أولا النجاعة القضائية و إصلاح منظومة العدالة : أية علاقة ؟ لقد دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاب العرش لسنة 2008 لحوار واسع لبلورة مخطط مضبوط لإصلاح عميق للقضاء، ثم جدد جلالته المحاور الأساسية لهذا الإصلاح في خطابه الموجه للأمة في 20 غشت 2009. كما حرص جلالته على تتويج هذا المسار الإصلاحي بمقتضيات الدستور الجديد للمملكة التي نصت على ضمان استقلال القضاء و تكريسه كسلطة مستقلة قائمة الذات عن السلطتين التشريعية و التنفيذية، كما نصت على إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية برئاسة جلالته، و على حقوق المتقاضين وعلى قواعد سير العدالة و كذا على دور القضاء في حماية الحقوق و الحريات، ثم ذكر جلالته بكل ما سلف في كلمته السامية بمناسبة تنصيب أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة بالدارالبيضاء 8 ماي 2012 حيث أكد جلالته على المقتضيات الدستورية باعتبارها مرجعيات أساسية للحوار الوطني الذي يريده جلالته مناسبة لتأكيد تشبث المغاربة بالنموذج الديمقراطي التنموي المغربي المتميز، و من هذه المرجعيات النص على حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة و ضمان ذلك و التي لا تتحقق إلا بتفعيل دور القضاء في حماية هذه الحقوق و لا سيما من خلال الرفع من النجاعة القضائية. لذلك تبرز علاقة رفع موضوع رفع النجاعة القضائية بمرجعية التنصيص على حقوق المتقاضين و دور القضاء في حمايتها و بتفعيل قواعد سير العدالة التي تعتبر إحدى أساسيات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة. ثانيا : مفهوم النجاعة القضائية. النجاعة القضائية أو الفعالية في الأداء القضائي أو المردودية القضائية أسماء مختلفة لمعنى واحد يتمثل في سلوك أيسر المساطر القانونية في أسرع الآجال لتحقيق العدالة و توزيعها على المتقاضين إنهاء للخصومة القضائية مما تكون معه النجاعة القضائية أسلوب عمل يتضمن هدفا أو غاية، فأما الأسلوب فيجب أن يكون ميسرا، سريعا، و أما الغاية فهي إنهاء الخصومة في أسرع وقت ممكن وفق قواعد قانونية عادلة . و على هذا الأساس يكون معنى النجاعة القضائية في باب قضاء الحكم تمكين المتقاضي من حكم قابل للتنفيذ في أسرع الآجال و تنفيذ هذا الحكم بالفعل حيث لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له. أما في باب قضاء النيابة العامة فالنجاعة القضائية لا تعدو أن تكون تدخل هذا الجهاز في الوقت المناسب و بإجراءات حاسمة لضبط المخالفين للقانون و تقديمهم للعدالة في احترام تام لضمانات المحاكمة العادلة و ترشيد الإعتقال و تفعيل الإجراءات الاحترازية في أقرب الآجال و التقدم بملتمسات واضحة إلى المحكمة و المساهمة في تفعيل مسطرة التنفيذ ... و أما في باب قضاء التحقيق فتعني النجاعة القضائية تقمص قاضي التحقيق لجبة قاضي النيابة العامة حينما يبحث على وسائل إثبات الفعل و لجبة قاضي الحكم حينما يراعي وسائل نفي الفعل مع التقيد بالأصل في المسطرة الجنائية و تغليبه على الاستثناءات الواردة عليه، فلا يغرق في سلوك مسطرة الاعتقال الاحتياطي ولا يتقيد بجميع ما يقدم إليه من ملتمسات و إلا صار أداة للتنفيذ لا قاضيا للبحث والتحقيق. ثالثا : مظاهر عدم تحقيق النجاعة القضائية : تختلف مظاهر عدم تحقيق النجاعة القضائية باختلاف الهيئة القضائية و الجهة المساعدة للقضاء. لذلك أكتفي ببيان بعض هذه المظاهر على أربع مستويات و هي قضاء الحكم و قضاء