احتضنت قاعة محمد المانوني بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يوم : 16 / 1 / 20013 الاجتماع التأسيسي ل «فضاء أو منتدى البحث (الباحثين) في الفلسفة الإسلامية» وذلك بمشاركة مجموعة من الباحثين المنتمين لعدة جامعات ومؤسسات تعليمية بالمغرب. وقد ألقى الأستاذ محمد المصباحي، كعضو للجنة التحضيرية، كلمة في هذا اللقاء المفتوح، شكر في بدايتها الحاضرين وكذا السيد عميد الكلية عبد الرحيم بنحادة على تفضله برعاية هذا اللقاء وباحتضانه للمجلة التي يعتزم هذا اللقاء تأسيسها، مع اعتذاره باسم اللجنة المنظمة عن عدم بعث ورقة تقديمية، نظرا لما يمكن أن توحي به من توجيه مسبق لهذا اللقاء . وبعد ذلك قدم الأستاذ محمد المصباحي بعض الأفكار كأرضية للنقاش، أشار فيها لما يراه كأغراض تحكم هذا اللقاء المفتوح، وكذا لطبيعة الجمعية المراد تأسيسها فيه. وهكذا فحسب الأستاذ المصباحي، فإن هذا اللقاء يستهدف تجديد التعارف والتعرف على طبيعة اهتمامات كل باحث، وتبادل الخبرات في مجال طرق ومناهج البحث والكتابة العلمية، وخلق فضاء للحث على مزيد من البحث والكتابة أو الاستمرار في الكتابة . إنه لقاء يروم الدفاع عن هذه القلعة الفكرية في حضارتنا التي هي الفلسفة العربية الإسلامية، ومواجهة تلك الصورة المشوهة والمغرضة عن هذه الفلسفة في الأوساط الثقافية، وحتى في بعض الأوساط الأكاديمية بوصفها فلسفة ميتافيزيقية تجاوزها الزمن ولا تستطيع أن تسعفنا في أي شيء في ممارستنا الفلسفية والحياتية اليوم؛ إما لأن أساسها العلمي تم تجاوزه بكيفية نهائية، أو لأن مقدمات ومقاربات فلاسفتنا القدماء لم تعد صالحة. وقد يضرب هؤلاء مثلا بالكيفية التي كان يعالج بها الفارابي أو ابن رشد أو ابن سينا أو الرازي أو ابن طفيل مسائل السياسة والأخلاق والنفس، فهذه الكيفية لم تعد صالحة بمقدماتها ومناهجها لأن تلهمنا في تحليل نفس المسائل اليوم. إلا أننا وإن كنا نقر بصواب مثل هذا الحكم في مجمله، فإنه لن يكون أبدا مدعاة للكف عن الاستمرار في تعميق أبحاثنا في الأعمال الخالدة لفلاسفتنا الكبار المسلمين، لا فقط لأنه يمكن أن نعثر في ثناياها على أفكار ومفاهيم وعبارات عظيمة يمكنها أن تسعفنا لمعالجة كثير من القضايا الراهنة، ولكن أيضا لأننا نعتقد أنه لا يمكن أن تقوم نهضة فلسفية حداثية لدينا دون أن تكون مستندة إلى تراثنا الفلسفي. لذلك فإن الواجب العلمي والفلسفي يفرض علينا، حسب الأستاذ المصباحي، أن نبحث عن العوائق والسلبيات بقدر ما نبحث عن الإيجابيات. لقد كانت الفلسفة الإسلامية علامة مشرقة على قدرة الحضارة العربية الإسلامية على إنجاز حوار مع الحضارة اليونانية، وعلى قدرة اللغة العربية على التعبير بكفاءة على مفاهيم وأفكار في غاية التجريد والغنى الدلالي. هذا بالإضافة إلى أن هذه الفلسفة غنية بمفاهيمها وأفكارها وتقابلاتها، فهي تجمع بين البرهان والتمثيل، بين الحقيقة والصورة، بين الماهية والوجود، بين الحكمة والشريعة، كما أنها تجمع بين النظر في قضايا الإنسان الأخلاقية والسياسية والمعرفية واللغوية، وقضايا الوجود والوحدة، أحيانا بأسلوب برهاني وأحيانا أخرى بأسلوب مجازي قصصي. وهي فلسفة تُغطّى معظم أبواب النظر البشري ابتداء من الموسيقى والشعر وانتهاء بالنظر في الرؤيا والنبوة مرورا بالعناوين الكبري لنظريات الوجود والمعرفة والأخلاق والسياسة الخ. وهي بهذا الشمول والاتساع تكون قادرة على مدّنا بأدوات نافعة لبلورة فلسفة حية. فهذا اللقاء، يقول الأستاذ المصباحي، يفرض علينا كباحثين التفكير والعمل من أجل تحقيق قفزة نوعية في البحث العلمي في هذه الفلسفة: فقد مر البحث والكتابة بحقب مختلفة وغنية تمثل تطور ذاتنا