قراءة في كتاب "الإدماج السياسي للقوى الإسلامية بالمغرب" حسن الأشرف/ إسلام أون لاين - المغرب كتاب " الإدماج السياسي للقوى الإسلامية في المغرب " الصادر حديثا عن مركز الجزيرة للدراسات (2010) لمؤلفه الدكتور رشيد مقتدر، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، جاء ليملأ الفراغ الكبير الحاصل في تقديم دراسات علمية رصينة ومحايدة في موضوع الإدماج السياسي للإسلاميين داخل الشأن العام. وركز الدكتور رشيد مقتدر في كتابه الجديد على مسألة رهانات العمل السياسي بالنسبة للإسلاميين المشاركين في العملية السياسية القانونية، من خلال نموذج واحد ومقارنته مع حركات إسلامية مغربية أو عربية.. وتضمن الكتاب (400 صفحة) ثلاثة أقسام موزعة على فصول ومباحث عدة، قُدم لها بمداخلة طرح من خلالها الإشكالية الموضوعة قيد الدرس والتحليل، والمنهج المعتمد والتقنية المنتهجة، ثم فصَّل ذلك في القسم الأول المسمى ب"الإيديولوجيّة الإسلاميّة الإصلاحية من المرتكزات النظرية إلى المشروع السياسي"، والقسم الثاني خصصه الباحث للإشكالات والعوائق أمام إدماج الإسلاميّين السياسي، أما القسم الأخير فقد تطرق إلى تقييم علمي وتحليلي لمسار الإدماج السّياسي للإسلاميين. النظري والسياسي بدا الدكتور رشيد مقتدر محايدا في كتابه منذ الوهلة الأولى حين شدد على أنه يستخدم عبر صفحات دراسته مصطلحات معينة لتفادي المعاني الإيديولوجية التي تحتويها تلك المفاهيم، فاستعمل مثلا مصطلح "الإصلاحي" بدل "المعتدل"، و"الجذري" عوض "الثوري".. ويقصد المؤلف في كتابه بالحديث عن مصطلح التيار الإسلامي الإصلاحي الإسلاميين المنضوين داخل حركة التوحيد والإصلاح، الذين تم إدماجهم داخل الحقل السياسي عبر وساطة الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب في إطار حزب العدالة والتنمية. وفي بداية القسم الأول من الكتاب سجل مقتدر بأن علاقة الإسلاميين بأنظمة الحكم في العالم العربي الإسلامي طالما شابها الاحتقان والمواجهة، مذكرا بأهم الدوافع التي أغرت الإسلاميين لاعتماد المنهج الثوري، ومنها تأثرهم بمشروع سيد قطب الثوري الداعي إلى التغيير من القمة باستعمال العنف للوصول إلى الحكم وامتلاك وسائل الغلبة لتطبيق النموذج الإسلامي المنشود. وأردف الباحث أنه تم تغليب المنطق الحماسي المندفع وتميزت سلوكيات الإسلاميين بالتسرع، دون توفر مشروع سياسي واضح كانت ميزته إغراقه في الطوباويات، وانتفاء منهج الأخذ بالأسباب وعدم إدراك موازين القوى. وأفاد مقتدر في القسم الأول من الكتاب ذاته بأن عجز الإسلاميين عن الوصول للحكم في العالم العربي والإسلامي أفضى -إلا في استثناءات محدودة- إلى إقدام تيار واسع منهم على مراجعات إيديولوجية وسياسية، تخلت عن الخيار الصدامي القائم على السرية واعتماد العنف في مواجهة أنظمة الحكم -من قبيل تجربة حركة الشبيبة الإسلامية في المغرب- فكان التحول إلى ما أسماه الكاتب ب"الإسلاميين الإصلاحيين" ذوي التوجهات المعتدلة. وانتقل الباحث في الشأن الديني إلى الحديث عن التحولات البنيوية والفكرية التي شهدها التيار الإسلامي الإصلاحي بالمغرب؛ التي استوجبت منه في الأول إرساء نظرة إيجابية مرنة تجاه نظام الحكم والدولة والسياسة، شكلت تطورا في مواقفه المقرة بالعمل السياسي على أساس اعتراف السلطة السياسية بحق الإسلاميين في الدخول إلى المجال العمومي". ويرى مقتدر أن الأطروحات الفكرية لحركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية