ما هي العلاقة المفترضة بين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والجزائر؟ يجيب محمد اليازغي، وزير الدولة السابق، أن هذا التنظيم خرج من صلب الجزائر، وأن الجزائر هي التي قامت بالوساطة ما بين الطوارق وحكومة مالي في باماكو، وتوصلوا إلى اتفاق أعلن عنه في الجزائر العاصمة. إذن- يقول اليازغي- هي طرف في هذه المشاكل منذ البداية، فهي تخلصت من القيادات السياسية المسلحة عندها، وقيادات الحركة السياسية في الساحل والصحراء هي قيادات جزائرية أساسا، لذلك الجزائر في وضع غير مريح، على اعتبار أنها خرج من صلبها الحركة المتطرف المعروفة بالقاعدة في المغرب الإسلامي. وقال اليازغي، الذي كان ضمن ضيوف حلقة خاصة لبرنامج «ملف للنقاش»، بمشاركة كل محمد تاج الدين الحسيني (أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط) عثمان تازغارت الكاتب والمحلل السياسي الجزائري والخبير في الشؤون المغاربية، عبد الكريم بنعتيق (الأمين العام للحزب العمالي)، شارل سان برو (مدير مرصد الدراسات الجيوسياسية بباريس)، سعيد ديالو عمدة كاو (مالي)، آدم تيام (صحافي مالي)، إن المغرب معني مباشرة بما يحصل في منطقة الصحراء والساحل، وأمننا الوطني يجعل المغرب مهتما بما يجري. لقد انغرس التطرف الديني في المنطقة، كما أن هناك حركات مشتغلة في التهريب والمخدرات خصوصا المخدرات القوية التي تأتي من أمريكا اللاتينية. وبالفعل كان التعاون الأمني والعسكري بين دول الساحل والصحراء قد نجح، مرات متعددة، في تفكيك شبكات لتهريب المخدرات المهربة من أميركا الجنوبية في اتجاه أوروبا عبر الساحل والصحراء وشمال أفريقيا، وذلك خلال عمليات عسكرية في جنوب موريتانيا وشمال مالي توجت باعتقال رؤوس مدبرة للشبكة ثبت، في ما بعد أنهم ب ينحدرون من مخيمات تندوف . وكانت مصادر أمنية في مالي قد أعلنت تمكنها من اعتقال ستة عناصر ينتمون إلى الشبكة الدولية لتهريب المخدرات و على رأسهم المدعو سلطان ولد بيدي، وهو أحد كبار أباطرة المخدرات المبحوث عنهم دوليا، لضلوعه في عمليات اختطاف الرهائن الأوروبيين في منطقة الساحل والصحراء لفائدة تنظيم القاعدة، من جهة، وارتباطه بكارتيلات تهريب المخدرات علما أن تفاصيل التحقيق حول خلفيته أكدت أنه يرتبط بصلات و صفقات مجزية مع قادة إنفصاليين . وقد كشفت التحقيقات الأمنية حول الملف الشائك عن هوية المعتقلين الآخرين حيث يتعلق الأمر بكل من فرحا ولد حمود ولد معطا الله وهو عسكري سابق يقيم في مخيمات تندوف, وبريكا ولد الشيخ الذي قدم كعضو ب›البوليساريو›, ولحسن علي ولد إبراهيم المزداد في 1970 بتيارات بالجزائر قبل أن يقيم بدوره في مخيمات لحمادة . وبمجرد إنكشاف لغز الطائرة المحملة بالمخدرات التي حطت بشمال مالي و التي قادت الى إيقاف ستة من كبار مهربي المخدرات ينتمون الى جبهة الانفصاليين ، حل على وجه السرعة بباماكو أحد كبار الجنرالات الجزائزيين في مهمة لاقناع السلطات االمالية بالتكتم على الاعتقال و اقبار ملف الانفصاليين المتورطين و في مقدمتهم ولد بادي. لكن مراسل وكالة الانباء الفرنسية فجر المسكوت عنه عقب توصله بخبر التوقيف من مصدر عسكري نافذ ليصدر الرئيس المالي شخصيا تعليماته بمواصلة التحقيق في ملف القضية التي كشفت الوجه الحقيقي البشع لجبهة البوليساريو وصلاتهم الملتبسة مع عصابات تهريب المخدرات و البشر و خلايا الارهاب بالمنطقة على الرغم من تعمد السلطات الجزائرية في أكثر من مناسبة التستر على الانفصاليين المتورطين في قوافل تهريب المخدرات التي تخترق ضواحي تندوف وتحميل المسؤولية الى مهربين مغاربة وهو ما ظلت العلم تدحضه في حينه بالحجج و البراهين الدامغة أما عبد الكريم بنعتيق، الأمين العام للحزب العمالي، فقد أكد أنه في تعامل النظام والدولة المغربية مع الربيع العربي، لم يكن هناك خوف من الشارع، بل كان هناك احتضان له، وخطاب 09 مارس هو الذي أكد أن المغرب متجاوب مع الإصلاحات دولة