطة،وعدم السماح لبروز قوى سياسية قوية، يخدم استراتيجياتها ويمكنها من التحكم في مجمل الحقل السياسي شكل نقطة خلافية مع الإسلاميين خوفا من تحقيق أي اكتساح مرتقب أو خلط للخارطة السياسية.
وإذا كان المؤتمر الخامس قد شكل بداية التأسيس لمرحلة جديدة في مسار الحزب،عبر معادلة الانخراط الكلي في اللعبة السياسية،تحت مظلة إمارة المؤمنين، والإقرار بالاختيارات السياسية والدينية،من خلال الاستفادة من المشاكل والأزمات التي مر بها الإسلاميون، فإن ما شهده الشارع العربي من بروز حركات احتجاجية انتفضت على مجموعة من الأنظمة التسلطية التي شاخت قيادتها وأصيبت بالعقم السياسي، أفضى إلى اقتراح الملك محمد السادس إلى اقتراح تعديل الوثيقة الدستورية في خطاب 9 مارس والذي حضي بالقبول رغم معارضة حركة 20 فبراير،
وهي الظرفية السياسية التي استفاد منها حزب العدالة والتنمية وعمل خلالها إلى بلورة مقترحاته الدستورية، التي ضمنها التنصيص على إمارة المؤمنين والمؤسسة الملكية ودفاعه عنهما إلى جانب تأكيده على السير قدما في مساره السياسي الإصلاحي من داخل النظام، وهي رسائل طمأنة ساهمت إلى حد كبير في التخفيف من عناصر عدم الثقة والتوجس.
وكان من نتائج هذا الحراك المجتمعي والسياسي فوز العدالة والتنمية الكبير ب 107 مقعد برلماني،تلاه ترأس الإسلاميين للحكومة الحالية بزعامة الأستاذ عبد الإله بن كيران،وهو ما حولهم من القيام بدور المعارضة إلى مرحلة تدبير الشأن العام وفقا لدستور جديد ينتظر تنزيله الديمقراطي، وهو ما يجسد مرحلة جديدة لا شك أنها ستكون صعبة؛
فسياسيا تغيرت خلال هذه المرحلة جزئيا قواعد اللعبة السياسية، إلى جانب تشكل حكومة جديدة يترأسها حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية، واجتماعيا هناك رهان الحد من البطالة وإيجاد مناصب شغل ومحاربة الفقر والتهميش، واقتصاديا هناك تحدي تطوير الاقتصاد المغربي وتحديثه، وهناك تحدي الدمقرطة وإعادة المصداقية للعمل السياسي ومحاربة الفساد والاستبداد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.