اعتمدت على المنهج الحضاري والثقافي كآلية تفسيرية تقر بأولوية العامل الديني والثقافي والسياسي في الفهم والتأويل، وهو ما طبع المرجعية الفكرية والإيديولوجية بمرونة فسرت بتعدد المصادر الفكرية والشرعية المعتمد على رؤية مقاصدية تنم عن وعي بطبيعة الإشكالية التي يتخبط فيها المجتمع وإدراك لموازين القوى الاجتماعية والسياسية". بين الحركة والحزب وأكد مقتدر في أحد فصول القسم الأول من الكتاب أن هؤلاء الإسلاميين الإصلاحيين ينهلون من السلفية العلمية مرجعيةً عقدية، في حين مرجعيتهم التربوية وأسلوبهم الدعوي مأخوذ من جماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن اجتهادات فكرية خارج المدرسة الإخوانية، وخاصة إسهامات مالك بن نبي وعلال الفاسي والدكتور حسن الترابي والشيخ راشد الغنوشي، لوضع بنية فكرية إيديولوجية بديلة تخرجهم من المرجعية الإسلامية الثورية، والتي تم تطعيمها باجتهادات العديد من أبناء الحركة كالدكتور أحمد الريسوني وفريد الأنصاري والعثماني ويتيم وغيرهم. ويستدرك الباحث بأن القطيعة المرجعية التي أرساها الإسلاميون، لا تنفي تأثرها بالجانب الدعوي والتربوي المشرقي الذي لا يزال حاضرا بقوة، بينما تمكن الإسلاميون من تحقيق الاستقلالية على الصعيد الإيديولوجي والفكري والسياسي وإنضاج تجربتهم السياسية، مما عكس تطورا في علاقة الإسلاميين مع الحكم، وتفعيلاً لمسلسل الإدماج رغم الصعوبات والعوائق التي تعتريه. وبعد تفصيل الكاتب للمراحل السياسية التي عايشها التيار الإسلامي الإصلاحي، تحدث عن تبني حركة التوحيد والإصلاح لمشروع الحزب السياسي الشيء الذي خلف ثنائية تنظيمية ضمت الحركة والحزب، إلا أن تقلبات السياسة وحساباتها وصراعاتها، اضطرت الحركة إلى وضع مسافة بينها وبين الحزب، لتفادي التهم التي وجهت إليها باستغلال الدين في السياسة. وأوضح مقتدر أن الأطروحات النظرية من اختصاص الحركة، بينما الحزب هو آلية لاختبار مدى نجاعة هذه الأطروحات وإمكانية بلورتها في قوالبَ سياسية عبر حزب العدالة والتنمية؛ الذي اضطلع بالفعل السياسي اليومي ومناقشة السياسات الحكومية ونقدها، بينما اضطلعت الحركة أكثر بالجوانب التربوية والدعوية والتأطيرية إلى جانب الاهتمام بالسياسة، دون أن يعني ذلك تتبع تقلبات السياسة اليومية التي هي من اختصاص الحزب وهو ما ينظر إليه النظام سلبا" على حد تعبير مقتدر. إشكالات الإدماج وفي القسم الثاني من الكتاب تطرق مقتدر -بكثير من الإسهاب- إلى الإشكالات والحواجز التي عاقت عملية الإدماج السياسي لبعض القوى الإسلامية داخل نظام الحكم في المغرب، والتي انطلقت في منتصف تسعينيات القرن الماضي. وأوضح الباحث في مؤلفه أن الإسلاميين لجؤوا إلى تأسيس حزب سياسي، لكن رفض النظام السياسي لطلبهم فهم منه أن المسألة ترتبط بإشكالية الشرعية السياسية وليس المشروعية القانونية، مما عاق التوصل إلى تسوية سياسية بين الإسلاميين الإصلاحيين والمؤسسة الملكية. وبحسب مقتدر، أدت قناعة الإسلاميين ووعيهم بأن مشكل رفض تأسيس حزب إسلامي في المغرب هو سياسي النزعة وليس قانوني الطبيعة، إلى نهج استراتيجية البحث عن الاندماج في حزب سياسي قائم، وهو ما سهل عملية إدماجهم السياسي. وأكد الباحث المتخصص في الشأن الديني بالمغرب أن حزب العدالة والتنمية قام بدور الواجهة بين الحكم والإسلاميين عبر وساطة المؤسسات القانونية، والعمل على تسويق نموذج للإسلاميين باعتبارهم تيارا معتدلا تم إدماجه داخل نظام