مسنودا بنجاحه الشخصي في الاعمال، لم يتوقف المرشح الجمهوري ميت رومني طيلة حملته الانتخابية عن ابراز كفاءته وقدرته على استعادة الاقتصاد الامريكي لحيويته. تصور واضح ومريح يتناقض مع تصورات مترددة في مجال السياسة الخارجية. خلال المناظرة المباشرة الاولى مع اوباما، بداية أكتوبر، اظهر رومني شراسة هجومية، الا انه خلال المناظرة الثانية المخصصة للملفات الدولية كان أداؤه متراجعا.وهو ما يؤكد ان الاختلافات العميقة داخل الجمهورية في مجال الدبلوماسية بين المحافظين الجدد، والواقعيين والانعزاليين ساهمت في خلط الاوراق. في هذه الورقة ابرز مواقف المرشح الجمهوري تجاه الملفات الدولية الكبرى. الريبة تجاه الأممالمتحدة ورث رومني من سابقيه نوعا من الاحتقار للنظام متعدد الاطراف والأممالمتحدة المؤسسة التي وصفها «بالفشل الكبير» في حوار صحفي سنة 2007. المرشح الجمهوري للرئاسة الذي يوجد الى جانبه كمستشار جون بولتون, السفير الامريكي الاسبق لدى الاممالمتحدة في عهد جورج بوش,من أنصار انسحاب الأممالمتحدة من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة بجنيف, وتعليق المساهمات المالية الأمريكية في صندوق الأممالمتحدة للسكان الذي يتهمه بدعم سياسة الطفل الواحد في الصين. مع موسكو.. الحد الأدنى الضروري العلاقة مع موسكو كانت ايضا مناسبة لمناورة مماثلة. حيث وصفها بالعدو الجيوسياسي. بكلمات قريبة جدا من كلمات ماكين خلال حملة 2008, رغم انه لا يمكن اعتباره من المحافظين الجدد. وتبقى الاحتكاكات والخلافات البنيوية مع موسكو حول مشروع الدرع الاوروبي المضاد للصواريخ، او الظرفية من قبيل ملف ماغنيتسكي المحامي الذي توفي رهن الاعتقال في روسيا والذي يثير تعبئة كبيرة داخل الكونغرس لفرض عقوبات ضد المسؤولين الروس. لكن اجمالا لا يبدو ان رومني وبوتين يقنعان بعلاقات روسية - امريكية في حدودها الدنيا الضرورية. دعم قوي لإسرائيل رومني لم يتردد في ابراز المناورات الروسية المعرقلة حول الملف السوري والايراني. ومواقف المرشح الجمهوري حول البرنامج النووي الايراني المثير للجدل تدفع الاسرائيليين الى الاعتقاد بأن ادارة امريكية بقيادة رومني ستكون اكثر تفهما تجاههم, ولو انهم يعرفون ان تصريحات الحملة الانتخابية ليست بالضرورة من نفس تصريحات الرئيس. وحسب استطلاعات الرأي فإن %57,2 من الاسرائيليين يعتقدون بأن المرشح الجمهوري سيكون افضل للمصالح الاسرائيلية مقابل %21,5 يفضلون باراك اوباما. وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأن ادارة جمهورية ستترك الحبل حول عنق القادة الاسرائيليين . وقد اوضح رومني مؤخرا بخصوص ايران قائلا» نحن مازلنا بعيدين عن الوضع الذي يكون فيه العمل العسكري ضروريا» وخلال المناظرة المباشرة مع اوباما, ندد بما أسماه ضعف الإدارة الديمقراطية دون أن يبدي نوايا عسكرية، كما ان المسؤولين الاسرائيليين يعترفون بأنهم لا يمكن الا ان يكونوا مرتاحين للتضامن الملموس الذي تبديه ادارة أوباما. ومن هذا المنظور, فإن ادارة جمهورية لن تكون مختلفة