ومجتمع، وأعطى لأول مرة في تاريخ المغرب دستور 100 بالمائة مغربي، حيث أنه في السابق كان أجانب يسوغون الدساتير، وكانت الاستشارة ضيقة والاطلاع عليها ممنوع، بينما الدستور الأخير صاغه فقهاء مغاربة، وبمنهجية تشاركية، إذن هناك معالجة مغايرة تتم عن طريق الإشراك وقبول الآخر، لتنتصر الديمقراطية في نهاية المطاف. وقال بنعتيق إن الجزائر مستفيدة من معادلة المبادلات التجارية مع المغرب، ففي سنة 2011 بلغ رقم المبادلات التجارية بين البلدين 937 مليون دولار، فيما كان سنة 2010 الرقم هو 731 مليون دولار، ورغم أن المغرب كان متضررا من عجز المبادلات التجارية إلا أنه لم يتم اتخاذ أي قرار سياسي بهذا الشأن بدعوى أن الحدود مقفلة. يجب أيضا الإشارة إلى رؤية ملكية عميقة في قضية الاندماج المغاربي، وهي أن جل المشاريع الأساسية الإستراتيجية للمغرب توجد في الشرق والشمال الشرقي، كالميناء المتوسطي طنجة، إضافة إلى الحرص الملكي على بناء مطار في وجدةوالناظور والحسيمة وميناء الناظور، وهي كلها مرافق تخدم الاقتصاد المندمج مغاربيا لاسيما ما بين المغرب والجزائر . وأضاف أن القيادات الحاكمة الآن في الجزائر ليست فقط عائقا بالنسبة للجزائر، بل هي عائق بالنسبة لتطور المنطقة ككل. وكلينتون عندما زارت الجزائر قالت إن أقل المناطق اندماجا في العالم هي المنطقة المغاربية ، كما أن عدم فتح الحدود بين المغرب والجزائر يضيع على اقتصاديات البلدين نقطتين. هذه المعطيات أكدها عثمان تازغارت، الكاتب والمحلل السياسي الجزائري والخبير في الشؤون المغاربية، بقوله إن «التجربة الديمقراطية في الجزائر كانت قصيرة، والأزمة الاقتصادية في الثمانينيات كشفت عورة النظام الجزائري وأدى ذلك لانتفاضة الشباب عام 1988.» واتهم تازغارت الطغمة الأوليغارشيّة الجزائرية بنسف كل محاولات الاندماج الاقتصادي بين دول المغرب العربي. وقال إن هؤلاء من خلال تحكمهم في الموارد و الثروة الوطنية، عطّلوا عجلة الاقتصاد بالترويج للاستراتيجيات الفاشلة التي تغذّي الوهم، و تقتل كلّ أمل يلوح في الأفق لبناء اقتصاد مغاربي مندمج وقوي. وأكد المتحدث أن تلك الطغمة الأوليغارشية تدرك منذ البداية أنّ ضمان بقائها في السّلطة يمرّ عبر الوقوف في وجه أي انفتاح، وذلك بالالتفاف ضد مصالح المغرب في نزاع الصحراء. معتبرا أن نزاع الصحراء، أصبح، لدى هؤلاء بمثابة «دوغما» غير قابلة للفهم أو الاستيعاب، اللهم في الرّغبة الكبيرة في الاستمرار الاستيلاء على السّلطة. وذهب تازغارت إلى أن جماعة الأوليغارشيين الجزائريين يعملون على خنق الحياة السياسية و الاجتماعية، للتحكم في إمكانية انفلات الأوضاع متذرّعة في ذلك بخبرتها الخاصة ومبرّرة مكانتها كنخبة قادرة على تولّي الحكم، وذلك للبحث عن مزيد من السّلطة و الثّروة.. وبخصوص الأزمة في مالي، قال تازغارت «هناك تنظيمات جهادية ركبت موجة التحول في المنطقة، مثل تنظيم «أنصار الدين» الذي زج به بإيعاز من طرف بعض القوى الإقليمية في مقدمتها الجزائر نحو تبني سياسات سلفية. وغني عن البيان أن اللعبة كبيرة جداً وليست بالبساطة التي يتصورها البعض، وهناك محاولة جادة لإغراق المنطقة في سيناريو سيء، لا يخرج عن تحويل شمال مالي إلى محضنة طبيعية للإرهابيين بشكل يهدد دول المغرب العربي، وأيضا دول الاتحاد الأوربي. لقد دأبت الجزائر على تقديم نفسها ك»خندق رملي وحيد» لمواجهة الإرهاب القادم من الصحراء. لكن واشنطن تحرص بموازاة ذلك على إقناع الجزائر بوجاهة التدخل العسكري في الشمال المالي والحصول على موافقتها لحسم المواجهة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ولأن الجزائر تعتبر نفسها القوة العسكريَّة والدبلوماسيَّة الأهم في المنطقة، فإن تعتبر دورها حاسمًا في حلّ الأزمة في شمال مالي. وتدفع الجزائر بأن لديها جهاز استخبارات قوي له اليد الطولى على تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي الذي ينحدر معظم قادته من