اقتداءً بالخطوة التي أقدم عليها كل من الأمريكي لانس أرمسترونغ والدانماركي ميكايل راسموسن ، من خلال اعترافهما بعد صمت دام سنوات بكون مساريْهما «المتألق» على مستوى رياضة سباق الدراجات، بُنيا على «الغش» المتجسد في تناول المنشطات المحظورة، قررالحاج(*)، بعد طول تفكير، البوح بأسرار شكلت العمود الفقري لما يربو عن أربعة عقود من التواجد في «الواجهة» المحلية. خطوة مبعثها استفاقة متأخرة للضمير؟! ربما، المهم أنه أراد أن يخفف عنه من وطأة إحساس غريب يطارده، وكثيرا ما جعل النوم يفارق جفْنيه. الحاج(*)، هذا، مستشار محلي في إحدى الجماعات، لم تستطع الاستحقاقات الانتخابية المتوالية زعزعته من مقعده، الأمر الذي خوّله صفة «شاهد» على متغيرات جسام بامتياز. الأخبار المتداولة، مؤخرا، بشأن حملات هدم البنايات العشوائية ومحو آخر برّاكة بكل من كاريانات «باشكو» و«السكويلة» ، كان لها الوقع الكبير في نفسه وجعلته يتساءل بهمْسٍ: « واشْ بصّح هَاذ المرة غايقْضِوْ عْلى البْرارْك؟». سؤال مردّه إلى أن الحاج(*) لم يخبره أحد بأن«المسألة جِدٌّ في جِدّ» ولن تكون مجرد «لفْتةِ جَرّافة» يخبو صوتها بانطفاء «الكاميرا» الرسمية. بما أن زمن المزاح قد ولّى، فلا مناص من إفراغ «المزِيوْدة»، ولو في سياق مصارحة الإبن، المتطلع إلى خلافة الوالد في المقعد الجماعي. يقول الحاج(*): «استمرار البناء العشوائي، ومن ثَمَّ تشكيل تجمعات الصفيح، مرتبط أساسا بعيّنة من الناس شيّدت «تاريخها» المحلي على استغلال بؤس الوافدين من القرى القريبة من العاصمة الاقتصادية، واعتبارهم خزّانا انتخابيا لا ينفد، بالنظر للنمو الديمغرافي السريع وسط هذه الفئات الاجتماعية المقهورة ، فعلاقتي مع هؤلاء، وطيلة عقود، انبنت على ضمان عدم مساءلتهم من قبل السلطات المعنية بشأن إضافة بيْتٍ أو فتح بابٍ خلفي أو إقامة محل خارجي لإيواء العربة المجرورة بحِمارها، أو ما شابه ذلك، مقابل التصويت الدائم، بل والمتوارث، لصالحي . وبعد ذلك جاءت فترة التعامل مع طبقة اجتماعية، لا علاقة لها بالفقر والعوز، ترغب في استغلال مساحات من الأراضي الفلاحية في أنشطة صناعية تُسيَّج بأسوار عالية بعيدا عن أعين القانون، فكان دوري حيويا في انتشارالمستودعات العشوائية التي كانت معها الفائدة متبادلة». اعترافات الحاج(*)، غير المسبوقة، جعلت الإبن يستفسر: هل تعتقد أن القوانين المشددة الصادرة، مؤخرا، بإمكانها القضاء على ظاهرة العشوائيات في شتى تجلياتها؟ «إن ما أود التأكيد عليه، هو أن الجرّافات بمقدورها محو البرّاكة أو البناية العشوائية من الوجود في رمشة عين، لكن الأخطر هو «العقلية العشوائية» للعديد من المستشارين، الذين هُم مِن طينتي ، فهؤلاء لا تهمهم تنمية و لا برامج محاربة الفقر والهشاشة... ولا الحفاظ على جمالية الفضاء العام أو الصحة العامة... فتراهم يُرخِّصون للجزار لكي يجاور «السِّكليس»، والمحلبة ليعانق «باشْها» ذاك المعلّق على مدخل «الطولوري».... فأية جرّافة، ياترى، بمُستطاعها الإسهام في تخليص «المشهد المحلي» من مثل هذه الكائنات التي ترتدي لكل استحقاق لبُوسا ، وتختفي مع هبوب كل «عاصفة لإعمال القانون» ، قبل أن تظهر ب«إنجازٍ» عشوائي» آخر؟». () ملحوظة : «صحوة الضمير» المتحدث عنها أعلاه، تبقى حبيسة حُلمٍ، في انتظار ترجمته يوما ما على أرض الواقع، يستفيق فيه المتتبع للشأن المحلي البيضاوي على خبر مفاده تحقيق مُنجزِ «مدينة بدون مستشارين عشوائيين» على إيقاع عُنوان «مدن بدون صفيح».