كثيرا, اللهم بخصوص القضية الفلسطينية. وقد وعد المرشح رومني بذلك: في حالة انتخابه, فإنه لن يتدخل لاستئناف مسلسل السلام. وحكاية العلاقات الايرانيةالامريكية توضح انه في ظل رئاسة جمهورية فإن الولاياتالمتحدة تمارس ضغوطا أكبر على اسرائيل. دعم حذر لباكستان. الى جانب الاسرائيليين, فإن الباكستانيين لن ينظروا بعين غير راضية اذا ما تم انتخاب ميت رومني والسبب بسيط: وصول اوباما الى البيت الابيض ادى الى تدهور عميق في العلاقات الباكستانية - الامريكية والتي بلغت اوجها في الازمة الدبلوماسية التي اعقبت الهجوم العسكري ضد بن لادن في ابوت اباد يوم 2 ماي 2011 وخلال المناظرة حرص رومني على استعمال لغة تتسم بالاحترام تجاه باكستان. لكن هذا الاهتمام سلبي اكثر منه ايجابي: فقد قال المرشح الجمهوري بالحرف: لابد من نزع فتيل قنبلة تهدد بالانفجار. وجدد رومني التذكير بأن باكستان تتوفر على ترسانة نووية قوية في سياق تهديدات جهادية. عدم إثارة اليابان والهند والهند التي لم تتم اشارتها خلال المناظرة التلفزيونية، تاريخيا «تصوت» دائما للجمهوريين وحساسية الديمقراطيين الكبيرة حول قضايا عدم الانتشار النووي احرجت المؤيدين للبرنامج النووي الهندي, اضافة الى أن مواقف أوباما ضد ترحيل الخدمات إلى الهند - خاصة خلال حملته سنة 2008 - وهو ما أزعج نيودلهي، وبشكل متناقض لم يبد رومني اهتماما كبيرا بملف ترحيل الخدمات نحو الهند، وفضل توجيه سهامه نحو الصين وعملتها. وإزاء العملاق الصيني, فإن الهند كما اليابان تشكل أوراقا يجب الحفاظ عليها بالنسبة للإدارات الأمريكية. وبالرغم من الخلافات بين طوكيو واشنطن حول القواعد الأمريكية في أوكيناوا، ولكن بسبب تصاعد التوترات مع الصين، فإن العلاقات تبدو أكثر متانة بين البلدين، لاسيما وأن أوباما أعلن عن إعادة توجيه للاستراتيجية الدفاعية الأمريكية نحو المحيط الهادي، والتي لا يبدو أن رومني سيغيرها إذا ما وصل إلى البيت الأبيض. تجاه الصين الرهان على الصرامة هذا الملف من أكثر الملفات التي ستشكل المحك. إذا ما فاز رومني فهل سيعلن الصين كبلد يتلاعب بالعملات؟ وقد كرر المرشح الجمهوري هذا التهديد. في الواقع القضية ثانوية بالنسبة للصينيين: فالمسطرة التي تقود الى تحديد دولة ما كدولة تتلاعب بالعملة مسطرة طويلة، وبكين تعرف جيدا بأن سيناريو إعادة تقييم عملتها بشكل عنيف يتعرض لانتقادات من عدد كبير من الاقتصاديين الأمريكيين. وإذا ما تم انتخاب ميت رومني، فإنه بإمكان الصينيين في الواقع أن يتوقعوا إجراءات عقابية ملموسة ضد اقتصادهم. وهذا هو الإنطباع الذي تركه قانون «»الحزم»« الذي وقعه أوباما خلال ولايته، وقد أشارت صحيفة «»دايلي شاينا»« يوم 2 نونبر أن إدارة أوباما رفعت دعاوى أمام منظمة التجارة العالمية منذ 2009 أكثر مما رفعت إدارة بوش خلال ولايتين«.» كما أنه إذا تم انتخاب رومني ,فإن الصينيين سيتخلصون من الدبلوماسية التي قادتها هيلاري كلينتون، والواقع أن بكين لا تتحمس تجاه السيدة كلينتون منذ تكلفت كلينتون ونائبها المكلف بقضايا