الجماعة السلفيَّة للدعوة والقتال، وهو تنظيم جزائري كان نشطًا خلال الحرب الأهليَّة، كما أن تدفع بأن لديها علاقات قويَّة بزعماء الطوارق في شمال مالي، إضافة لامتلاكها حدودًا مشتركة مع جمهورية مالي تزيد على 2000 كيلومتر، وهي الحدود التي تعد المنفذ الأساسي للمؤن والمواد المختلفة - وخاصة البنزين ? للجماعات المسلَّحة التي تسيطر على الشمال المالي منذ حوالي سنة. ورغم أن الموقف الجزائري يرفض من حيث المبدأ أي تواجد عسكري أجنبي في بلدان المنطقة، إلا أن الضغوط الغربيَّة ساهمت، في المدة الأخيرة، في تليين الموقف الجزائري، حيث أعطت الجزائر موافقتها الضمنيَّة على التدخل العسكري في شمال مالي، شريطة أن تقتصر المشاركة في المهمة العسكريَّة المرتقبة على الوحدات الإفريقيَّة فقط، هذا مع استبعاد أي مشاركة للجيش الجزائري في هذه العمليَّة. وخلافًا للموقف الفرنسي لا تستبعد الجزائر الدخول في مفاوضات مع التنظيمات المسلحة المسيطرة على الشمال المالي، وخاصة جماعة أنصار الدين التي تتشكل أساسا من الطوارق، والذين تعتبرهم الجزائر وطنيين ولا رغبة لديهم في الانفصال. وتحتفظ جماعة أنصار الدين بقيادة «إياد آغ غالي» بصلات وثيقة مع المسؤولين الجزائريين، وهي اليوم تعد ثاني أهم تنظيم مسلح في شمال مالي .وتراهن الجزائر على « التحاق جماعة أنصار الدين بالجبهة المعادية للإرهاب « كما يقول محللون غربيون. ويتقاطع الموقف الجزائري مع الموقف الأميركي فيما يتعلق بتوقيت عمليَّة التدخل العسكري، حيث تعتقد واشنطن أن «عملية من هذا النوع تتطلب التخطيط الجيد، ورصد التمويل اللازم، والإعداد الاستخباراتي المناسب « كما يقول «جوني كارسون» أحد مسئولي الخارجية الأمريكيَّة. الشيء المؤكد أن الولاياتالمتحدة التي طالما تعاملت بحذر مع الأزمة في شمال مالي ، قد حسمت اليوم خيارها لصالح التدخل العسكري، ولعل ذلك ما يفسر تعيين الجنرال « رودريكيز « ذي التجربة الواسعة ، على رأس القيادة المشتركة للقوات الأمريكية في إفريقيا. وقال ذ. تاج الدين الحسيني إن المغرب عرف تطورات مهمة، سواء من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة ومدونة الأسرة مثلا، ولاحظنا أن محمد السادس اختار أن ينوه منذ البداية بالمفهوم الجديد للسلطة، على أن تصبح المركزية متجاوزة، ويصبح للأقاليم صلاحية في المشاركة المباشرة في آليات اتخاذ القرار. أما الربيع العربي- يقول الحسيني- فقد مر هادئا في المغرب، وأن المغرب مستمر في مساره على مستوى دمقرطة الحياة السياسية والاجتماعية. أما آدم تيام، فلم يتحرج من اتهام الجزائر بالوقوف خلف تدفق حول تدفق الجهاديين إلى ماليز وقال: «هناك مسؤولون لهم علاقات مع المافيا في شمال مالي، والجزائر في رأيي هو البلد الذي قد نسائله أكثر في دوره المرتبط بتدفق الجهاديين في مالي، لأن الأمراء الكبار يرسلهم الجزائريون وقوتهم تأتي من الجزائر». وذهب تدخل شارل سان برو في نفس المنحى حين أكد أن هناك مسؤولية جزئية من طرف المنتظم الدولي حول ظاهرة تهريب المخدرات، وكذلك حول اتخاذ زمام المبادرة ضد الإرهابيين في المنطقة، فهناك مثلا من أعلن نفسه كدركي المنطقة أي الجزائر، وذلك ما أدى بنا إلى الكارثة الحقيقة، لأن هذا الدركي كان خصما وحكما مهووسا بسياسة معادية للمغرب. متسائلا: «كيف يمكن أن نؤمن أمن المنطقة، وفي نفس الوقت نقوم بقلاقل في كمنطقة الصحراء؟». وقال سان برو إن الجزائر التي أعلنت عن نفسها دركيا للمنطقة، فهي إن كانت قد أفرغت البلد من التهديد الإرهابي، لكن هذا التهديد رحل إلى منطقة أخرى، «إذن فالعامل الرئيسي اليوم لهذه الوضعية هو الجزائر، فتنظيم القاعدة ما هو إلا النسخة الجزائرية للقاعدة». من جهته قال سادو ديالو، عمدة مدينة غاو المالية، « آمل أن ينخرط المغرب في مسار الوسطاء في مالي، لأن الوسطاء الحاليين عوض أن يكونوا رجال إطفاء، يبدو أنهم يزيدون من إذكائها، فالوضعية ما فتئت تتفاقم يوما بعد يوم».