الحكم، الأمر الذي أعطى الانطباع بأن غيره من القوى السياسية الإسلامية الرافضة للعمل السياسي هي قوى ذات توجهات راديكالية. وسرد مقتدر أبرز المعضلات التي حجمت من المشاركة السياسية للإسلاميين المغاربة داخل المجال العام، ومنها أنهم اصطدموا دون نية مسبقة أو تخطيط بمجال حساس شكل طيلة هذه التجربة قلقا متناميا للمؤسسة الملكية - السلطة السياسية - وإمارة المؤمنين التي هي السلطة السياسية الدينية، ذهب فيها الحزب أبعد مما هو مسموح به، بمنافسة الملك باعتباره أميرا للمؤمنين في النهل من الشرعية السياسية الدينية، وإحراجها في أحيان عديدة. واستدل الباحث بما ينادي به الحزب بجعل الاقتصاد إسلاميا فيما يخص قانون القروض الصغرى، وضرورة دعم التمويلات البنكية الإسلامية، علاوة على مناهضة وجود الخمارات ومحاولة إضفاء طابع أخلاقي على ما يقدمه التلفزيون المحلي، مضيفا أن مثل هذا النهج جر على الحزب سخط النخب السياسية وامتعاضها، والتي اعتبرت أن الإسلاميين يمارسون نوعا من الوصاية الأخلاقية والسياسية عليهم. ويرى مقتدر أن هذه الإشكالات النابعة من الممارسة السياسية هي التي دفعت حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح لمراجعة تقييم مسارهم السياسي والدعوي، وضرورة احترامهم للتقسيم الذي يتماهى السياسي فيه بالديني على مستوى إمارة المؤمنين، وبالفصل بين السياسي والديني على صعيد باقي التشكيلات السياسية والاجتماعية. وتجلت إعادة التقييم فيما بعد -بحسب الكتاب- في انتقال التيار الإسلامي من رفض أطروحة الفصل بين السياسي والديني إلى إقرار مبدأ التمايز بين السياسي والديني، وهو ما شكل نوعا من التطور السياسي الذي أبرزته الممارسة السياسية وأنضجته. تقييم مسار الإدماج وبعد أن بسّط مقتدر المعضلات التي شكلت عوائق حاسمة في إدماج الإسلاميين في الشأن العام بالمغرب، والمحاولات الحثيثة لهؤلاء من أجل تجاوز هذه العقبات وترك صورة طيبة عنهم أمام السلطات والرأي العام الداخلي والخارجي، تطرق الباحث بعد ذلك في القسم الثالث من الكتاب إلى تقييم لمسار الإدماج السياسي وأداء الإسلاميين في هذا الباب. وفي البدء، سجل الكتاب أن طريقة إدماج الإسلاميين وحجم مشاركتهم السياسية أحدثت خلافا بين النظام الذي كان يريدها مقننة بشكل لا يؤثر في طريقة اشتغاله، وبين الإسلاميين الذين طمحوا إلى توسيعها بكيفية تساعدهم على التجذر الاجتماعي والشعبي وتبرزهم قوةً سياسية كبيرة. ولم يفت مقتدر أن يشير إلى أن البرنامج الانتخابي للإسلاميين سنة 1997 تجنب الخوض في إشكاليات مستعصية مثل تطبيق الشريعة، والاختلاط بين الذكور والإناث، وتطبيق الحدود، والدعوة إلى إقرار الدولة الإسلامية، مقابل الوجود المكثف لمفاهيم "الأسلمة" والأخلاق العامة والهوية الإسلامية، مع التركيز على تطبيق الطابع الإسلامي الذي ينص عليه الدستور، وهو ما يفسر رهان الإسلاميين على استراتيجية الأسلمة، من داخل القواعد المؤطرة للعمل السياسي في محاولة لتحييد أية دعاوى قد تتهمهم بالخروج عن الثوابت السياسية". وجاءت انتخابات 2002 لتتضمن رغبة واضحة لدى هؤلاء الإسلاميين في تطوير تجربتهم السياسية في سياق التحولات المتسارعة، وتحقيق المزيد من الاندماج داخل نظام الحكم، وحاول برنامجهم الانتخابي تعزيز المرجعية الإسلامية كهوية إيديولوجية لجميع المشاريع الإصلاحية، بدءا بتفعيل مبدأ إسلامية الدستور، وإعادة الاعتبار للمرجعية الإسلامية في توجيه السياسة الاقتصادية. واتسمت الولاية