النيابة العامة و قضاء التحقيق و كتابة الضبط : 1 - على مستوى قضاء الحكم : تتعدد مظاهر عدم تحقيق النجاعة القضائية عند هذا المستوى. لذلك أكتفي باستعراض بعضها كالتالي : أ - طول الإجراءات المسطرية و بطؤها لأسباب كثيرة كتأجيل اللفات لأسباب غير وجيهة و تباعد آجال إدراجها بالجلسة و تمديد المداولات و التأملات لأسباب غير وجيهة و عدم إحالة الملفات على الجلسة بعد انتهاء مسطرة الأجل و عدم تعيينها من لدن القاضي المقرر بعد استنفاد إجراءات الخبرة ... ب - الوقوف عند ظاهر النص القانوني و عدم سبر أغواره للوقوف على نية المشرع و من ذلك التشبث بطلب الإذن بزواج القاصر أو الطرف الأجنبي في الزواج المختلط أو التشدد بضرورة وجود شاهدين مسلمين في الزواج المنعقد بالخارج على الرغم من ثبوت الدخول و إنجاب الأطفال حيث يتحول الأمر واقعا و قانونا إلى حالة من حالات ثبوت الزوجية. ج - تجاوز بعض النصوص الآمرة كمقتضيات الفصل 234 من قانون الالتزمات و العقود التي توجب على المدعي تنفيذ التزامه التعاقدي أولا أو عرض الوفاء به على الطرف الآخر قبل رفع دعواه أمام المحكمة بإتمام التعاقد أو فسخ العقد أو مباشرة أي دعوى أخرى ناشئة عن الالتزام التعاقدي. و قد أدى هذا التجازو إلى صدور أحكام مجحفة و من ذلك صدور حكمين لفائدة منخرط واحد بإفراغ منخرطين آخرين دون توفره على الصفة و دون أن ينفذ أولا التزاماته اتجاه إحدى التعاونيات السكنية. ح - تفويت فرصة التقاضي على المتقاضين بسبب صدور أحكام قضائية برفض الطلب بدل عدم قبوله. خ - التنازل الضمني لبعض الهيئات القضائية عند دورها كجهة قضائية من خلال تكليفها لبعض الخبراء ببعض المهام ذات الطبيعة القضائية أكثر منها تقنية و عدم تفعيل مسطرة إنذار الخبراء المتهاونين في إنجاز مهماتهم و تكرار ذلك تحت طائلة عدم تعيينهم لاحقا. د - عدم تفعيل مسطرة المقرر في جميع المحاكم الابتدائية. ذ - غياب الحكامة في توزيع الملفات المحالة على الهيئات القضائية حيث تتباين الهيئات في ما بينها بحسب عدد الملفات المحالة. و - تعثر إجراءات التبليغ بسبب عدم إتمام البيانات القانونية بشواهد التسليم ورجوع الإشعار بالتوصل المنجز من قبل إدارة البريد على وجه غير قانوني وتراكم الاستدعاءات على أعوان التنفيذ و تلكئ بعضهم في القيام بالواجب. ر - صدور أحكام قضائية ببطلان إجراءات التبليغ أول التنفيذ لأسباب غير مقنعة بعد استغراق القضية موضوع ملف التنفيذ لأوقات طويلة. ز - عدم تفعيل مسطرة القيم. ي - إَصدار أحكام تمهيدية في قضايا يتبين من خلال الاطلاع عليها أنها توجب الحكم بعدم القبول بداية. 2 -على مستوى قضاء النيابة العامة : أ- من مظاهر عدم تحقيق النجاعة القضائية على هذا المستوى ضعف تدخل بعض النواب في صنع القرار بسبب هيمنة بعض المسؤولين القضائيين على ذلك، بشكل يغيب دور النواب و يذيب شخصياتهم فلا يشيرون و إن أشاروا فلا يؤخذ برأيهم فتضيع عليهم فرصة التكوين و الإعداد لتحمل المسؤولية و كم من إجراء تعطل بسبب انتظار تدخل المسؤول القضائي إلى حد أن منهم من تولى بنفسه تصريف عمل الديمومة اليومية بنفسه عبر هاتفه وبل و زاد بتوجيه تعليماته إلى الضابطة القضائية لمخاطبته لوحده. إن المسؤول القضائي إنسان يخطئ و يصيب، فإن يخطئ فلا أحد يصوب، و إن استشار فلن يشار عليه بصدق و أمانة لأنه صبغ عمل النيابة العامة بلون خاص به، يتم إضعاف الرأي لدى النائب و إضعاف شخصيته و يفقده القدرة على النقاش و الإقناع