ستلقي الفنانة المغربية الكبيرة ثريا جبران رسالة اليوم العربي للمسرح التي كتبتها بمناسبة اليوم العربي للمسرح، وهو التقليد الذي أطلقته الهيئة العربية للمسرح ليكون العاشر من يناير من كل عام، وذلك اعتباراً من عام 2008 . سبق الفنانة ثريا جبران خمسة من الفنانين العرب في القاء الرسالة فقد كان الدكتور يعقوب الشدراوي من لبنان أول من ألقاها عام ،2008 وتلاه الفنانة سميحة أيوب من مصر لعام ،2009 ومن ثم الكاتب التونسي عز الدين المدني عام ،2010 والرابعة كانت للفنان يوسف العاني من العراق للعام 2011 ، فيما كانت الخامسة للفنانة سعاد عبد الله من الكويت للعام 2012 . ونقرأ من الرسالة: «المسرح أولاً، إيمانٌ بقيم ومثل وفضائل قبل أن يكون نصاً لمؤلف، يخرجه مخرجٌ، ويلعبه ممثلون وممثلاتٌ، وتكمله اجتهادات التقنيين وعمال الخشبة . . المسرح كتيبةٌ كاملةٌ من الإرادات الخيرة التي تصنع الجمال وتنتج المعنى الجميل فتوفر للناس فرجةً جميلةً، في وقت جميل، في مكان جميل . المسرح شخوصٌ متخيلة يوفرها الواقع والكتابة، وقد تكون شخوصاً رئيسيةً أو ثانويةً أو مجرد ?كومبارس?، لكنها تحضر كلها بأجسادها وبأرواحها، بالكلام والصمت، بالحركة والإيماءة، لتوصل أفكاراً حيةً إلى أناس أحياء . المسرح علاقةٌ قائمةٌ على نوع من التعاقد (والتفاوض الدائم إن شئنا) بين الفنان والجمهور في إطار من التبادل الجميل . المسرح ليس تصفيقاً، وإنما هو تفاعل صدق مع صدق . وهذه مناسبة، لألتمس بألا تصفقوا كثيراً إن دعتكم مجاملات إلى التصفيق . وإن صفقتم ?ولابد? لا تصفقوا تصفيقاً خاطئاً . لكم أعجبني ما قاله الروائي الألماني غونتر غراس (نوبل للآداب، ،1999 الذي كتب كذلك بعض المسرحيات) : (التصفيق الخاطئ من الجهة اليمنى يغري التصفيق الخاطئ من الجهة اليسرى) المسرح إنصاتٌ وصمتٌ وتأملٌ وسكينة . فضاءٌ للأمل، وحتى حين ييأس المسرح يكون يأسه خلاقاً ومدهشاً وحياً، وليس عدمياً أو سلبياً . المسرح ثقافة واستثمار ثقافي، خيالٌ وتقنية وصناعة حضارية وإنسانية . المسرح هندسةٌ للأرواح الجديدة . المسرح مشهدٌ يجاور مشهداً، مشهدٌ يخاطب مشهداً، ومشهدٌ يكمل مشهداً، تماماً كما تجاور الكلمة كلمةً أخرى في القصيدة، والصورة صورةً أخرى في الفيلم السينمائي، والحركة حركةً أخرى في أية رقصة جميلة أو تعبير جسدي، والإيماءة إيماءةً أخرى في لحظة صمت . المسرح أبو الفنون، كائنٌ حيٌ ينتبه إلى التناقضات فيقولها، وإلى التوازنات فيضيؤها، وإلى الاعوجاجات فيعريها، وإلى الهزائم فيسميها . المسرح نفسه مهنة هزائم صغيرة، ومهنة انتصارات صغيرة أيضاً . وهو يأتي بالماضي إلى الحاضر، ويذهب بالحاضر إلى الماضي . إن الزمن كله له . نحن نمضي، ويبقى المسرح . دائماً، وسيتجه دائماً صوب المستقبل كاشفاً الطريق، راسماً الخطوة أمام الناس خدع سينمائية في المسرح يمكنها أن تمجد الحروب، وتضخم البطولات الكاذبة . على العكس، يعتني المسرح بمعطوبي الحروب، وبالمهزومين والمظلومين والمكلومين . ويعطي الصوت لمن لا صوت له، وينتصر للجنون الذي يقول الحكمة وينطق بالموعظة الحسنة . واليوم، في الزمن العربي الجديد، في ربيع الانتفاضات، نتذكر المسرح كما تذكر شبابنا الأغاني والأناشيد والرقص والتجمع والتظاهر والهتاف . وسيكون علينا أن نبدع مسرحاً عربياً جديداً يتجاوب مع الروح العربية الجديدة، على ألا يكون مسرحاً سريعاً وخطابياً وشعارياً . فلا مجال لمسرح المناسبات والمواسم . لقد كان مسرحنا العربي الحقيقي ثورياً قبل الثورات العربية الجديدة، ولا شك أنه كان مصدراً من مصادر وعيها، فسبق الثورة إلى فكرتها، وقد سمعت أحد أصدقائنا في حوار إذاعي (مع هيئة الإذاعة البريطانية) يؤكد بأن ?شباب الربيع العربي لم يخرج إلى الميادين والساحات من فراغ? . وأظن أن هذا صحيح، فقد خرج شبابنا من معاناته مثلما خرج من مسرح سعد الله ونوس، ومحمد الماغوط، وروجيه عساف، والطيب الصديقي، ويوسف العاني، وقاسم محمد، وفاضل الجعايبي، وشريف زياني عياد، ومحمد بن كطاف، وسميحة أيوب، ونضال الأشقر، وجليلة بكار، وسونيا، وسعد أردش، وألفريد فرج، وجواد الأسدي، وغيرهم من كبار المسرح العربي، كما من روايات نجيب محفوظ، وقصص يوسف إدريس، وشعر أبي القاسم الشابي، ومحمود درويش، وأحمد فؤاد نجم، وأمل دنقل، ومظفر النواب، ومن الشعر الشفوي، ومن أغاني أم كلثوم، والأخوين الرحباني، والسيدة فيروز، والشيخ إمام، ومارسيل خليفة، وناس الغيوان، وكذا من السينما والدراما التلفزيونية العربية الجديدة، ومن عقول المفكرين الأحرار والفاعلين الشرفاء الذين مارسوا التفكير بأخلاق والسياسة بنقاء وجرأة، وبثقة في التاريخ وفي إرادة الجماهير .