الفكرية والتاريخية، حيث يمكن أن نميز المرحلة الاستشراقية، والمرحلة النهضوية، والمرحلة الإيديولوجية وما صاحبها من مناهج فيلولوجية وابيستيمولوجية وايديولوجية وتأويلية وماركسية الخ. وكان القاسم المشترك بين هذه الرؤى إما إثبات أصالة الفلاسفة المسلمين أو نفيها، أو إثبات أو نفي قدرتنا على ممارسة العقل والعقلانية وقابليتنا للانفتاح على مغامرة الحداثة. وينبغي الاعتراف بأن إثبات جدارة العقل الإسلامي والعربي وقدرته على التفلسف لم يكن أمرا سهلا أمام حملة التشكيك الهائلة التي مارسها بمهارة وكفاءة بعض المستشرقين المغرضين. كانت البرهنة على أن الفلسفة الإسلامية لحظة أساسية في الفكر البشري رهانا شريفا من الدرجة الأولى في زمن الرعيل الاول من الباحثين. إننا نود من اجتماعنا هذا، يقول الأستاذ المصباحي، أن يكون مناسبة للتداول في شأن تحقيق نقلة نوعية في البحث العلمي من البحث عن الأصالة والعقلانية، إلى البحث عن المعرفة العلمية النقدية، أي ممارسة الأصالة والعقلانية عمليا، لا الاكتفاء بإثباتها نظريا. أي أن الأمر هو في تغيير الأولويات. فالمطلوب منا أولا ليس أن نُكيّف دراساتنا للفلسفة الإسلامية بمعاداة الغرب والغربيين، أو بإثبات أصالتنا وعقلانيتنا، لأن مآل مثل هذه النظرة النهضوية أو الإيديولوجية لتاريخ الفلسفة ترسيخ أقدام العدمية الأصولية، وإنما المطلوب منا أن تكون أبحاثنا حائزة على قدر كبير من الابتكار والموضوعية والحياد والقدرة على فتح حوار ندّي مع علماء الغرب والشرق. فالبحث في الفلسفة الإسلامية هو من المجالات التي يمكن أن نمارس فيها التنافس المتكافئ مع الغرب. حان الوقت أن نتعامل مع المستشرقين أو المستعربين كشركاء لا كاعداء؛ والشراكة تتطلب منا المنافسة معهم لا إبداء العداء لهم. ولا شك أن الملتئمين في هذا اللقاء يعرفون أن البحث في الفلسفة الإسلامية، وما يتصل بها من العلوم الإسلامية كعلم الكلام، علم أصول الفقه، والتصوف الخ.، يكاد يكون بكرا؛ فالمجهول منه، على مستوى المخطوطات والدراسات، أكبر بما لا يقاس بما تم تحقيقه أو جرت دراسته. إذا أخذنا فقط أعمال مفكر غامض كأبي حامد الغزالي أو ابن خلدون، فإننا سنفاجأ أن جل المفاهيم والإشكالات التي تكتظ بها أعمالهما لم تنل حظها من الدرس. فالكل يتكلم عن الغزالي وابن خلدون وابن رشد، ولا توجد مجلة واحدة متخصصة في البحث في تفكيرهما، وحتى إذا وجدناها، كما هو الحال بالنسبة لابن عربي، فإننا سنجدها في أكسفورد بإنجلترا. الحاجة ماسة إذن إلى مزيد من التحقيق ومن الدراسات في مجال الفلسفة الإسلامية، والدليل على ذلك أن الغرب ما زال يولي أهمية كبيرة لها فيخصص لها العديد من المجلات العلمية، في حين يفتقر خاصة العالم العربي أو يكاد ، إلى مثل هذه المجلات وهذه الرعاية، بل إننا ما زلنا نحرق المكتبات ونهدم المعالم الدينية باسم الدين. ولا يمكن مواجهة هذا الفراغ إلا بالرجوع الى النصوص تحليلا وتفكيكا وتواصلا، لإثبات أنه لا يمكن إحياء القدرة على التفلسف دون الاستناد إلى ذخائر تراثنا الفلسفي. هكذا سيكون على عاتق الباحثين في الفلسفة الإسلامية واجبان: واجب البحث العلمي الذي يندرج تحت إطار تاريخ الفلسفة، وواجب التفلسف أو التوطئة له والذي يندرج تحت إطار الفلسفة. فمن شأن هذا العمل المزدوج أن يُحيي ذلك التقليد الفلسفي الجميل، الذي أشرق في حضارتنا وانطفأ بسرعة نتيجة للحرب الضروس التي خاضها الأصوليون القدماء ضد كل من يستعمل عقله لكي يفكر تفكيرا حرا وضد كل من يريد أن يخرج عن التقليد نحو الإبداع. ومعنى ما سبق أنه بإمكان البحث العلمي في الفلسفة الإسلامية أن يسهم في بث الثقة في ذاتنا لكي تقوم بواجب المنافسة والتحدي