و اتخاذ القرار في الوقت المناسب و يضعف في الأخير من فرص الرفع من النجاعة القضائية. ب- عدم تفعيل مسطرة الصلح ج- انتفاء الجرأة لدى البعض من أجل التدخل الحاسم في الوقت المناسب بإجراءات صارمة تحد من آثار الفعل الجرمي كما في قضايا معاودة انتزاع الحيازة ... د- الإفراط في الاعتقال. ر- كثرة المتابعات و لو خلت بعض الملفات من وشائل الإثبات. و- عدم مواكبة و مراقبة مدى تنفيذ الضابطة القضائية لتعليمات النيابة العامة وعدم تحديد سقف زمني معقول لتدبير الشكايات المحالة على الضائظة المذكورة و تعطيل إجراءات النيابة العامة بسبب إحاة الشكاية على العمادات المركزية بمناطق الأمن عوض إحالتها مباشرة على الدوائر الأمنية. ي- الإغراء في إحالة بعض القضايا على قضاء التحقيق. 3 -على مستوى قضاء التحقيق : أ- من مظاهر ضعف النجاعة القضائية هيمنة جهاز النيابة العامة على قضاء التحقيق بموجب نصوص قانونية من قبيل اختيار القاضي المكلف بالتحقيق لإحالة بعض الملفات عليه دون غيره من قضاة التحقيق الآخرين. ب- الإفراط في الاعتقال الاحتياطي و كأنه الأصل في التحقيق. ج- تقمص قاضي التحقيق لصفة قاضي النيابة العامة الذي يبحث في الغالب عن وسائل إثبات الفعل الجرمي دون وسائل نفيه في آن واحد. د- نتائج التحقيق الإعدادي لا تأتي بجديد لا سيما على مستوى المحاكم الابتدائية. ي- إمثتال بعض قضاة التحقيق لجميع ملتمسات النيابة العامة في غياب واضح لذاتية قاضي التحقيق و لمهمته. 4 - على مستوى كتابة الضبط و كتابة النيابة العامة : أ- إدماج أطر من خارج قطاع العدل دون إخضاعهم لفترات تكوين كافية، لا سيما الأطر التي لا تتوفر على مكونات و تكوين قانوني. ب- إدماج فئات من حاملي الشواهد العليا بالقطاع المذكور ممن يتوفرون على مؤهلات علمية لا علاقة لها بقطاع العدل. ج- وجود جو سائد لدى بعض الموظفين لكونهم فئات غير معنية بتوزيع العدالة وأنهم فقط أداة لتنفيذ مهام وظيفية. ي- عدم تفعيل دور بعض النقابات في بيان واجبات الموظف بنفس المقدار التي تراهن فيه على بيان حقوقه فقط. رابعا : ما هي أسباب عدم تحقيق النجاعة القضائية ؟ . أسباب عدم تحقيق النجاعة القضائية كثيرة و متنوعة ، لذا سأبدي بعد هذه الأسباب فقط و سأوزعها على أربع محاور تخص قضاء الحكم و قضاء النيابة العامة وقضاء التحقيق و كتابة الضبط، وذلك بعد أن أتعرض أولا للأسباب العامة المعيقة لتحقيق النجاعة القضائية. 1 ? الأسباب العامة المعيقة لتحقيق النجاعة القضائية. أ - لا يمكن الحديث عن رفع النجاعة القضائية دون الحديث عن تأهيل الموارد البشرية و الرفع من جودتها و على هذا لم يعد اليوم مقبولا على الإطلاق قبول الإجازة في الحقوق أو في الشريعة الإسلامية أو ما يعادلهما لاجتياز مباراة الملحقين القضائيين و قبول انخراط المترشحين لشغل منصب كاتب الضبط ممن يتوفر على مؤهلات أخرى قد تسعفه للعطاء أكثر لو تم تعيينه في القطاع المعني بتخصصه و مؤهلاته. إن القانون كالطب، فن و مهنة، تستدعيان قبول النجباء ممن تتوفر لديهم الكفاءة أولا و إلا أسندنا الأمر إلى غير أهله و لن يفيد الدواء لمن يحتضر! ب - أما ثاني الأسباب العامة المعيقة لتحقيق النجاعة القضائية فتتعلق ببرامج التكوين بالمعهد العالي للقضاء التي حان الوقت لمراجعتها و تغليب الجانب العملي أكثر على الجانب النظري و اختيار النخبة لتأطير الملحقين القضائيين. ج ? غياب إستراتيجية واضحة لموضوع التكوين المستمر للسادة القضاة الممارسين