شرق آسيا والباسفيك، كورت كامبيل، »بالسياسة الصينية قبل أكثر من سنة وقد تأثرت بذلك العلاقات الصينية الأمريكية«. قضية حقوق الإنسان التي توارت إلى الظل طيلة السنتين الأوليتين في ولية أوباما، عاد الملف بقوة إلى واجهة العلاقات بين البلدين, لكن من زاوية أخرى تتعلق »بحرية المواطن في التواصل عبر الشبكة العنبوتية« التي تدافع عنها هيلاري كلينتون منذ 2010.. وقضية غوغل. في الصين، هذه المقاربة خلقت اختراقا أمريكيا هائلا لدى صناع الرأي في الصين. وإذا ما تم انتخاب ميت رومني، فإنه لن يخلق متاعب للرئيس الصيني المقبل وأوباما يبقى المرشح المفضل للطبقات المتعلمة في الصيني، أي الفئات التي تستعمل عالم المدونات الصيني (الويبو). وأوباما يحظى بكاريزما تزعج بكين: فهو يثير لدى شريحة من الصينيين الرغبة في أن يكون لهم »رئيس يستحق هذا الإسم«, ومثل بوش وجود رئيس »»غير محبوب»« في البيت الأبيض مثل رومني مرغوب به في دوائر القرار في بكين. افريقيا المنسية افريقيا، التي لم تتم الأشارة إليها خلال المناظرات التلفزيونية، باستثناء مالي التي أثارها المرشح الجمهوري، تنتظر من أوباما أن يكون »رئيسا افريقيا»«، لكن ذلك لم يحدث ولكن مع رومني, فإن القارة قد لا تكون أولوية إلا من خلال الملفات التقليدية لمكافحة الإرهاب أو الوصول الى الموارد (في إطار المنافسة مع الصين)، مصحوبة بمواقف ايديولوجية حول دور الولاياتالمتحدة، وعلى موقعه على الانترنيت، تعهد المرشح الجمهوري بحل مشكل »الأنظمة العاجزة و المستبدة« مثل السودان وزمبابوي أو جمهورية الكونغو الديمقراطية. ولكن لماذا لم يذكر أنظمة أو رؤساء آخرين ,خاصة الذين يوجدون على رأس دول بترولية؟ الجواب واضح الوصول إلى الموارد يقتضي تريتا وحذرا كبيرين تجاههم. ففي منطقة البحيرات الكبرى تقلبت السياسة الأمريكية وفق آخر الرؤساء, فالديموقراطيون كانوا في عهد بيل كلينتون حلفاء لرواندا بينما الجمهوريون خلال ولاية جورج بوش الأولى راهنوا على جوزيف كابيلا ,معتبرين أن المصلحة الجيوستراتيجية للولايات المتحدة توجد في كينشاسا المفتاح للوصول الى الموارد المنجمية، وفي حالة فوز الجمهوريين فإن الكونغو ورئيسها قد لا يحظى بنفس العطف. الغموض حول امريكا اللاتينية: الغائب الآخر عن النقاشات، البرازيل التي لا تتوقع تغييرات كبيرة في حال فوز المرشح الجمهوري، فلم يتحدث ميت رومني ولو مرة واحدة عن البرازيل خلال الحملة. وبرنامجه حول السياسة الخارجية لا يشير لأمريكا الاتينية إلا بكلمات عامة وفضفاضة، مركزا بشكل خاص على التهديد الذي يمثله شافيز في فنزويلا أو مخاطر تجارة المخدرات في بوليفيا، والبرنامج ينظر إليه كرغبة في مواصلة سياسة رد فعل فقط تجاه أمريكا اللاتينية. والعنصر الوحيد الملموس هو أن المرشح الجمهوري طرح فكرة تكثيف الاتفاقيات التجارية مع البلدان اللاتينية. وفي هذا المجال كما في العديد من الميادين, لن يغير ميت رومني جوهريا السياسة الأمريكية ولكنه في المقابل سيمثل انتخابه قطيعة جوهرية من حيث الأسلوب والصورة. عن لوموند بتصرف