فنجان قهوة سوداء وسيجارة وكتاب وصمت وتفكير، ذاك هو القاص المبدع أنيس الرافعي، وتلك هي أدواته للإبداع . خلوة فكرية كل مساء بمقهى العلم بساحة السراغنة ذكرني بهدوئه وارتباطه بساحة السراغنة، ساحة المقاومة بالبيضاء، ساحة النضال من أجل الحرية. ذكرني بأديب العرائش محمد سيباري الذي ارتبطت حياته وكتاباته بساحة اسبانيول أنيس الرافعي مدمن على الكتابة، مدمن على القراءة حتى النخاع .اطلاعه الواسع على ثقافة الآخرين وخصوصا أدباء أمريكا اللاتينية جعلته يكون رصيدا معرفيا هاما عن الثقافات المختلفة وظفه في إبداعاته . كما أنه شغوف باقتناء الكتب إلى درجة لاتوصف كعشقه للكتابة. وقد عاينت هذا النهم الشره لاقتناء الكتب في المعرض الدولي للكتاب المقام أخيرا بالبيضاء. إذ كان أنيس يقتني كل كتاب تقع عليه عينه. من أدب وفلسفة وتاريخ وفكر. كما أن ميله أكثر إلى الروايات والقصص والدواوين الشعرية وكتب النقد الأدبي . كان ضمن الأولويات في أجندته . صدرت له أول مجموعة قصصية بعنوان : أشياء تمر دون تحدث فعلا. ثم تبعها سيل من الكتابات الأدبية أذكر منها : السيد ريباخا، البرشمان، علبة البندورا، وأخيرا وليس أخيرا ثقل الفراشة فوق سطح الجرس . أنيس اسم على مسمى ، لايتخلى عن رفاقه وأصحابه من حملة القلم ، ولا يتأخر عن إسداء النصح أو التوجيه أو النقد المشروع بإنسانيته الصادقة . وإذا غاب أحدهم عن الساحة أقام له تأبينا كما فعل مع المرحوم المختار ميمون الغرباني الذي قال عنه : (غاب أنس هذا الكبد الذي كان يمشي معنا ، واستفحلت وحشته) حتى أنه وصفه بالقديس قائلا : (هو الثائر القديس الذي يحمل نعشه على كتفه ). الجو ماطر هذا المساء، والسماء ملبدة بالغيوم، غير أن الحركة الدائبة في ساحة السراغنة لم تهدأ ولم تتوقف، حتى الباعة المتجولون (الفراشة) لم يثنهم هذا الطقس البارد عن الخروج لالتقاط قوتهم منها. وحتى أديبنا هو الآخر لم يضيع فرصة مشاهدة الأمطار وهي تتساقط تباعا على أكتاف أشجار الساحة وسطوح الحافلات التي تعبر شارع الفداء . وجدته في الموعد كعادته، في صمت ناطق رغم خرسية لسانه، لعله يفكر في إبداع جديد، وقصة جديدة مستوحاة من الساحة. كما قال تولستوي : إن الكاتب الجيد هو الذي يستطيع أن يكتب قصة كاملة من شجار عابر رآه في الشارع. وقد تنطبق هذه القولة على القاص أنيس الرافعي، فربما يستلهم في تأمله هذا بناء أفكار من هذه المقهى رغم ضوضائها أو من الشارع الطويل الذي تسبح فيه أفواج متلاطمة من البشر بمشاكلهم وحكاياتهم التي لاتنتهي . ذاك هو أنيس الرافعي.