فرق كبير بين السنة الجارية ونظيرتها الماضية على المستوى الأوروبي، فقبل عام خيم على المنتدى الاقتصادي العالم ب «دافوس» جو من التشاؤم تخللته اجتماعات سرية محمومة لإنقاذ »اليورو« وصاحبته استطلاعات للرأي حول ما إذا كانت منطقة »اليورو« ماضية إلى التفكك بعد خروج اليونان، لكن بعد اثني عشر شهراً أصبح بقاء «اليورو» على قد الحياة أمراً مسلماً به من قبل صناع القرار وقادة الشركات والمسؤولين الحكوميين الذين يشاركون في اجتماعات المنتدى للسنة الجارية، بل إن المسؤول الاقتصادي الأول في الاتحاد الأوروبي وجد من الوقت ما يكفي لممارسة رياضة التزلج على الجليد في المنطقة الجبلية لدافوس، حيث قال المفوض الاقتصادي الأوروبي، «أولي رين»، »ما زلت أذكر السنة الماضية في عام 2012 عندما كان دافوس مليئاً بالمخاوف وانعدام اليقين بشأن مستقبل اليورو، ففي السنة المنصرمة كان المزاج المهيمن على الاجتماع حاداً، أما السنة الحالية، فنحن نشهد انتقالًا من محاولات فرض الاستقرار على منطقة اليورو إلى مرحلة التعافي، وهذا يعني أني أستطيع أخذ قسط من الراحة وممارسة رياضة التزلج«. ولعله من المتغيرات التي تثير انتباه الملاحظ خلال الاجتماع السنوي لهذا العام بدافوس الذي يضم رجال الأعمال والمتخصصين في الخدمات المالية والمسؤولين الحكوميين لم يتطرقوا كثيراً في أحاديثهم إلى منطقة «اليورو»، كما أن المتشائمين الاعتياديين الذين كانوا يحذرون من العواقب الوخيمة، ويشيعون أجواء من التشاؤم، التزموا في هذه السنة الصمت، أو على الأقل خفت أصواتهم. وبدلا من الحديث عن «اليورو»، ركز الحضور في مناقشاتهم على ما إذا كانت بريطانيا ستظل عضواً في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة، وذلك بعد خطاب كاميرون الذي تعهد فيه بتنظيم استفتاء على بقاء بريطانيا من عدمه في غضون السنوات الخمس المقبلة داخل الاتحاد. وهكذا استبدل المتحدثون مخاوف خروج اليونان من «اليورو» بأخرى تتعلق بخروج بريطانيا. ومع أن »كاميرون« حظي باستقبال جيد في دافوس خلال هذا العام عندما تحدث كرئيس لمجموعة الدول الثماني الصناعية، مدافعاً عن اتفاقيات التجارة الحرة وفتح الأسواق وترسيخ المنافسة والقضاء على التهرب الضريبي، إلا أن تعليقاته حول الاتحاد الأوروبي كانت مثيرة للانقسام، حيث قال »إن محاولة دفع الدول الأوروبية إلى اتحاد سياسي مركزي سيكون خطأ كبيراً بالنسبة لأوروبا، ولن تكون بريطانيا جزءاً منه«. هذا الانقسام في الآراء تجاه مواقف بريطانيا، هو ما أثار إعجاب الحضور بسؤال مراسلة هيئة الإذاعة البريطانية لكاميرون، ودفعهم للتصفيق عليها حول ما إذا كان الحديث عن الاستفتاء واحتمال خروج بريطانيا من الاتحاد سيؤثر على المستثمرين خلال السنوات الخمس المقبلة. أما رئيس الوزراء الهولندي «مارك روتي»، وهو أحد حلفاء كاميرون في الدفاع عن المزيد من التحرير الاقتصادي داخل الاتحاد الأوروبي، فقد أكد أن خروج بريطانيا من الاتحاد سيكون كارثة، مستبعداً في الوقت نفسه حصول ذلك، هذا التركيز الحالي على بريطانيا يختلف عما جرى في دورة السنة الماضية لاجتماعات «دافوس» عندما كانت أنظار النخبة الاقتصادية مشدودة إلى كل كلمة تنطق بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حيث قاومت بشدة الضغوط الأوروبية لرفع قيمة صندوق الإنقاذ الأوروبي لمساعدة الدول المتأزمة. وكان موقف المستشارة الألمانية وقتها أنه لا بد من إعادة الثقة في الإجراءات الحكومية، لكن في النهاية قبلت ألمانيا الزيادة في تمويل صندوق الإنقاذ ومساعدة البنوك الإسبانية المتعثرة، غير أن نقطة التحول الأساسية جاءت من رئيس البنك الأوروبي المركزي، «ماريو دراغي»، الذي صرح في شهر يونيو الماضي أنه مستعد للقيام بكل شيء للحفاظ على «اليورو»، لتتبعها خطوة أخرى مهمة على الصعيد الأوروبي عندما اتخذت برلين قراراً، بعد شهور من التردد، يقضي بالحفاظ على اليونان داخل منطقة »اليورو« من خلال توجيه المزيد من الدعم المالي، قد يصل ربما إلى حد إلغاء الديون اليونانية المستحقة للحكومات الأوروبية، هذا التطور نتج عنه عودة ثقة المستثمرين في السندات الإسبانية والإيطالية، التي تراجعت نسبة فائدتها إلى مستويات ما قبل اندلاع الأزمة المالية. وقد أقر «دراغي» في اللقاء أن هناك »نوعاً من العدوى الإيجابية في الأسواق المالية، وإنْ كان ذلك لم ينتقل بعد إلى الاقتصاد الحقيقي«. ومع ذلك قاوم »دراغي« فكرة التخفيف من السياسات التقشفية المسؤولة عن الركود الذي تعرفه الاقتصادات الأوروبية، وكانت كل من إسبانيا وإيطاليا تبنيتا إجراءات تقشفية صارمة شملت خفض الموازنات العامة وإدخال إصلاحات على نظام المعاشات وسوق العمل، فيما التزمت إيرلندا والبرتغال ببرامج الهيكلة التي أوصى بها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ومن المحتمل أن يعود البلدان إلى الأسواق المالية للحصول على قروض إضافية، هذا وتستعد مجموعة من البنوك الأوروبية الإعلان يوم الجمعة المقبل عن سدادها لما قيمته 649 مليار دولار من الديون، التي اقترُضت بشروط ميسرة من البنك المركزي الأوروبي في شهر ديسمبر الماضي، وذلك لتفادي نقص التمويل. وفي سياق التعافي الأوروبي، قال «كلاوس ريجلينج»، رئيس صندوق الإنقاذ الأوروبي، لوكالة «رويترز» إن المستثمرين الأجانب عادوا إلى شراء ديون دول أوروبا الجنوبية وعلى رأسهم الصين وباقي المشترين الآسيويين تعقبهم الصناديق السيادية للشرق الأوسط وبعض المؤسسات الأميركية. وفيما كانت إسبانيا قبل أشهر قليلة فقط على حافة طلب مساعدة سيادية من البنك المركزي الأوروبي من خلال شراء سنداتها، يقول «ريجلينج» إنه يستبعد هذه الخطوة الآن، لتظل قبرص المرتبطة مالياً باليونان البلد الوحيد في منطقة «اليورو»، الذي تقدم بطلب الإنقاذ من مؤسسات الاتحاد الأوروبي.