استضافت جمعية الأعمال الاجتماعية للتعليم بخنيفرة، صباح يوم السبت 24 نونبر 2012، اللقاء الفلسفي المنظم بمناسبة «اليوم العالمي للفلسفة» حول موضوع «الحرية»، انطلاقا من سؤال «بأي معنى نحن أحرار؟»، من تأطير وعرض الباحث ذ. عبدالإله حبيبي، ويتعلق هذا اللقاء بتفكير عميق في الحرية كمفهوم فلسفي من جهة وكمفهوم اجتماعي سياسي، حيث تعددت في شأنه الكثير من الخطابات والنظريات عبر تاريخ الفكر الفلسفي. من خلال اللقاء، الذي قام بتسييره ذ. جواد رضوان، تم التركيز على تحديد بعض دلالات الحرية الأكثر جدلا واستشكالا، حيث انتقل ذ. عبدالإله حبيبي بالحضور بين عدة سياقات ونظريات فكرية، ذكر منها فلسفة كانط ونيتشه وسبينوزا، وخلال حديثه عرج المتدخل على مفهوم الحرية من خلال بعض التقاليد الثقافية والمعتقدات الدينية، مركزا بالخصوص على مفهوم الحرية في الثقافة الإسلامية ودلالاتها في المعتقد المسيحي، ليتوقف عند تنزيل المفهوم، وكما حدد ذلك سبينوزا في سياق «الدولة الديمقراطية» التي وحدها القادرة على حماية الحرية والتعدد وتأهيل المجتمع ليصبح مجتمعا عقلانيا مسؤولا، وقادرا على إدارة كل اختلافاته في إطار السلم والفضيلة والتسامح. ذ. عبدالإله حبيبي انطلق في مداخلته من خلفية اختيار سؤال «الحرية» الذي ينبع من قلق كبير ورغبة في الجواب عن مفهومه باللغة الفلسفية، وفي التحليل عن علاقته بالمفاهيم الأخرى كالحتمية والاختيار والوعي والضرورة والإرادة، وبنظام الطبيعة المثقل بالاكراهات والحتميات والمحددات، بوصف مفهوم الحرية، يقول المحاضر، جميل ومتوتر ويمكن اعتباره مدخلا لفتح ملف الفلسفة. صاحب رواية «بيوس أو طفل الحكمة والطقوس»، ذ. عبدالإله حبيبي، رأى من خلال عرضه القيم أنه لابد من قياس نضج المجتمعات وضبط موازين الصراعات، والوعي بكيف للحلم أن يكون ممكنا؟، وكيف يمكن للحرية أن تجعلنا نفكر في علاقتنا بذواتنا؟، وهل ما نقوم به وما ينتج عنا من ممارسات وأفعال هو من تلقاء أنفسنا أم نتاج للحرية كأفراد ومسؤولية؟ أم هو نتاج لما هو مفروض فينا؟ قبل توقف المحاضر عند مفهوم الحرية كاختيار وغريزة، وعبوره على عدة فلاسفة ومنظورهم لمعنى الحرية. في ذات السياق، ركز المحاضر على اجتهاد الإنسان في الخروج من الحتمية من خلال سؤال الخلود، باعتبار الإنسان الوحيد بين الكائنات الذي يدرك أنه سيموت وكيف يمكن له أن يظل خالدا، وبعد تناول المحاضر لمفهوم الخلود بين الاغريق والفراعنة، وبين الصوت والكتابة التي تبقى خالدة، وبين حرية الماء في المجرى وتوقف حريته بوجوده في الكأس، والحتميات والضرورات التي تحد من تحقيق الإرادة الحرة لدى الإنسان؟ انتقل إلى الحديث عن الحرية كإبداع، وكشكل تلقائي وعفوي، وارتباطها بالزمن حيث يستحيل وجود الوجود خارج الزمن. كما قام المحاضر في ذات اللقاء بتحليل مدى علاقة الحرية بالأديان، حيث توقف عند «أصحاب الكهف» وكيف هربوا من سلطة قمع الحريات إلى مكان يخلو تماما من مظاهر الحرية، وكيف فضلوا هذا المكان المغلق بدل العيش في ظل سلطة لا تؤمن بالحرية، من حيث، يضيف ذ. حبيبي، صعوبة تحديد مفهوم الحرية في علاقتها بالفعل والاختيار والإبداع وما ينجم عنها من أفعال، ومن هذا المنطلق رأى أن الحرية تقتضي التحرر من أي إطار إيديولوجي، إذ لا يمكن للإنسان المطالبة بالحرية وهو غير حر، بمعنى أنه يسلم حريته من أجل الحصول على اعتراف وعطف الجماعة، ويعتقد في كل الحالات انه مواقفه مواقف شخصية في حين أنه أصبح مدمجا في إطار يجري بمشيئة الأخرين، وحريته أضحت محدودة بحدود حرية الآخرين. وبعد تحدثه عن الميتافيزيقا، وسؤال علاقة الله بالإنسان، وأفعال الخير والشر، ومقارنته بين نصوص فلسفية وآيات قرآنية، توقف المحاضر عند ما أسماه ب»مشكلات تأويل المعتقد» التي ساهمت في خلق أزمة في الفكر الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية بالنسبة للفرق الدينية والكلامية، لينتقل من جهة أخرى إلى موضوع «الربيع العربي» وثوراته التي استطاعت تغيير الأنظمة إلا أنها لم تستطع تفكيك المعادلات الثقافية والروحية التي تجعل الإنسان العربي والمسلم سجين نفس المعادلات والإشكالات، كما أن الضرورة تحتم على الدولة أن تكون ديمقراطية ولا يهم أن تكون رهينة إيديولوجية معينة، لأن الديمقراطية تحول دون قمع المخالفين للرأي وإيديولوجية نظام الحكم. وارتباطا بالموضوع، لم يفت ذ. عبدالإله حبيبي إعطاء نماذج من أقوال عدد من الفلاسفة، منهم كانط الذي تناول الحرية بالقول إذ من دونها لن يكون الإنسان أخلاقيا، وإذا كان أخلاقيا لابد أن يكون حرا من دون غاية أو نيل مقابل، ليقارن المتدخل بين الكانطية والنيتشوية التي ترى في الأخلاق والقيم وسيلة صنعها الضعفاء، وربما صنعها الأقوياء ليؤمن بها الضعفاء.