حيث تستدعي قضاة مادة معينة لموائد مستديرة و ندوات تتعلق بمواد أخرى، كما يستدعي لها مؤطرين غير مؤهلين للتأطير فيضيع الوقت و الجهد هباءا لا طائل منه. ح - عدم الحسم في مسألة التخصص، حيث بات مطلبا أساسيا لا محيد عنه، غير أني أدعو إلى الأخذ به بعد أن يتمرس القاضي و يطلع على جميع المواد. . خ - كذلك يعتبر موضوع الجمعيات العمومية بمحاكم المملكة من الأسباب المعيقة لتحقيق النجاعة القضائية حيث تسند اختصاصات لقضاة معينين في غياب تام لأسس علمية أو عملية، و لن أطيل في هذا السبب لأنه معلوم لدى الجميع يكفي أن أشير إلى أن هناك قضاة دكاترة يتولون البت في قضايا الحالة المدنية و قضاء القرب بعلة أن هذه المواد هي السهل الممتنع!. د - قصر مدة التكوين لمن التحق بسلك القضاء من المهنيين و الموظفين، لذلك ندعو إلى مراجعة مدة التكوين وما يدرس خلالها. ذ - يضاف إلى هذا أن الخريطة القضائية للمملكة لم يطلها التعديل و المراجعة على الرغم من مرور زمن غير هين و أسفرت عن لا توازن قضائي أثر على المردودية و النجاعة القضائية و لا أدل على ذلك أن المحكمة الزجرية بعين السبع تعالج جميع القضايا الجنحية لمدينة الدارالبيضاء الكبرى التي يبلغ تعداد سكانها قرابة ستة ملايين نسمة و أن تغطي المحكمة التجارية و محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء قطاعا ترابيا يمتد إلى ما وراء مدينة الجديدة و يتوسع إلى ما بعد مدينة خريبكة... و - من الأسباب العامة كذلك ضعف عدد الموارد البشرية من قضاة و موظفين وأعوان و لا سيما أعوان السخرة اللذين تقدر الاستغناء عنهم، فاضطرت بعض المحاكم إلى الاستعانة بحراس الأمن الخاص لتسهيل مهمة انعقاد الجلسات. ر - كذلك يطرح موضوع تخليق القضاء كسبب مهم في عدم تحقيق النجاعة، حيث لا يمكن الحديث إطلاقا عن أي نجاعة ما لم يتم تخليق مرفق العدالة. ز - غياب الحافز المادي للسادة القضاة و عدم ترشيد الموارد البشرية بتقاسم عادل للأعباء القضائية حيث يعالج بعض القضاة ثلتي ما يعالجه قضاة آخرون. ي - وأخيرا و ليس آخر الأسباب، لابد من أن أشير أن بعض النصوص القانونية ذاتها لا تسعف في تحقيق النجاعة القضائية كمدونة السير التي فتحت المجال أمام الاحتفاظ برخص السياقة لدى الشرطة أو الدرك الملكي لآماد طويلة قد تصل إلى الشهر يضاف إليها آماد إحالتها على النيابة العامة ثم إحالة الملف على قاضي الحكم للبت في طلب إرجاع رخصة السياقة، و كالقواعد المضمنة لجنوح الأحداث التي تقيم مفارقة عجيبة تجعل وضعية القاصر أحرج من وضعية الراشد و من ذلك أن يحال الراشد على الجلسة في حالة سراح أولا، لينتظر الحدث ساعات عديدة حتى يحال على قاضي الأحداث ليقرر في قضيته. 2 ? الأسباب الخاصة بعدم تحقيق النجاعة القضائية على مستوى النيابة العامة: هناك أسباب لعدم تحقيق النجاعة القضائية خاصة بجهاز النيابة العامة أذكر منها ما يلي : أ ? هيمنة بعض المسؤولين القضائيين على مصدر القرار و تغليب وجهة نظرهم على وجهة نظر نوابهم مما يضعف رأي و شخصية النواب، فلا يناقشون و إن ناقشوا لا يؤخذ برأي الكثير منهم، و هذا يساهم في اختلال على مستوى جهاز النيابة العامة فلا يستطيع أحد الحسم في قرار معين في وقت معين إلا إذا رجع إلى المسؤول و لو كان في عطلة قضائية مما يضيع فرص الحسم المناسب في الوقت المناسب في إجراء معين و يقلل من فرص المشاورة و التشاور و تفاعل الآراء وقد تبث علميا أن الاستفراد بالرأي غالبا ما يضعف