مدعوما من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أو من دولته الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما يمكن أن يكون متأثرا بالجزائر الدولة التي شغل بها منصب سفير أمريكا لسنوات أو مقتنعا بالحكم الذاتي المطروح من قبل المغرب كحل لتسوية أطول نزاع تدرج في دواليب المنظمة الأممية. ومراهنا على كفاءته وخبرته في تدبير المفاوضات وتقريب وجهات النظر وجعل أطراف ملف الصحراء الغربية يجلسون للتباحث عن «حل سياسي دائم وعادل متفاوض بشأنه ومقبول من الطرفين «. يعرف السيد كريستوفر روس أنها مفاوضات لن يختلف مصيرها عن المفاوضات السابقة التي أشرف عليها ممثلين أمميين لا يقلون تجربة وكفاءة عنه، مادام أنه لم ينجح في المواصلة حيث وقف من سبقوه، ذلك لأنه ليست هناك بدائل عملية من قبل الأطراف، باستثناء البديل الواقعي والعملي المقدم من المغرب والمتجلي في الحكم الذاتي. فأين يكمن الخلل؟ ومن هو المعرقل؟ هل المشرف على المفاوضات أم أطرافها ؟ أم لازالت التوازنات الدولية والمصالح الخارجية حاضرة في نزاع ظاهره قانوني وحقيقته سياسي!! الجواب على هذه الإشكالات لن يتحقق ولن يكون ذا أهمية إلا بالتطرق إلى قواعد القانون الدولي التي تؤطر مثل هذه النزاعات. ذلك أن تكييف ملف الصحراء الغربية ومطالب أطرافه من وجهة نظر القانون الدولي وكذا تدبيره داخل دواليب الأممالمتحدة تجعله يندرج في إطار نزاعات تقرير المصير، وهو الأمر الذي يحتم توضيح الإشكالات المرتبطة بهذا المفهوم..... الإطار القانوني لتقرير المصير لقد ترتب عن عدم تحديد تعريف شامل لمفهوم حق الشعوب في تقرير المصير في ميثاق الأممالمتحدة والاكتفاء بالإشارة إليه في المادة الأولى الفقرة 2 والمادة 55 أن ظهرت في مجال القانون الدولي العديد من النقاشات حول تحديد معنى هذا المفهوم ومضمونه وعلاقته بالمفاهيم والمصطلحات الأخرى، كالاستقلال والسيادة والحكم الذاتي... حيث تركز الخلاف بين الباحثين والفقهاء حول الطبيعة القانونية لحق تقرير المصير، فعدد كبير من الفقهاء الغربيين لا يعتبرون مبدأ حق تقرير المصير مبدأ قانونيا، لكن مع إنشاء منظمة الأممالمتحدة، لعبت هذه الأخيرة دورا بارزا في منح القوة الإلزامية لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، وذلك عندما تناولت هذا الحق في ميثاقها، ودعمته في العديد من القرارات، إذ اعتبرت مبدأ حق تقرير المصير مبدءا أساسيا إلى جانب المبادئ الأخرى السياسية للقانون الدولي العام. ومما يجدر ذكره، أنه ليس هناك جدال أو خلاف بشأن منح الاستقلال السياسي للشعوب والأقاليم المستعمرة والمحتلة كنتيجة مقبولة لممارسة حق تقرير المصير، لكن الحال يختلف بشأن الشعوب والأمم التي تعيش ضمن أراضي الدول القائمة المستقلة، إذ هناك موقفان: الانفصال والاستقلال السياسي عن الدولة أو البقاء ضمن إطار الدولة وفق ترتيبات دستورية سواء أكان على أساس إتحادي أو حكم ذاتي أو فيدرالي أو أي ترتيب آخر... إن جل الدول، ومنظمة الأممالمتحدة وبعض فقهاء القانون الدولي مع منح حق تقرير المصير للشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار بشكله الكلاسيكي. لكن وكما هو معلوم فقد صفي الاستعمار في الستينات والسبعينات من القرن الماضي بعد صدور القرارين 1514 و1541 عن الجمعية العامة سنة 1960، ولم تعد هناك حاجة لممارسة هذا الحق. وبهذا المعنى، يكون لحق تقرير المصير بعدين: بعد داخلي، ويفيد هيكلة بنيات الدولة حتى تستطيع أن تأخذ على الوجه المطلوب مصالح الأقليات المتواجدة بها، وتعتبر اللامركزية والتسيير الذاتي والحكم الذاتي الجهوي والفيدرالي من الحلول التي لجأت إليها