والبناء، لاسيما إذا ركزنا على الجانب الفلسفي، أي تقديم إسهامات تراثنا الفلسفي في مجال تطوير تاريخ الفكر الفلسفي والعلمي والكلامي والصوفي العالمي. فالطريق إلى إعادة بناء الذات هو إعادة بناء معرفتنا العلمية بتراثنا والتي تبدأ من العناية بقاموسها الفلسفي الغني للتعبير عن معاني ودلالات فلسفية قد تغذي مفاهيم الفلسفة المعاصرة. وبهذا نستطيع استرداد القوة على التفلسف وترسيخها. وحتى لا تبقى أعمالنا طي الإهمال من لدن المجتمع العلمي العالمي، سيكون علينا أن ننشئ معه شراكات من أجل البحث والتحقيق، لأنهم يهتمون بتراثنا أكثر مما نهتم به. وفي الأخير أشار الأستاذ محمد المصباحي إلى أن تحقيق كل هذه الأهداف النبيلة، يقتضي توفر فضاء عام للحوار والتنافس على الجودة في البحث، إنه فضاء الجمعية الذي سيكون فضاءً للتداول والحوار المباشرين، وفضاء المجلة الذي يكون فيه الحوار كتابة. والغاية من إنشاء مجلة هي أن تكون أداةً لحث الباحثين على البحث والكتابة بمقاييس ومواصفات عالمية، كيما تكون قابلة للقراءة والتداول من لدن القارئ العالمي المتعطش أكثر منا لقراءة ما نكتب. ونطمح أن تكون لهذه المجلة فائدة بيداغوجية بالإضافة إلى فائدتها العلمية، وهي تقديم مواد معرفية ومنهجية ورؤيوية جديدة يستعين بها المدرس في تحضير مادته المعرفية، سواء تعلق الأمر بفلاسفة، أو مفاهيم، أو قضايا، أو تيارات أو علاقات الفلسفة بأخواتها كعلم الكلام والتصوف، أو تعلق الأمر بمراجعة آخر الكتب المنشورة ومتابعة قوائم الإصدارات المتصلة بالفلسفة الإسلامية. وهذا الجانب النقدي له أهمية كبيرة للغاية. هذا، وقد شكلت كلمة الأستاذ المصباحي هاته أرضية خصبة لنقاش عميق، عبر فيه الحاضرون عن آمالهم العريضة على هذا المولود الجديد، آمال تمت ترجمتها أولا باختيار أعضاء مكتب الجمعية التسعة، والذين كلفوا بتوزيع مهامهم، واختيار اسم الجمعية ، والمجلة، وكذا صياغة القانونين : الأساسي والداخلي للجمعية، وتسطير برنامج مقترح لأنشطة الجمعية، هذا مع الاتفاق على تنظيم ندوة مستقبلا، سيتم على هامشها التصويت على هذين القانونين، كما تمت ترجمة هذه الآمال في إصداربيان أعطي له كعنوان : البيان التأسيسي لمنتدى الباحثين في الفلسفة الإسلامية نحن الباحثين المجتمعين في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط يوم السبت 15 / 02 / 2013 نعلن تأسيس «فضاء الباحثين في الفلسفة الإسلامية» لغاية تعبئة كل الطاقات والكفاءات في مجالات العلوم الفلسفية والطبيعية، وعلم كلام، والتصوف وعلم أصول الفقه الخ. للإسهام في تقدم البحث العلمي في هذه المجالات والعمل على توفير الأدوات والوسائل القادرة على نشر ثمار البحوث التي يقوم بها أعضاء المنتدى. وقد نبعت فكرة إنشاء هذا الفضاء من الشعور بأن الفلسفة الإسلامية بمعناها العام صارت شيئا فشيئا تمثل بعدا هاما في تكوين ذاتنا وكياننا الثقافي، مما يفرض علينا تضافر الجهود لتجديد النظر فيها، وتقديم معرفة جديدة بشأنها، وإبراز أهمية إسهامها في تاريخنا وتاريخ العالم العلمي والفكري والثقافي. وبالإضافة إلى ذلك، نريد أن يكون هذا المجَمْع العلمي أداة لإحداث منعطف في الدراسات المتصلة بالفلسفة العربية الإسلامية بفضله يتم تجاوز أهداف الأجيال السابقة من الباحثين التي كانت تروم الرد على المستشرقين، وإثبات مكامن أصالة الفلسفة الإسلامية، أو إثبات وجود مظاهر قوية للعقلانية وبذور متنوعة للحداثة سارية في تراثنا. فبدلا من هذه الغايات الإيديولوجية والنهضوية، يكون من المناسب التركيز أساسا على الجانب المعرفي عن طريق العودة إلى النصوص تحقيقاً ودراسةً بقواعد البحث العلمي المتعارف عليها دوليا.