فرصة نجاح القرارات يتعلق الأمر بالإنسان الآدمي الذي يصيب و يخطئ. ب ? شيوع فكرة أن النيابة العامة تتابع كلما شكت و لو خلا الملف من وسائل الإثبات، حيث تضيع فرصة تقديم الملفات متكاملة من حيث وسائل الإثبات مما يساهم في إفلات بعض المخالفين للقانون من المسؤولية و يراكم الملفات على قضاء الحكم. ج ? عدم إشراك النواب في الموائد المستديرة التي تنظمها وزارة العدل والحريات مع المسؤولين القضائيين و لو بمعدل نائب واحد عن كل محكمة حتى تتاح فرصة أكبر للإطلاع على سياسة الوزارة الجنائية و إطلاع النواب الآخرين و صقل مواهبهم و إمكانياتهم، و كذا عدم إطلاع بعض المسؤولين القضائيين لنوابهم بما تسفر عنه هذه الموائد المستديرة. و ? عدم تخصيص ندوات خاصة بقضاة النيابة العامة برئاسة المسؤول القضائي بمحاكم الاستئناف أو المسؤولين على مستوى الإدارة المركزية لتوسيع دائرة المشاركة و التأهيل و التكوين و التكوين المستمر. ر ? تداخل الاختصاص أحيانا في عمل بعض النيابات العامة كما في المحكمة المدنية بالدارالبيضاء و المحكمة الزجرية بنفس المدينة على مستوى تنفيذ الأحكام المدنية أو الأحكام الصادرة في الدعاوي المدنية التابعة، حيث تتعطل إجراءات التنفيذ لعدم تدخل النيابة العامة المدنية بصرامة لقوة قاهرة تكبل يديها و تتمثل في أن الإجراءات الردعية من اختصاص النيابة العامة بعين السبع و ? اتساع دائرة المحكمة الزجرية بعين السبع، جعل المسؤولين يحيلون الشكايات على العمادات المركزية لمناطق الأمن عوض إحالتها مباشرة على الدائرة الأمنية المختصة ربحا للوقت و تفعيلا للقواعد المسطرية، مما يعطل عملية معالجتها والبت فيها في الوقت المناسب و هذا مما يضعف من نجاعة النيابة العامة. 3 ? الأسباب الخاصة بعدم تحقيق النيابة القضائية على مستوى قضاء التحقيق. من أهم أسباب عدم تحقيق النجاعة القضائية على مستوى جهاز قضاء التحقيق أذكر ما يلي : أ ? هيمنة فكرة الاعتقال الاحتياطي أولا و تقديمها على السراح و بهذا تسلب حرية الكثير من المواطنين اللذين تبرأ ساحتهم بعد آماد طويلة. ب ? سلوك مسطرة قضاء التحقيق في قضايا لا تحتاج إلى تحقيق لوضوح عناصرها منذ البداية رغبة في ربح هامش من الزمن للبحث مع المتهمين، حيث ينقلب هاجس ربح الهامش المذكور هدفا أكبر من هدف اللجوء إلى التحقيق و هو تمحيص القضايا و البحث عن وسائل إثبات و نفي الفعل الجرمي، و بهذا تضعف فعالية التحقيق الإعدادي و ينظر إليه كأنه وسيلة للإوجاع و ليس وسيلة للتحقيق. ج ? تقمص بعض قضاة التحقيق لصفة قاضي النيابة العامة، فلا يبحث عن وسائل الإثبات و دلائل نفي الفعل عن المتهم في نفس الآن، و هذا هو عمله الحقيقي، وإنما يبحث فقط عن وسائل إثبات الفعل فيخرج عن عمله الصميم إلى عمل لم يخلق له، مما يضعف من فعاليته. د ? هيمنة جهاز النيابة العامة على قضاء التحقيق، و لا أقصد الهيمنة المشروعة بنص القانون فقط من قبيل قدرة النيابة العامة على اختيار القاضي و إحالة قضايا معينة عليه دون غيره، أو ممارسة الطعن بالاستئناف في قراراته أو التقدم بملفات واضحة في هذا الصدد و إنما أقصد الهيمنة المبطنة غير المفهومة بما تملكه النيابة العامة من نواب متعددين و موظفين أكثر مما يملك قاضي التحقيق و سلطة مباشرة على الضابطة القضائية. و ? عدم تمكين قاضي التحقيق من وسائل العمل الضرورية و عدم تفعيل صفته كضابط سام للشرطة القضائية. 