نريد من المؤتمر التاسع أن يكون مؤتمر وحدة يكذب الأطروحة السائدة القائلة أنه : «ما اجتمع اتحاديان إلا كان التطاحن ثالثهما». فلا بد من صحوة الضمير الاتحادي . وكفاه ما عاناه منذ الانتخابات التشريعية 2007 والانتخابات الجماعية 2009 . جسد الاتحاديات والاتحاديون منطق التناحر بعد أن انتهت مرحلة التآكل الذاتي التي ظل الحديث فيها بصيغة الجمع ( نحن الاتحاديون . في الاتحاد الاشتراكي اليوم ...الخ ) وبعد أن فشلت دعوات التصحيح والإصلاح المروجة لشعار التجاوز الإيجابي . لم يعد هناك فعل إيجابي سوى سيطرة الأنا على السلوكيات . فغاب الالتزام بالخط المذهبي للحزب وغابت كل الضوابط والقوانين والأعراف ، لدرجة هيمن فيها منطق الاستوزار على منطق النضال ، وغاب حتى الالتزام المالي مهما كان ضعيفا لا سنويا ولا شهريا . وحتى بطائق إثبات العضوية لم يعد العمل بها مهما كان مستوى المحطة التنظيمية والتقريرية التي يستوجب فيها القانون الإدلاء بهذه البطاقة ، بدعوى أنها تعرقل التوسع الحزبي من جهة ، وبدعوى استقطاب فعاليات يمكن أن تضمن مقعدا انتخابيا من جهة ثانية . وتعمقت هذه المعضلات «بفضل» المكتب السياسي الذي أفرزه المؤتمر الثامن وضم في عضويته كل المتناقضات التي يفرق بينها أكثر ما يجمعها على التفكير في مستقبل الحزب وإعادة بنائه القوي ، واحتلاله المكانة اللائقة به على الخريطة السياسية . لا لشيء إلا للسماح بالمندسين المخربين للحزب من الداخل والذين خلا لهم الجو بعد إبعاد محمد اليازغي والذي فضل التنحي عن أية مسؤولية حزبية , وقبله اعتزال عبد الرحمن اليوسفي لنفس الأسباب . ثم جاء إعلان عبد الواحد الراضي عدم ترشحه رغبة في التقاعد من جهة وليتفرغ لرئاسة الاتحاد الدولي للبرلمان . وبعد أن كان القائد المتفرج واحدا أصبح المتفرجون ثلاثة من العيار الثقيل . وها قد دخل حلبة التسابق الرئاسي خمسة أراهم كأصابع اليد الواحدة وينتمون للجسد الواحد . المصاب بالوهن والترهل . وقد شخص هذا الوهن المناضلون قبل أن تشخصه برامج هذه الأصابع وهي غير ناجية من التوعك . وهذا ما لا تخفيه التصريحات والتصريحات المضادة وقد أخذت تتطور مع اقتراب ساعة الحسم لتبلغ أحيانا نوعا من العداء المخيف المهدد بمزيد من الفرقة على مستوى رأس الهرم الاتحادي . ولولا أني مقتنع بأنها حمى التسابق لقلت إنها تجسد التطاحن الذي أوصل الحزب إلى ما هو عليه ولا أبرئ جل الأصابع التي ظلت تحركه وتغذيه لتقول اليوم إنها قادرة على ابتلاع الغضب وتسوية الأوضاع وإعادة القوة للحزب . فكيف لأي أصبع منها أن يكون قادرا على فعل ما يعد به دون بقية الأصابع ودون بقية أعضاء الجسم الاتحادي ؟ بل إن اليد الواحدة لا تصفق بكل أصابعها فما عساها فاعلة بأصبع واحد لقد انتهت عمليات انتخاب المؤتمرين وقد شابتها خروقات وطعون هنا وهناك . وسجلت غياب وجوه ووجوه متأثرة بفعل التطاحن على كل المستويات , وأفرزت خريطة تهدد بنقل التطاحن إلى لحظة التسابق المحموم وأجواء المؤتمر التاسع . وإني لأشك في أن يفي أي أصبع مترهل , باقتداره على صناعة المعجزة وتحقيق التحام الصف الاتحادي . ولا سبيل إلا الرضا والقبول بنتائج المؤتمر وحسم المؤتمرين . وهذا يحتاج إلى حكيم قوي بخبرته يترأس أشغال المؤتمر ويوجه للتآخي , ما دام الجسد الاتحادي هو الذي ينبغي أن ينتصر . أما انتصار وفوز أي أصبع بدون الجسد . فهو هراء وضعف . بل هو وقوف على شفا الهاوية وانتظار موت دون مشيع للجنازة , أو مترحم على أرواح بناة الحزب وصناع مجده وتاريخه المشهد السياسي بدون اتحاد قوي . لا مدلول له , والاتحاديون والمراقبون والمواطنون أعرف بهذا الواقع . ولكن القرار الآن بيد الاتحاديات والاتحاديين المؤتمرات والمؤتمرين الصادقات والصادقين , وإلا فإن سيطرة الأنانية وحب الذات وافتعال ما لا يليق سواء في الكولسة ومحاولات الضغط واستعراض العضلات واستمالة أصوات المؤتمرين بما لا اقتدار لبلوغه على انفراد . أو بما وصلته عملية انتخاب المؤتمرين في عدة أقاليم من سلوكيات لا صلة لها بالأخلاق الحزبية التي تربت عليها الأجيال المتعاقبة والمفترض أن يعيش أجواءها الجيل الجديد . فهذا ما يندر بكل أسف بافتقاد الحزب لوحدة الصف المطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى لا زلت أعيش على أمل أن تحقق السابقة الإعلامية على أمواج راديو بلوس وقناة دوزيم في برنامج مباشرة معكم . روح التآخي لإخراس تلك الأصوات المتناحرة باسم نصرة هذا المرشح أو ذاك , لأنها لن تؤثر بأي شكل في صياغة القرار وصناعة وحدة الصف المفتقدة والتي لا يضمنها أو يكرس واقعها المر إلا المؤتمرون ومدى اقتناعهم بالمشاركة والتحليل وسيادة روح الاتحاد , لا سيادة الولاء لهذا الطرف أو ذاك . لأن المؤتمر بحق هو لحظة الحسم في مستقبل الحزب . وهو سيد نفسه وصانع قرار الحسم الذي أتمنى بصدق أن لا تشوبه شائبة , ولا يعرف طعونا أو مواقف تجر الحزب إلى الدهاليز أو التبعية أو الهاوية لا قدر الله..