العديد من الدول عبر العالم. أما البعد الخارجي أو الدولي، فهو مرتبط بشكل مباشر بالسيادة، ويعني حق جميع الشعوب في تحديد مستقبلها السياسي على المستوى الدولي عن طريق إنشاء دولة ذات سيادة مستقلة. لكن، إذا تطرقنا إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها في مفهومه الواسع، فهو يعني أن جميع الشعوب لها حقا ثابتا في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ومركزها الدولي بملئ حريتها، حيث يثبت أن حق الشعوب في تقرير مصيرها يشمل حق إنشاء دولة مستقلة وحق الانفصال عن، أو الإتحاد مع دولة أخرى وحق التمتع بالحكم الذاتي. إذا كان مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها من المبادئ الأساسية التي أقر بها القانون الدولي، وأضفت عليه العديد من المواثيق الدولية أهمية قصوى وجعلته من الحقوق المضمونة لكل الشعوب وبشكل متساو. فإن هذا المبدأ لا يكتسي مضمونا واحدا، فقد يعني حق الشعوب في البقاء داخل دولة معينة كما حدث في استفتاء إقليم الكيبك الكندي، أو تقسيم دولة إلى دولتين أو دويلات متعددة، مثل ما وقع بيوغسلافيا والإتحاد السوفياتي، كما يمكن أن يعني انضمام دولة إلى دولة أخرى أو توحيدها، كما وقع في ألمانياالشرقية مع ألمانياالغربية، أو انفصال إقليم معين عن دولة ما، كانفصال تيمور الشرقية عن إندونيسيا. الحكم الذاتي كحل لتقرير المصير إلا أن ما يجب التأكيد عليه، هو كون القانون الدولي رغم إقراره لحق الشعوب في تقرير مصيرها، فلا شيء في هذا القانون ما يمكن تفسيره على أنه يشجع كل عمل يهدف إلى تجزئة الدول ومسها في وحدتها الترابية أو السياسية. خاصة إذا كانت هذه الدول المستهدفة مستقلة ولها سيادة تمارسها على إقليمها طبقا لمبدأ المساواة في الحقوق ولها حكومة ممثلة لمجموع الشعب المتواجد على إقليمها. كما يمكن أن يكون السكان المنتمين للإقليم موضوع النزاع ممثلين في مؤسساته المنتخبة والسياسية. لكن رغم توافر كل هذه الشروط، فقد يمكن أن يطالب شعب أو إقليم ما ولاعتبارات معينة بتقرير مصيره، الأمر الذي يجعل من الحكم الذاتي خيارا من شأنه جعل الطرف المطالب بتقرير المصير والآخر المطالب بمنح هذا الحق يهتديان إليه، أي الحكم الذاتي، فما هي الضمانات التي يقدمها هذا الحل؟ يقدم خيار الحكم الذاتي كبديل من شأنه استيعاب كل المطالب الانفصالية وإرضائها. فمثالية هذا الحل تكمن في أنه يرتكز على قاعدة لا غالب ولا مغلوب. أي أن الدولة لا تمس في وحدتها الترابية والسياسية، والإقليم المطالب بتقرير مصيره تصان له حقوقه وتحفظ له خصوصياته. ومن تم فإن الحكم الذاتي يروم إلى استبعاد خيار الانفصال بتأسيس علاقة تقوم على التعايش والتوافق بين أطراف النزاع. وبهذا، ألا يحق لنا القول بأن الطرح المغربي القائم على منح الحكم الذاتي للصحراويين يشكل أرقى وأمثل العروض التي يمكن أن تستفيد منها الساكنة المتواجدة في جنوب المغرب، هذا دون الخوض في النقاش القانوني المرتبط بالأشخاص أو المجموعات السكانية التي يحق لها المطالبة بحقها في تقرير المصير سواء من حيث قدرتها على ممارسة هذا الحق ومدى تجانس أو ارتباط بعضها ببعض، وكذا وجود اختلافات كبيرة عن الدولة الأم من حيث اللغة والدين والعادات والتقاليد... إن تأطير عمل المبعوث الأممي في إيجاد «حل سياسي دائم وعادل متفاوض بشأنه ومقبول من الطرفين «، وتلكأ أو رفض مقترح الحكم الذاتي المقدم من قبل الدولة المغربية منذ سنة 2004 رغم إقرار العديد من الدول الفاعلة في المنتظم الدولي والصديقة للمغرب على أنه يشكل حلا واقعيا وجديا يمكن الصحراويين من تحقيق حقهم في تقرير مصيرهم، يبين أن مسار هذا الملف مفتوح على