4 ? الأسباب الخاصة بقضاء الحكم تختلف الأسباب المتعلقة بعدم تحقيق النجاعة القضائية الخاصة بقضاء الحكم عن الأسباب المعيقة للنجاعة القضائية الخاصة بقضاء النيابة العامة و قضاء التحقيق. لطبيعة قضاء الحكم المختلفة و التي لسنا بمناسبة توضيحها لعدم تعلق الموضوع بها. و هكذا نجد من الأسباب المعيقة لتحقيق النجاعة القضائية على مستوى هذا الجهاز ما يلي : أ ? بطء إجراءات و طول المساطر التي سيساهم بعض المتدخلين و المساعدين للعدالة و بعض القضاة أنفسهم و بعض الموظفين في تمطيطها و من ذلك تمديد المداولات لأسباب غير معقولة و تأخير الملفات بناء على طلبات الدفاع لأسباب غير وجيهة و عدم تفعيل مسطرة الاستدعاءات و التبليغات و عدم تعاون بعض رؤساء كتابات الضبط للمحاكم التابعة للدائرة الاستئنافية في تبليغ الاستدعاءات المتعلقة بالمحاكم المنيبة. ب ? عدم تفعيل مسطرة المقرر في جل المحاكم الابتدائية إن لم أقل كلها. ج ? عدم تفعيل مسطرة القيم من طرف بعض النيابات العامة. د ? إصدار أحكام تمهيدية في قضايا لا تحتاج إلى إصدار مثل هذه الأحكام لتنتهي في الأخير بعدم قبول الطلب. و ? تعيين خبراء بموجب أحكام تمهيدية لا علاقة لتخصصهم بالنزاع موضوع الخبرة. ر ? صدور أحكام غير واضحة في منطوقها أو تحمل أسباب عدم تنفيذها كما في قضايا القسمة حتى تقضي هذه الأحكام بانتهاء حالة الشياع و فرز النصيب في عقارات يستلزم تقسيمها إذن من السلطات الإدارية. ز ? عدم تفعيل بعض النصوص الآمرة مما يترتب عنه صور أحكام متناقضة يستحيل تنفيذها للتناقض المذكور كصدور حكمين قضائيين لفائدة منخرط و حيد بتعاونية سكنية بإفراغ شقتين حيث حصل على أكثر من حكم بإفراغ عدة أشخاص بسبب عدم تفعيل محاكم الموضوع لمقتضيات الفصل 234 من قانون الالتزامات و العقود التي توجب على المتعاقد رافع الدعوى القضائية تنفيذ ما عليه أولا أو على الأقل عرض الوفاء بالتزامه أولا. ن ? عدم البحث عن الإرادة الحقيقية للمشرع و نيته و الوقوف عند ظاهر النصوص و من ذلك النظر إلى طلب التعدد بمثابة دليل قطعي على الخوف من عدم العدل بين الزوجات للقول برفض الطلب و بتجاوز هذه النظرة في ملفات. - عدم تفعيل دور الحكمين في مسطرة الطلاق و التطليق لا سيما عدم تفعيل دور المجالس العلمية و تضارب الأحكام بمناسبة البت في طلبات المتعة للمطلقة في باب التطليق للشقاق و الوقوف عند ظاهر النص عند طلب ثبوت الزوجية في الزواج المختلط أو في زواج القاصرين و لو تم الزواج و تعذر سلوك المساطر القانونية لطلب الحصول على الإذن بالزواج و ترتب عن هذه العلاقة إنجاب أطفال، أو الوقوف عند ضرورة إشهاد شاهدين مسلمين على الزواج المنعقد بالخارج رغم تمام الزواج و ثبوت الاتصال الشرعي و إنجاب الأطفال. و ? عدم وضوح بعض النصوص القانونية يراكم ملفات على محكمة دون أخرى تبعا لرغبة المواطن و انسياقا مع المصالح كما في مسطرة التعدد أو زواج القاصرين حيث لم يوضح المشرع الاختصاص المكاني، وهذا ما فتح المجال للتقدم بطلبات بأعداد كثيرة أمام بعض المحاكم دون أخرى. 5 ? الأسباب الخاصة بكتابة الضبط و كتابة النيابة العامة إن الأسباب الخاصة بكتابة الضبط عموما كثيرة و متنوعة، و كنا نتمنى أن يتولى التطرق إليها موظف تابع لإحدى الكتابتين، غير أني أذكر ببعضها للمناسبة فقط. - اعتبار بعض الموظفين أن الشأن القضائي أمر خاص بالقاضي، فلا يشيرون عليه إن بدا أن الأمر يستلزم ذلك إيمانا منهم بأن الحياد و استقلال السلطة القضائية يتنافى مع ذلك. - كثرة الوقفات و الإضرابات