لا يمكن أن تبحث في المحكمة عن الحقيقة، لا يمكن أن تبحث هناك عن العدل، ولكن يمكن أن تبحث عن المزاج وتجده طبعا. المزاج طبيعة المحاكم، عندما تكون مجرد حيطان يسكنها هاتف، ورنين بعيد يهز الممرات ويهز الأفئدة. المزاج، أيضا، طبيعة، بفصولها، الربيع والخريف والشتاء والصيف، وبنباتها وخشخاشها.. والمزاج هو الذي يفسر كيف أنه تم اعتقال السيد الحريشي، من نقابة الاتحاد المغربي للشغل العتيدة، وتم توجيه تهم يشيب لها الولدان، تهم تبدأ من المس بالأمن الداخلي للدولة ولا تقف عند التعامل مع جهات أجنبية ومساعدة العدو (الاقتصادي، من حسن حظه)! فمن يستطيع أن يفهم كيف أن الرجل، قضى شهورا في الاعتقال، وهو ينام ويستيقظ على شبح الإعدام، والمقاصل، وكلما سمع صليل زنزانته، قال إن الجلاد قادم، ينام ويصحو، وهو في جلد رجل يحسب الأيام قبل أن ينطق في حقه حكم بالإعدام. هو الرجل نفسه الذي يتابع الآن بتهمة عرقلة العمل، وكأن الذهاب، إلى ميناء الدارالبيضاء أو طنجة يساوي جلسة عمل سرية مع مخابرات الغيستابو! أي فهم سليم هذا الذي يجعل تهمة تقود إلى الإعدام، تتحول إلى تهمة تقود صاحبها إلى مجلس تأديبي!!!! ليس السؤال المهم هو: هل الرجل بريء؟ لكن السؤال الأهم هو: هل حافظ على سلامته العقلية والبدنية؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فإنه واحد من ثلاثة رجال: إما أنه رجل مؤمن بشكل صوفي ببراءته، وإما أنه رجل قوي العزيمة والبنية النفسية .. وإما أنه مغربي أكثر منا جميعا، وكان يعرف منذ الأول أنها كاميرا خفية.. وأن المسرحية لن تطول!! (سؤال آخر يراودكم: من يقف وراء الكاميرا يا ترى؟) بودي لو أعرف، لكن أفكر في الوزير مصطفى الرميد الذي وعدنا باستقالته إذا ما تعرض أحد للظلم في قضاء هو يسعى إلى إصلاحه. الآن، عليه أن يتوجه إلى مقر نقابة موخاريق، ويعلن من أمام الباب رقم 4 : إنني أقدم استقالتي. لأن ما نشاهده لا يرقى إلى سيناريو، ولا حتى إلى سكيتش هزلي. كيف نفكر أن الحقيقة توجد الآن في ما سيأتي، لا سيما في ملف السيد توفيق الإبراهيمي الذي يقف الآن في انتظار أن تنزل درجة الزلزال الذي أصابه على سلم رايشتر؟ هو، أيضا، من حقه أن ينتظر أن يصبح بلا قضية تقوده إلى المشنقة! هو، أيضا، سيعود إلينا، كما عاد خالد الودغيري، سليما معافى، أدخلناه إلى السجن، فإذا به يخرج أبيض بدون سواد، كيد موسى في الآيات الكريمة! هو، أيضا، يمكنه أن يأمل، ويمكنه أن يسأل، ويمكنه أن يحدث نفسه، بمقلب سيزول أثره. ما المانع يا ترى، إذا كانت القضية كلها «مزاج في مزاج»؟ (الغريب أن مزاج قريبة من مزاح). مازلنا نذكر كيف أن الاعتقال و نصب المشانق وتركيب العدل والمزاج في معادلة مغربية، أدخل أناسا وأخرجهم في رمشة عين، ثم من بعدها رأينا كيف تعود الأمور إلى ... نصابها الأول، ثم يعض الثعبان ذيله ونحصل على الدائرة المفرغة التي ندخلها باسم الحق وباسم العدل، وباسم محاربة الفساد ومحاربة العدو الذي يتسلل إلينا من ملفات سريعة التصنيع!!