إطالة أكبر وعرقلة أكثر من الأطراف العاجزة على إبداع حل واقعي يمكن أن ينهي هذا الملف. وهو الأمر الذي يتبين من التقرير الأخير الذي قدمه السيد كريستوفر روس أمام مجلس الأمن في 28 نونبر، حيث اعترف فيه بفشل جولات المفاوضات، واقترح كبديل عنها المشاورات مع القوى الدولية الرئيسية تليها فترة من الدبلوماسية المكوكية الهادئة مع الطرفين والدول المجاورة، والذي من المؤكد أنها ستنتهي بالفشل على غرار سابقاتها من المقترحات، مادام أنها لا تأخد حل الحكم الذاتي إطارا للتفاوض والتسوية ومادام أن كل طرف يؤكد التزامه بالعمل مع الأممالمتحدة لتحقيق حل سياسي للوضع النهائي للصحراء الغربية، بينما في الوقت نفسه يجدد تمسكه بالمقترح الخاص به.. إذن، أمام هذه الحقيقة البارزة، فما الذي يجب على الدولة المغربية القيام به حتى تحفظ وحدة أراضيها وتقوي موقفها وتتجنب أي مفاجئة غير متوقعة؟ إن ما يعاب على المغرب، هو اعتقاده أن تقديم مقترح الحكم الذاتي، وقيامه بجولات مكوكية في كل بقاع العالم لتسويقه على أنه حل واقعي وعملي يكون دوره متوقفا عند هذا المستوى دون ما حاجة إلى إبداع المزيد من المبادرات، وهو ما لا يجب عليه أن يعتقده. فإذا كان المغرب سباقا دائما إلى تقديم البدائل والمقترحات فإنه لا يجب عليه أن يتخلى عن هذه المنهجية في العمل، حيث المفروض فيه ألا يرهن مستقبل قضيته بيد المبادرات التي يمكن أن يقترحها المبعوثون الأمميون روس أو غيره مستقبلا.... الديمقراطية وحقوق الإنسان شرطان لتنزيل الحكم الذاتي إن خيار الحكم الذاتي رغم مثاليته، إذا ما نظرنا إليه من زاوية تعثر إيجاد تسوية نهائية لملف عمر طويلا داخل دهاليز منظمة الأممالمتحدة، فإنه يجب استحضار سابقة عاشتها المنظمة الأممية مع حل الحكم الذاتي. حيث سبق وأن اقترحت ضم إريتريا إلى أثيوبيا في شكل اتحاد فيدرالي. حيث أوفدت لجنة لتقصي الحقائق حول هذا الحل، وبالفعل أعدت هذه اللجنة بعد زيارتها الميدانية للإقليم تقريرا يقول بأن أغلبية الشعب الأريتري يوافق على هذا الحل. وبناء عليه أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1960قرارا يحمل رقم 392/أ/5 يقضي بتوحيد أريتريا فيدراليا مع أثيوبيا. غير أن هذا الحل لم يعمر طويلا، حيث بدأ ممثل الإمبراطورية الأثيوبية بإريتريا يتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الأخيرة من خلال إلغاء الأحزاب الإريترية والعلم الإريتري وحل اتحادات النقابات وإلغاء استعمال اللغة العربية في دواوين الحكومات، تم إصدار مرسوم إمبراطوري جعل بمقتضاه الدستور الأثيوبي والقوانين الإثيوبية سارية في أريتريا، وفي 14 نونبر 1962 أعلن الإمبراطور الأثيوبي أريتريا ولاية أثيوبية مدمجة في الدولة الأثيوبية. حيث دخلت القضية منعطفا جديدا، واستمر النزاع إلى غاية 1993، حيث جرى استفتاء حول تقرير المصير في إريتريا. إذن، ومن أجل أن يحظى خيار الحكم الذاتي بالثقة والقبول من قبل الهيئة الأممية والمنتظم الدولي، يجب على المغرب أن يقدم صورة متميزة عن واقع الديمقراطية وحقوق الإنسان بالمغرب، وهو التحدي الكبير أمام المغرب والذي بدونه يبقى من الصعب إقناع المتدخلين الرئيسيين والثانويين بحل الحكم الذاتي الذين يرون في توفر الجو الديمقراطي في الممارسة اليومية والاحترام الكامل لحقوق الإنسان هي الضمانة الوحيدة لغرس وتيسير تطبيق الحكم الذاتي على أرض الواقع. بعد ذلك يسهل على الدولة المغربية الإنتقال إلى مرحلة الهجوم عبر مطالبة الأممالمتحدة بتطبيق القواعد والأعراف الدولية المعمول بها في إحصاء اللاجئين الموجودين في تندوف وقطع الدعم الخارجي المادي والسياسي على جبهة البوليساريو...