التي و إن كانت حقا دستوريا، فقد أثرت بشكل جلي على سير القضايا مما ساهم في عدم الرفع من النجاعة القضائية. - تعيين بعض الموظفين الوافدين من قطاعات أخرى و تخصصات لا علاقة لها بالميدان أثر بشكل ملحوظ على السير العادي للإجراءات المسطرية. - ضعف الموارد البشرية الموزعة على المحاكم و لا سيما الموظفين العاملين بمراكز القاضي المقيم. - عدم إخضاعهم لفترات التكوين المستمر. - نظرة بعض الموظفين لأنفسهم بكونهم موظفين فقط و أن موقعهم لا يسمح لهم بتفعيل مسطرة التقاضي انطلاقا من تفعيل مسطرة الاستدعاءات و التبليغات - عدم سعي البعض منهم إلى الرفع من الكفاءات المهنية بإتمام تعليمه الجامعي ومواكبة المستجدات القانونية و الإدارية و القضائية و تطوير مهاراته الشخصية خاصة في مجال التقنيات التواصل الحديثة. - عدم تخليق الحياة العامة عند بعض الفئات ، و هذا سبب عام و قد تعرضنا له عند حديثنا عن الأسباب العامة لعدم تحقيق النجاعة القضائية. - عدم ضبط القوانين المسطرية لا سيما تلك المتعلقة بالاستدعاءات حيث غالبا ما يتم إبطال الاستدعاءات و التبليغات لعدم استيفائها للبيانات القانونية الاستدعاء والتبليغ أولا و ملء البيانات بدقة. - عدم تفعيل إجراءات التنفيذ و لا سيما مسطرة رفع الصعوبة. خامسا : الحلول المقترحة للرفع من النجاعة القضائية. إذا نظرنا إلى بعض مسببات عدم تحقيق النجاعة القضائية يتبين لنا جليا أن وسائل الرفع من النجاعة المذكورة إنما تكمن في تجاوز المسببات نفسها و من ذلك مثلا أننا بينا من مسببات عدم تحقيق النجاعة القضائية على مستوى النيابة العامة هيمنة المسؤول القضائي على مصدر القرار أو تداخل الاختصاص بين نيابتين عامتين، فيكون الحل المقترح لتجاوز ذلك عدم تهميش دور النائب، و الأخذ بآرائه إن كانت صائبة فلا يضر قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه الحق فتبين أنه لم يكن كذلك أن تعدل عنه، و تحديد الاختصاصات و تنسيق النيابة العامة بالمحكمة الزجرية مع النيابة العامة بالمحكمة. و هكذا يكون تجاوز المسبب في حد ذاته حلا للرفع من النجاعة. و لن أطيل في ذلك إذ يكفي الرجوع إلى كل سبب لتجاوزه ففي تجاوز السبب حل لمعضلة النجاعة القضائية إنما أضيف حلولا أخرى للرفع من النجاعة القضائية كالتالي: 1) القطع مع شهادة الإجازة كشرط أولي للانتقاء سواء تعلق الأمر بإجازة أربع سنوات أو غيرها و اشتراط دبلوم الماستر أو ما يعادله أو الخدمة الفعلية بإحدى الهيئات التابعة لقطاع العدل أو المساعد له، و انتقاء المترشحين لولوج المهنة. 2) إعادة النظر في الجانب التكويني للملحق القضائي و للقاضي الممارس في إطار التكوين المستمر، مع رفع جودة التكوين و التكوين المستمر. 3) توزيع المسؤوليات القضائية على القضاة الشباب ممن يتوسم فيهم الكفاءة والأخلاق 4) تعزيز المراقبة المخولة للمسؤول القضائي و تعزيز التفتيش المركزي والتسلسلي. 5) تشجيع البحث العلمي بعقد شراكات مع كليات الحقوق بالمغرب أو خارجه للرفع من جودة التكوين. 6) العمل بالتخصص القضائي بكل محكمة لآماد معينة ثم العمل على تناوب الأدوار بين السادة القضاة على المادة القانونية. 7) تبسيط المساطر القانونية و تعزيز المحاكم بأعوان تنفيذ كافين و تعزيز دور النيابة العامة و رئاسة المحكمة في تفعيل إجراءات التبليغ و الاستدعاء بتعاون مع رؤساء كتابات الضبط و رؤساء كتابات النيابة العامة و الشرطة و الدرك. 