كان للانقلاب الساداتي على المبادئ الناصرية آثاره الملموسة التي وصفها البعض بالإيجاب ووصفها البعض الآخر بالسلب? . أما ادعاء السادات الديموقراطية فقد ظل مرتبطا بتخليه عن نظام الحزب الواحد. الأمر الذي كان منطقيا بعد التحالف مع تيار الإسلام السياسي والسماح له بالعمل العلني الذي ترتب عليه إحياء صحافتهم التي ظلت محظورة طوال الحقبة الناصرية, وذلك في موازاة المنابر الثلاثة التي تحولت إلى أحزاب, إعلانا بقيام تعددية حزبية. ولكن هذه التعددية كانت ظاهرة شكلية لا وجود فاعلا لها على مستوى واقع الدولة التسلطية التي يرأسها رئيس حريص على جمع كل الخيوط في يديه, في مدى بقائه المطلق في الحكم. ولكن شهر عسل التحالف مع التيار الإسلامي هو الذي أنتج صفة الرئيس المؤمن ودولة العلم والإيمان التي يتم التضحية فيها بالعلم أو نسيانه للإبقاء على الإيمان. وهو الأمر الذي استدعى زيادة المادة الثانية من دستور1971 لتصبح: الإسلام دين الدولة, واللغة العربية لغتها الرسمية, ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع. ولكن سرعان ما جاء الاعتراض على صيغة التنكير مصدر التي سرعان ما استبدل بها اللفظ معرفا, وأصبحت المادة.. ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع. وكان ذلك كله لإرضاء الحلفاء الجدد الذين جاؤوا لإزاحة فلول الناصرية واليسار الذين لم يكفوا عن مقاومة محاولات تديين الدولة التي ترتب عليها بداية الاحتقان الطائفي, خصوصا بعد أن أصبح التيار الإسلامي تيارات, واستعان بإسلام النفط الوهابي الذي تصاعد حضوره في مصر, منذ أن أعلن شيخ مقرب من الدولة أنه سجد لله شكرا عندما هزمنا سنة1967 كي يبقي الإسلام في مصر, وترتفع راياته خفاقة, وهو الأمر الذي حدث مع حرب أكتوبر1973, حين حاربت الملائكة مع الجنود الذين حققوا النصر العظيم; لأنهم كانوا جند الإسلام. واختفي الحديث عن التخطيط الدقيق والإعداد العلمي السليم والعمل الشاق الذي استكمل خطة التحرير التي تركها عبد الناصر كاملة أو شبه كاملة, تنتظر مجرد الأمر ببدء التنفيذ الذي كان على السادات أن يصدره فور توليه. لكنه تباطأ, فاندفعت جموع الطلاب إلي التظاهر في ميدان التحرير, واعتصموا حول النصب التذكاري الذي أطلق عليه أمل دنقل اسم الكعكة الحجرية في قصيدته التي كانت نبوءة بما حدث في الميدان نفسه, وفي مكان النصب الذي أزيل, ولكن إزالته لم تمنع بقاءه في ذاكرة الذين ملأوا الميدان في الخامس والعشرين من يناير العظيم الذي عشناه. ونتيجة للثورة الطلابية سنة1972, قام السادات بإصدار أمر التحرير في أكتوبر1973, ولكن محاولة التقرب من الولاياتالمتحدة التي كان صداقها طرد الخبراء الروس في الجيش المصري في عام1972, وبعدها جاءت الملحمة العظيمة التي أثبت فيها المقاتل المصري وجوده, وثأر من الهزيمة التي ألحقت به دون ذنب منه. ولكن الإدارة السياسية لانتصارات حرب أكتوبر1973 جاءت بما أحبط المشاعر القومية, إذ تصاعدت نغمة أن أمريكا تملك كل أوراق اللعب في الشرق الأوسط, ومن الحكمة استبدال أمريكا بروسيا. وكانت النتيجة خريطة السلام التي وضعها الثعلب الأمريكي كسينجر, الذي