عندما تزور العالم القروي المنتمي إلى إقليمتارودانت، كأحد ساكنته المتتبعين لخطواته العشوائية إلى الوراء، عندما تقف على الخصاص الكلي فيما له علاقة بضروريات الحياة ثم تقارن هذا الوضع بإجابة هذا الوزير وذاك، بل وإجابة السيد رئيس الحكومة عن أسئلة السادة النواب المخلصين للساكنة التي انتخبتهم الذين لا يتركون المقاعد البرلمانية الفارغة لتنوب عنهم، بل ويتواصلون مع ساكنة دوائرهم الانتخابية باستمرار، وعندما تقارن الواقع بالمصرح به أثناء زياراتك الميدانية واستماعك ومشاهدتك بل ومعايشتك لمعاناتهم، تجد أن الفرق شاسع بين الواقع المعيش هناك في أعالي الجبال، وبين من يرددون داخل قبة البرلمان ما ردده السابقون الجالسون على كرسي المسؤولية أو على الأصح الجالسون على المسؤولية ، ممن يرددون كلما سئلوا عن قطاع من القطاعات : برمجنا للعالم القروي وسنبرمج ما أشرتم إليه أيها النواب المحترمون لكن «ماتزربوش صبروا شويا واخا الصبر كيضبر». بعد هذا التقديم المختصر، سأرافق السادة الوزراء إلى إقليمتارودانت ، وبالضبط إلى دائرة إيغرم ،التي تتكون من سبع عشرة جماعة قروية وبلدية واحدة للوقوف على ما تعيشه هذه المنطقة. في مجال التعليم تلامذة هذه الجماعات الذين يتابعون دراستهم بإعدادية وثانوية الأرك المتواجدة في مركز الدائرة ، أغلبهم بعيدون عنها بأربعين إلى ستين كيلومترا، ذلك أن الجماعات المشار إليها لا تتوفر على إعداديات ولو بمعدل إعدادية لكل ثلاث جماعات متقاربة، كجماعة النحيت وجماعة والقاضي وجماعة تيسفان... ولكي تكون صورة التهميش والتجهيل الشبه الممنهج واضحة في مجال التربية والتعليم بهذه المنطقة، أضع أمام وزير التربية الوطنية الأرقام التالية : عدد الناجحين من الابتدائي إلى الإعدادي بهذه الدائرة هذا الموسم 437 تلميذا وتلميذة، عدد المنح الممنوحة لهم في الدفعة الأولى 26 منحة فقط، وفي الدفعة الثانية 12 منحة، المجموع 36 منحة، عدد التلاميذ غير الممنوحين من أبناء عائلات تعيش فقرا مدقعا 399 تلميذا وتلميذة، وطبعا لا مفر لهم من المغادرة وتحمل ألم الحرمان الذي ستنعكس نتائجه السلبية مستقبلا على الأسر وعلى الوطن. بالنسبة لجماعة النحيت على سبيل المثال لا الحصر، حرمان إحدى عشرة تلميذة من المنحة وبعدما منعن من الاستفادة من المطعم والإيواء عدن إلى دواويرهن ومنازلهن باكيات. وبما أن المجتمع مجتمع تضامني، تدخلت إحدى الجمعيات المدنية وأدت كلفة ثلاثة أشهر الأولى ليتغير حزنهن إلى سرور، لكن هل سيجدن من يدفع ما عليهن في الأشهر الثلاثة الثانية والثالثة نيابة عن وزارة التربية الوطنية والداخلية والمالية ؟ أم على المجتمع المدني بهذه المنطقة أن يتحمل مسؤولية هذه الوزارات ؟ لن أتحدث عن المجلس الإقليميبتارودانت وعن مسؤوليته في توفير المنح لغير الممنوحين، فقد سبق أن نشرت تحقيقا في الجريدة عن هذا المجلس ووجدت أن عليه أداء حوالات لحوالي خمسمائة موظف شبح أغلبهم من الأطر العليا تم توظيفهم أيام حكومة الداخلية المعروفة بتجاوزاتها. منع إقامة ملاعب خاصة ظاهرة أخرى تسجل لحكوماتنا، وهي عدم التنسيق بين الوزارات، ففي الوقت الذي استبشرت ساكنة 21 قرية خيرا بالمصادقة وبناء المدرسة الجماعاتية وخصصت جهة سوس ماسة درعة ثلاث سيارات لنقل تلاميذ هذه المؤسسة التي أنجزت بالشراكة بين عدة جهات بما في ذلك جماعة النحيت المستفيدة التي عليها إنجاز الملاعب الرياضية الصغيرة طبعا وتوفير الماء الشروب لتلامذة وموظفي المدرسة الجماعاتية المتواجدة حاليا داخل مدرسة اغيرن وامان التي أصبحت جزءا منها، في هذا الوقت وقف حارس الغابة ليمنع إنجاز الشطر الباقي الخاص بالجماعة والمتعلق بإنجاز الملاعب الرياضية بجانب المؤسسة التي انتهى بناؤها وتجهيزها، مع العلم أن ساكنة هذه المنطقة أقامت دعوى قضائية ضد فرنسا سنة 1953 تستهدف تحرير ملكهم الغابوي ، واتخذوا الأستاذ البشير بن العباس محاميا لهم وألقي القبض على المجموعة التي باشرت الملف وتم الزج بهم في سجن عين مومن إلى أن جاء الاستقلال في 1956 ليفرج عنهم، وتأتي مندوبية المياه والغابات بتاوردانت في شهر دجنبر 2012 لتمنع أبناء من ناضلوا وسجنوا في سبيل تحرير الوطن ضمنه المجال الغابوي ، من إقامة ملعب لأطفال المدرسة الجماعاتية! وفي الأسبوع الأخير من شهر نونبر 2012 اجتمع ممثلو حوالي 75 جمعية ببلدية إيغرم واستنكروا سياسة مصالح المياه والغابات بالمنطقة إلى جانب الخنزير البري الذي عاث في الأرض فسادا كما يعلم الجميع، دون نسيان ما قامت وتقوم به جمعيات سوس ماسة درعة في هذا المجال ، أخص بالذكر إقليمتيزنيتوإقليم اشتوكة أيت باها... ديمقراطية هاته التي تمنع إقامة ملعب لممارسة الرياضة من طرف تلامذة المدرسة الجماعاتية التي انتظرها السكان للتخفيف من الهدر المدرسي. مع العلم أن مندوبية المياة والغابات التابعة لإقليمتارودانت على علم بهذا المشروع والتزمت الصمت إلى أن تم إنجاز المؤسسة وتجهيزها ثم تأتي لتمنع إقامة الملاعب الصغيرة والخاصة بكرة اليد وغيرها. إذا كان هذا ما يعنيه رئيس الحكومة ووزراؤه بالعناية بالعالم القروي فليعلم أن ساكنة هذا العالم تتوفر على كفاءات وعلى طاقات مناضلة، لن تستسلم لمن أرادوا إخلاء هذه المناطق قصد تسليمها لشركات مختصة في البحث عن المعادن ولو على حساب تهجير السكان من مناطقهم ليشددوا الخناق أكثر على هذه المدينة أوتلك... معضلة «دعم الدقيق الفاسد» ؟ في الشهور الأخيرة توصلت ساكنة بعض الجماعات التابعة لدائرة إيغرم بحصصها من الدقيق المدعم «الفاسد» وكانوا يتقبلونه لانعدام البديل في بداية شهر دجنبر 2012 وبعد توزيعه من طرف الممون بجماعة النحيت كنموذج، وجده المستفيدون جد فاسد، يشكل خطرا على صحتهم، فأعادوه إلى الممون واتصلوا بالجهة المسؤولة حيث هرعت لجنة محاربة الغش إلى محل الممون ليجدوا أكياسا من الدقيق الفاسد تم توزيعه على السكان الأبرياء وتأكدت اللجنة من أن المطحنة هي المصدر ! ونأمل أن تتخذ الجهات المسؤولة الإجراءات اللازمة كوقاية للمواطنين البسطاء من أمراض فتاكة! هجوم على أملاك فقراء ا استبشرت ساكنة العالم القروي التابعة لإقليمتارودانت خيرا كغيرهم بهطول أمطار الخير وحرثوا فدادينهم، وبدأ الزرع يغطي الفدادين المتناثرة هنا وهناك. لكن لم تدم فرحتهم طويلا، فقد هجمت جحافل الجمال والحمير والماعز والنعاج على مجال جماعة النحيت كنموذج، حوالي 600 من الحمير والعشرات من الماعز والنعاج والجمال. والكل يعلم أن هذه الجحافل لا تبقي ولا تدر بما في ذلك إفراغ المطافئ من مياه الأمطار التي يختزنها السكان لشهور السنة ! أكثر من هذا استولوا بالقوة على بئر تيرزكوضاض التي تزود ساكنة أربعة دواوير ومدرستين عتيقة وعصرية إضافة إلى الجماعة وسوقها، صبيبها فقط 1لتر في الثانية! أضف إلى ما تمت الإشارة إليه ما فعله ويفعله الخنزير البري الذي استوطن هذه الجهة يعبث في الأرض فسادا. والسؤال الذي يفرض نفسه هو : هل الهدف من هذه الفوضى إخلاء العالم القروي من البقية الباقية من الساكنة غير المهاجرة ؟ وهل بعد هذه الحقائق التي وقفنا عليها في عين المكان والتي لا تزال تنهب ما حرثه الفلاح القروي البسيط نهبا ، نصدق تصريحات الحكومة داخل البرلمان وخارجه ؟ لماذا لم يقم وزراؤنا وبرلمانيو المنطقة الثلاثة بزيارة هذه المنطقة ليتأكدوا وليقوموا بحماية حقوق فقراء العالم القروي من بعض «المستثمرين » ممن يمتصون دماءهم دون حسيب أو رقيب؟!