8) الحرص على جودة الأحكام و طبعها لتكون واضحة و تمكين المواطن من نسخها في آجال معقولة 9) تفعيل دور الوسيط بالمحاكم و توسيع دائرة تدخله و خلق وسائل بديلة لحل النزاعات و تفعيل مسطرة الصلح و توسيع مجال إعماله. 10) البت في القضايا في آجال معقولة 11) إعادة النظر في النصوص القانونية المتعلقة بالتبليغ باعتماد التبليغ بوسائل الاتصال الحديثة كإمكانية مساعدة للتغلب على صعوبات التبليغ 12) تنفيذ الأحكام القضائية لاسيما الحكام الصادرة ضد أشخاص القانون العام وشركات التأمين 13) سد الخصاص في بعض المحاكم و لاسيما مراكز القضاة المقيمين من الموارد البشرية و تفعيل المراكز المذكورة و تحسين بنيتها التحتية و توفير التجهيزات المعلوماتية و تدريب السادة القضاة على التمكن منها وربط المحاكم بالشبكة العنكبوتية لتسهيل مهمة البحث العلمي. 14) تفعيل مقتضيات الفصل 5 من قانون المسطرة المدنية المتعلقة بالتقاضي بحسن نية منعا للتقاضي الكيدي الذي يساهم في تدفق الملفات و القضايا على المحاكم. 15) التركيز على النقاط الخلافية بين محاكم أول درجة و محاكم الاستئناف بغية إيجاد حلول له و محاولة خلق إجماع قضائي يساهم فيه جميع قضاة المملكة. 16) تكثيف الندوات و المناظرات و اللقاءات الثقافية التي تعقدها محاكم للاستئناف مع قضاة المحاكم الابتدائية. 17) إعادة النظر في قضاء التحقيق 18) تخليق الحياة القضائية 19) التحفيز المادي للقاضي 20) إعادة النظر في بعض القوانين المبطئة للرفع من النجاعة القضائية كما هو حال مدونة السير و بعض المقتضيات في مدونة الأسرة التي جعلت الشقاق كوسيلة لانفصام العلاقة الزوجية أكثر منها مسطرة للإصلاح، و سمحت بالتقدم بطلبات زواج القاصر و الزواج المختلط دون تنظيم لقواعد الاختصاص. الخاتمة : لقد قيل الكثير عن موضوع رفع النجاعة القضائية من غير أن يوثق للرجوع إليه عند الحاجة، و قد أعياني البحث عن مراجع أو مقالات تخص الموضوع دون أن أجد ضالتي إلى أن اهتديت إلى نشرة داخلية تصدرها وزارة العدل و الحريات من خلال قسم التواصل التابع لمديرية الدراسات و التعاون، و قد صادفت هذه النشرة بعد أن أتممت تحرير الموضوع وفقا للتصميم أعلاه. و قد تضمنت النشرة كعنوان بارز «الرفع من النجاعة القضائية»، ذكرت فيه الوزارة ببرامجها المتعلقة بالنجاعة القضائية بشكل عام دون أن تتعمق في الموضوع ببيان مظاهر الاختلال في الأداء القضائي و أسباب ذلك. و لست هنا لأعيب على جهة أو أزايد عليها و إنما أريد فقط أن أشير إلى أن الرفع من النجاعة القضائية موضوع شائك يحتاج إلى إرادة حقيقية و وسائل عمل فعالة و إستراتيجية واضحة تبتدئ من القاضي و الموظف و المحامي و الخبير والعون و كل مساعدي العدالة لتمر عبر النص القانوني و البنيات التحتية و الحافز المادي للقاضي باعتباره العمود الفقري لكل إصلاح. إن الرفع من النجاعة القضائية مطلب ينادي به الجميع، و يأمل في تحقيقه الكل و لذلك فالجهود متضافرة لتحقيقها و قد ابتدأ مسلسل إصلاح منظومة العدالة بمشاركة أغلب الفاعلين الحقوقيين و المهتمين بالشأن القانوني كرهان دولة تسعى إلى حماية حقوق مواطنيها و تفعيل دور العدالة إيمانا منها بأن العدل أساس الملك حتى تتمكن المملكة المغربية من خلف نموذج ديمقراطي تنموي متميز يحق للمغاربة التشبث به. و لذلكم حضرنا جميع في هذا اليوم الدراسي الذي أتمنى أن يكلل بالنجاح وأن يخرج بتوصيات يتم تفعيلها على أرض الواقع. و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته