جمعتني في أحد اللقاءات الثقافية والاجتماعية، الصدفة مع صحفي جاء من أرض الكنانة، وكانت فرصة سانحة تجاذبنا خلالها الحديث عن بلدينا، كان دائما يضع مدينة القاهرة في بداية كل كلام، أشعر وأن به نوعا من الافتخار، طبعا كنت أضع مدينة الدار البيضاء ، وفي قرارة نفسي أنني سأتفوق عليه في كل شيء، بحكم موقعها على المحيط الأطلسي وقربها من أوروبا وعوامل اقتصادية، سياحية أخرى. إلا أنني ونحن نتبادل أطراف الحديث، شعرت وكأنني لم أجد بما أدافع به، فحين يؤكد أن المعالم التاريخية رغم بعدها التاريخي، فمازالت راسخة من كثرة العناية التي وفرتها لها الدولة، أيضا رجالاتها في مجالات متعددة... فإذا ما تطرقنا إلى الفن الغنائي والمسرحي والسينمائي نجده يؤكد أن روادهم ما زالوا يحظون بالعناية حتى بعد أن رحلوا عن الدنيا إلى الآخرة، محمد عبد الوهاب له «ضريح» خاص به، وأم كلثوم سيدة الطرب العربي هي الأخرى لها «ضريح» وعبد الحليم حافظ... والقائمة طويلة، بل أكثر من ذلك حتى الأماكن التي كانوا يتواجدون بها باستمرار حافظت السلطات المحلية بالمدينة على وجودها كالمقهى الشعبية الموجودة ب«خال الخليلي» مازالت تحمل نفس الطابع القديم وما زالت آلة العود التي كان يستعملها فريد الأطرش ملصقة بمكان بجدار المقهى، أما بالاسكندرية حيث عرج الحديث عليها، فمازالت قلعة صلاح الدين الأيوبي تحتفظ ببعض الأدوات التي كان يستعملها القائد العربي التاريخي الشهير صلاح الدين الأيوبي مثل الريشة التي يكتب بها موضوعة فوق مكتبه، بالإضافة إلى القرطاس! إنها ثقافة التراث عند المصريين القدماء والحاليين ، وهذا بالإضافة إلى المسارح ودور السينما والنوادي الثقافية والرياضية وهلم جرا، وكنت وأنا أستمع أتخيل تصاميم التهيئة للعمالات والمقاطعات لمدينتنا الدار البيضاء، كنت أستعد لأستعرض عليه معالم هذه المدينة المعروفة عندهم باسم «كازا بلانكا»، ثقافيا ، كنت مستحضرا أسماء روادنا الكبار الذين لمع بريقهم كتابة وتشخيصا ، فما كدت أنتهي من سرد بعض الأسماء : أحمد البيضاوي، الممثل أحمد القدميري ، محمد العلوي، المرحوم سعيد العفيفي، المخرج السينمائي عصفور... حتى استوقفني :أين «اتياطرو » (المسرح البدي) الذي برزت على خشبته هذه الأسماء وغيرها، فأجبته بحسرة: لقد كان عندنا مسرح جميل يسمى «المسرح البلدي» فحكمت عليه الأقدار بالهدم ونفذته جرافات المجموعة الحضرية سابقا، وأتلفت معالمه سواعد العمال المياومين حتى أصبح في خبر كان وحلت محله ما يسمى بحديقة عمومية لا تحمل من الأوصاف إلا الاسم، لا توجد معالم بأسماء هؤلاء الرواد ( في الفن والمسرح كتابة وتشخيصا ) تحفظ ذاكرتهم للأجيال المتعاقبة! بل لا نعرف حتى أين دفن أغلبهم! حتى دور السينما التي عرفت من حين لآخر زيارات لفنانين من المشرق ومن أوروبا ومن افريقيا ، انقرضت بشكل لافت كسينما فوكس، أبولو، سينما المغرب، ريجان وغيرها من القاعات الأخرى . بل حتى التي بقيت جمدت نشاطها وأصبحت كأطلال في انتظار قرار يبيح لبعض الجرافات حذفها نهائيا مثل سينما الأطلس، شهرزاد، الكواكب... وغيرها عبر تراب جهة الدار البيضاء. وكلما توقفت للبحث في الذاكرة عما «أفوح» به على الصحفي المصري، قطع حبل تفكيري مؤكدا لي أن كل من زار مدينتكم إلا وترشدونه إلى زيارة ثلاث نقط كمواقع صالحة للمشاهدة والزيارة وهي: الأحباس حيث يوجد القصر الملكي، ثم مسجد الحسن الثاني، وأخيرا شاطئ عين الذئاب ذو الطابع الأوروبي! فنعم إنها مواقع ، يضيف المحدث، وإن قل نظيرها في العالم، لكنها تبقى قليلة بالنسبة لمدينة في حجم الدار البيضاء. إلا أنه أكد على شيء مهم وهام في نفس الوقت ، من خلال سؤال نبش في ذاكرتي ، حيث قال: أين هي تلك «الدارالبيضاء» التي أصبحت مدينة بكاملها تحمل اسمها؟ بل أين كانت توجد؟. أهي قريبة من شاطئ البحر؟ أو في أحد مداخل الدار البيضاء؟ أم في مكان آخر؟. وحين حاولت البحث عن جواب لهذا السؤال المحير، تضاربت الآراء وكثرت الأساطير والحكايات ، إلا أن الحقيقة مازالت بعيدة إلى الآن. وأغرب ما في الأمر أن المواقع المشار إليها من طرف البعض الذي التجأنا إليهم، كانت متضاربة ومتباعدة ! وهوما يجعلنا نطرح السؤال التالي : أين هي ذاكرة الدارالبيضاء؟