التشريعية السابعة لمرحلة 2007 - 2012 بتصويت الإسلاميين ضد البرنامج الحكومي، والاضطلاع بدور المعارضة للحكومة ونقد سياساتها طيلة هذه التجربة؛ حتى أضحوا من الأحزاب السياسية الكبرى. وتحدث الباحث بعد ذلك عن التجربة التي اكتسبها العدالة والتنمية من خلال الولاية التشريعية السابعة، ومراكمته للخبرة في التعامل مع المبادرات التشريعية واكتساب عدة مهارات في التدبير السياسي والفعل التشريعي، بخلاف الدورة السادسة التي تميزت ببعض الضعف لديهم في الخبرة السياسية والعمل التشريعي والرقابي. وخلص مقتدر إلى أن الإسلاميين المغاربة اضطلعوا في تجربتهم السياسية بعدة مهام ووظائف منها: شرعنة السلطة وتقويتها، والمساهمة في التنفيس عن الاحتقان والتذمر الاجتماعي، وإدماج الفصائل المتطرفة والعمل على تحييدها، وإعطاء دينامكية جديدة للعمل البرلماني، والقيام بوظيفة الرقابة الأخلاقية داخل الحقل السياسي، ثم إبراز مدى قدرة النظام السياسي على الاحتواء والمحافظة على الاستقرار السياسي.
ثمن الإدماج
وفي خلاصة لدراسته العلمية، أكد الدكتور رشيد مقتدر على أن عملية الإدماج السياسي للإسلاميين داخل المجال العام تميزت بوجود أهداف لكل من المؤسسة الملكية والإسلاميين، حيث "تحدد هدف نظام الحكم من إدماج التيار الإسلامي الإصلاحي داخل اللعبة السياسية في تجديد التوافق حول قواعد المنافسة السياسية طبقا لشروط النظام السياسي، وتقوية الإجماع حول المكانة السياسية والدينية للمؤسسة الملكية، ودعم شرعيتها وتقوية استقرارها السياسي والاجتماعي. أما بالنسبة لأهداف الإسلاميين من المشاركة فتتمثل في تلبية تطلعات نخبة سياسية إسلامية تنهل من إيديولوجيا إصلاحية، وتطمح إلى تأطير العمل السياسي من أجل المزيد من التقارب بين المشروع الإسلامي ومرامي العمل السياسي، وفقا لمنطق تدرجي يقر بالفعل السياسي داخل المؤسسات السياسية بهدف تغييرها من الداخل، وهو ما مكن القوى الإسلامية من تفعيل أدوارها السياسية والاجتماعية. وسرد مقتدر في آخر كتابه ما أسماه ثمن عملية الإدماج، والتي حددها في العديد من النقاط، ولعل أبرزها كالتالي:
- إضعاف الهوية الإيديولوجية للحزب الإسلامي، فإلى جانب منافسته للملكية في شرعيتها السياسية الدينية، فقد اتهم من بعض القوى السياسية اليسارية بتوظيف الدين في السياسة، فتوافقت استراتيجية السلطة مع مصالح بعض القوى اليسارية، وهو ما جسدته مرحلة تفجيرات 16 مايو 2003. - تخلي التيار الإسلامي الإصلاحي عن أطروحة إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة وإقامة الحدود، وبلورته في المقابل لرؤية تعتبر الدولة الإسلامية قائمة في المغرب في ظل إمارة المؤمنين، والتركيز بدل ذلك على قضايا الأسلمة والتخليق والهوية وغيرها.
- بدأ الخطاب السياسي الديني للإسلاميين المشاركين يفقد بعضا من جاذبيته وقدرته على الحشد والتعبئة، باحتكامه لقواعد اللعبة السياسية، فمنطق العمل السياسي والقيام بالمعارضة المؤسساتية من داخل النظام تختلف عن الاضطلاع بالمعارضة السياسية الاحتجاجية غير المقيدة بأي ضوابط أو التزامات، فحسابات السياسة وتوازناتها في المجال البرلماني والحكومي، تستحضر التناقضات التي اعترت خطابات الإسلاميين بين منطق الدعوة وحسابات السياسة. معلومات عن الكتاب العنوان: الإدماج السياسي للقوى الإسلامية في المغرب المؤلف: رشيد مقتدر تاريخ النشر: نوفمبر 2010 الناشر: مركز الجزيرة للدراسات بالاشتراك مع الدار العربية للعلوم ناشرون