تشيع الجزائر اليوم رئيسها الأسبق الشادلي بنجديد, الذي أسلم الروح لباريها السبت الماضي عن عمر يناهز 83 سنة، وتكون الجزائر بذلك قد ودعت منذ استقلالها أربعة من رؤسائها الذين حكموها في العقود الثلاثة الأولى, بعد أن رحلت فرنسا عن هذا البلد المغاربي سنة 1962. جاء الشادلي بنجديد إلى قصر المرادية بعد وفاة الرئيس الهواري بومدين في بداية 1979 . تسلم البلاد في ظروف إقليمية ودولية أبرزها حالة التوتر مع المغرب بسبب معاداة الجزائر للوحدة الترابية ومناهضتها لها في استرجاع أقاليمها الصحراوية . ولأنه من إفراز توافقات المؤسسة العسكرية التي تمسك بخيوط اللعبة السياسية ، فإن الشادلي واجه صعوبات في اتخاذ القرارات بمعزل عن تأثير الجنرلات وبخاصة أعمدة المخابرات العسكرية . وقد بدت الصورة واضحة في الملفات الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية . فالتركة التي ورثها عن سلفه بومدين كانت مثقلة بالمشاكل الاجتماعية والبنيوية لم تستطع تلك الصورة الدبلوماسية التي رسمتها الجزائر في المحافل الدولية من حجبها . في السنوات الثلاث عشرة التي قضاها الشادلي بنجديد رئيسا ,هناك أربع محطات كبرى سيذكره بها التاريخ وسيستعيدها الجزائريون كلما تذكروا عقد الثمانينات من القرن الماضي . أولا، إن بنجديد فتح الحقل السياسي للتعددية ، لقد أحكمت جبهة التحرير الوطني قبضتها على البلاد من استقلالها واحتكرت كل المناصب والامتيازات والاعلام والمؤسسات ... وكانت أحداث اكتوبر 1988 التي تحل ذكراها هذا الاسبوع منعطفا حاسما أعادت فيه الجزائر صياغة دستورها وفتح الباب لتأسيس الاحزاب واصدار الجرائد بعيدا عن وصاية الجبهة . ونذكر أنه في نهاية الثمانينات كان هناك مايقارب المائة حزب فتحت أبوابها خاصة بالعاصمة بنوايا سياسية وشخصية . ومن أبرز الأحزاب التي تم تأسيسها جبهة الإنقاذ الإسلامية. ثانيا، أقدم بنجديد على الاقتراب خطوات من المغرب بعقده لعدد من القمم مع الراحل الحسن الثاني في وجدة أو الرباط . وتم وضع العلاقات الثنائية فوق طاولة هذه القمم , بالرغم من العراقيل التي وضعها عدد من جنرالات المؤسسة العسكرية، لكن إبن الطارف وهي الولاية التي ولد بها سنة 1929 ، مضى قدما نحو حسن الجوار بين بلدين جمعت بينهما ليس فقط الجغرافيا،بل التاريخ والنضال المشترك ضد الاستعمار. ثالثا، وكامتداد لهذا التقارب, جاء بنجديد الى مراكش ليؤسس اتحاد المغرب العربي في فبراير 1989 . وهي الخطوة التي فتحت آمالا كبيرة بالمنطقة المغاربية وفتحت معها الحدود بين المغرب والجزائر التي كانت مغلقة منذ منتصف السبعينات. رابعا ، تنظيمه لأول انتخابات تعددية محلية وتشريعية بالرغم من ضغط قوة جبهة الانقاذ الاسلامية ، وهما الاستحقاقان اللذان حصد فيهما حزب عباس مدني الاغلبية المطلقة . وقد نجم عن نتائج الدور الأول في انتخابات المجلس الشعبي الوطني(البرلمان) في دجنبر 1991 إلغاء الدور الثاني وإقالة الرئيس الشادلي بنجديد ودخول البلاد للعشرية السوداء التي حصدت أرواح مايفوق 250 ألف جزائري جراء انتشار الجماعات المسلحة في طول البلاد وعرضها. وهي العشرية التي تم فيها اغتيال المئات من مثقفي الجزائر وصحفييها وسياسييها وحقوقييها ...وقرى بأكملها. يوم أمس استعادت وسائل الإعلام بعضا من مميزات مرحلة الفقيد .واصفة إياه برجل الانفتاح وأب التعددية» و«هو من أعاد علاقة الأخوة مع المغرب». فرحمة الله عليه وكل العزاء لعائلته وللجزائريين الذين ساندوه في مواقفه ووقفوا معه في محنه.