بفضاء الموسيقى بالمكتبة الوسائطية التابعة لمسجد الحسن الثاني جرى مساء الجمعة الماضي تكريم الفنانة ووزيرة الثقافة الأسبق ثريا جبران. الحفل الاحتفائي، الذي اختلط فيه الحزن على رحيل الناقد السينمائي محمد سكري والفرح بتكريم ثريا جبران، غاب عنه عبد الواحد عوزري زوج المحتفى بها فيما حضره ثلة من الفنانين والإعلاميين والأصدقاء الذين ظلوا على وفائهم لهذه السيدة التي نفحت المسرح المغربي بعض إشعاعه خصوصا عقدي الثمانينيات والتسعينيات مع الطيب الصديقي ومسرح اليوم. اللقاء التكريمي عبق بأريج الشعر والمسرح وبدت فيه ثريا جبران هادئة صامتة منصتة لكلمات وشهادات الاحتفاء التي قيلت في حقها. والبداية كانت مع المسرحي المسكيني الصغير الذي سير الجلسة معتبرا أن دفء هذه اللمة التي تأخذ فيها ثريا جبران موقع القلب يحيل بشكل أو بآخر على تاريخ المسرح المغربي. وقد أعاد فعلا الحضورَ وهو يسم المحتفى بها بالطفلة الذكية الطموحة إلى أهم المحطات في مشوار ها الفني، بدءا من مسرح الشعب ومسرح الفرجة ومسرح الفنانين المتحدين وفرقة الناس بإدارة الصديقي الذي أدت معه مسرحيات شاهقة مثل “سيدي عبد الرحمان المجذوب” و”أبو حيان التوحيدي” وسوق عكاظ” و”ألف حكاية وحكاية” لتحصل على جائزة أفضل ممثلة عربية مرتين وصولا إلى مسرح اليوم حين شكلت هي وعوزري والبسطاوي وخمولي ويوسف فاضل وبهجاجي فرقة طليعية ردت للمسرح المغربي في ذلك الوقت الكثير من وهجه بمسرحيات ستبقى ضوء لا يخبو في الذاكرة مثل “بوغابة” و”العيطة عليك” و”نركبوا لهبال”... سعد الشرايبي مَسْرَحَ كلمته في حق ثريا جبران وهو ينتقي نصين لكل من محمود درويش وجبران خليل جبران يصور أحدهما ممثلة تصعد الخشبة لتواجه الكراسي الفارغة لكنها عند حضور الجمهور تنسى النص وتلوذ بالصمت ويُغمى عليها لتضج القاعة بالتصفيق. فيما تحدث النص الآخر عن العطاء وأنواع المُعْطين في إشارة إلى كرم المحتفى بها وبذلها المعنوي الذي عودت عليه الآخرين. كلمة محمد بهجاجي حملت عنوان “الصدفة والاختيار” وبين فيها كيف تحكم هذا المعطيان في رسم مسار الفنانة التي سبق له أن كان رفيق دربها بالمعنى الحصري للكلمة على اعتبار انتمائهما إلي حي بوشنتوف، كما سبق له أن سجل معها جزء من سيرتها الذاتية ونشرها على صفحات الاتحاد الاشتراكي بذات العنوان الذي اختاره لشهادته. بهجاجي لم تكفه العبارة النثرية التي حاول من خلالها إضاءة صورة المحتفى بها من جهة الحميمي بل ركب مركب الشعر وهو يقول «ثريا حيثما مرت تخلّف وراءها عطرا نادرا». وإذا كان بهجاجي قد تحدث عن ثريا جبران الفنانة والوزيرة التي أنهت مسؤوليتها الحكومية بشرف وبقيت هي هي قبل الوزارة وبعدها، فإن حمادي كيروم سيتكلم عن ثريا جبران الإنسانة التي تغمر أصدقاءها وزملاءها والمحيطين بها بفيض من المحبة مما يجعل عطرها ينفذ إلى مسام الآخرين ويسكنهم. أما عن الجمال الذي عاشت هذه السيدة تصنعه فهو وحده الكفيل بإنقاذ العالم. ثريا جبران هي “البيت الكبير” وكل من دخل منزلها وذاق من طعامها انتقلت إليه عدوى محبتها. كيروم لم ينس صديقه سكري واعتبر الأمسية ذات إخراج تراجيدي مادام الاحتفاء ترف في فضائه روح الراحل وذكراه. شهادة أحد الرسامين أضاءت لحظات قوية في حياة ثريا جبران خصوصا حين مرضت وهي تتقلد مسؤولية وزارة الثقافة، وفي لحظة ما حاولت النهوض من الفراش وهي تقول «خاصني نوض.. الفنانة عارهم عليا». وسردت الشهادة ما حققته هذه الفنانة وهي في الحكومة من بطاقة الفنان ودخول هذا الأخير لأول مرة إلى البرلمان وبعث مجموعة من الفنانين لأداء فريضة الحج بالإضافة إلى أنها كانت دوما تعطي من مالها الخاص. أما كلمة ثريا جبران فجاءت مكتوبة تشع بالشعر والمحبة وكان ختمها بعبارة دالة «خانتني الصحة ومقدرتش نكمل الأوراش اللي بديت..» ومن ضمنها الفضاء الذي جرى فيه الاحتفاء.