انتهي بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر.1978 كان ذلك في سياق مليء بالأحداث التي فجرها الغضب الشعبي بسبب سياسات الانفتاح التي زادت الفقراء فقرا والأغنياء غنى, فكانت ثورة الخبز سنة1977 التي وصفها السادات بأنها انتفاضة الحرامية, ورغم إلغاء قرارات رفع الأسعار, فإن التوتر الاجتماعي لم ينته بسبب سياسة الانفتاح الذي وصفه المرحوم أحمد بهاء الدين بأنه سداح مداح. وفي المقابل, كنا نسمع عن الاقتصاد الإسلامي, والبنوك الإسلامية, وهي البديل الشرعي للبنوك الربوية الغربية الكافرة. وكان إنشاء بنك فيصل الإسلامي بداية عملية لأسلمة الاقتصاد بوجه خاص. ولذلك قيل إنه أول بنك تجاري مصري إسلامي, افتتح أبوابه للعمل رسميا, في الخامس من يوليو.1979 وكان ذلك بعد خمس سنوات من الإعداد لإنشاء مصرف في مصر يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية, ويكون نموذجا يحتذي به في أنحاء العالم. ولذلك قام صاحب السمو الملكي محمد الفيصل بن عبد العزيز آل سعود بعرض الفكرة على كثير من الشخصيات والمسؤولين المصريين, حيث حظيت الفكرة بالقبول, وتمت الموافقة على تأسيس البنك بالقانون رقم48 لسنة1977 الذي أقره مجلس الشعب في تاريخه. والحق أن إنشاء هذا البنك وموافقة مجلس الشعب عليه كان تطبيقا عمليا للمادة الثانية- بعد تعديلها- في دستور1971, حيث أصبح الإطار المرجعي لكل شيء في الدولة هو الاحتكام إلى مبادئ الشريعة الإسلامية التي أصبحت المبالغة في الحديث عنها والاستناد إليها نوعا من التديين الذي يحشر الدين ونصوصه في كل مجال, وحسب تأويلات متعصبة في الغالب. بقدر ما أدى ذلك, ضمنا, إلى نسيان شعار الدين لله والوطن للجميع فإن الممارسة التي غلب عليها تجاهل كل ما يترتب علي مبدأ المواطنة قد أدت شيئا فشيئا إلى تصاعد ثقافة التمييز من المنظور الديني الذي استبدل بمبدأ المواطنة في حالات كثيرة, وكان لابد أن يترتب على ذلك احتقان طائفي تتفاوت الدرجات, لم تره مصر منذ ثورة.1919 وكان ذلك في سياق التحالف المصري السعودي مع أمريكا لطرد الاتحاد السوفيتي من أفغانستان ودعم تنظيم القاعدة الذي أنشأه أسامة بن لادن وهو السياق الذي تعددت فيه الجماعات الإسلامية المتفرعة من الإخوان المسلمين. وهي الجماعات التي كانت عاملا من عوامل ازدياد الاحتقان الطائفي الذي انقلب إلى فتنة. وكانت البداية- في تقدير البعض أحداث الخانكة سنة1972 في السياق الذي أدى إلى أحداث الزاوية الحمراء في يونيو1981 التي انتهت بقرارات السادات الهوجاء التي كان منها سجن الصفوة المثقفة للدولة, وذلك خلال تداعي الأحداث الدامية التي انتهت باغتيال السادات برصاصات خالد الإسلامبولي أحد أعضاء الجماعة الإسلامية التي تدخل ضمن تيار الإسلام السياسي الذي بدأ السادات حكمه بالتحالف معه. وكان ذلك في السادس من أكتوبر1981, وقد اعترف خالد الإسلامبولي بأسباب قتله للسادات, ومنها أنه مش بيحكم بشرع ربنا, وصدور فتوى من مشايخ السلف بتحل دمه وتبيح قتله, وأهم من ذلك زيارة السادات لإسرائيل وإبرامه معاهدة السلام التي كان القاتل يراها ردة وخيانة للقضية الفلسطينية والأرض المحتلة.