بدأت مناطق عدة في سوريا، ومنذ الأسابيع الأولى لاندلاع الثورة السورية، تشهد صدور صحف بمبادرات فردية، في محاولة لسد النقص في المعلومات، ومواكبة ما يجري في بلد لم يعرف على مدى نصف قرن سوى ثلاث صحف رسمية، وصحف خاصة حديثة العهد، تدور هي الأخرى في الفلك الرسمي. «سوريتنا»، «طلعنا عالحرية»، «سوريا بدها حرية»، «عنب بلدي»، «شرارة آذار»، «حريات»، «أخبار المندس»، «أوكسجين»، «السنونو»، «أحرار قاسيون» هي بعض أسماء تلك الصحف التي تستفيد خصوصا من موقع فيسبوك للنشر من دون كلفة، والوصول إلى كل السوريين، من أقصى البلاد إلى أقصاها. ومن بين تلك الصحف «سوريتنا» التي احتفلت أخيرا بدخولها عامها الثاني، ويقول رئيس تحريرها جواد أبو المنى «صدرت الجريدة في شتنبر الماضي، وكنت أرى أن الكثير من النشاطات السلمية والمدنية لا يغطى إعلاميا بشكل جيد من القنوات الإعلامية وغيرها، حيث كان التركيز على الجانب السياسي» دون غيره. ويضيف «أردنا كشباب سوري المشاركة ودعم الثورة بكل الطرق المتاحة، كانت سوريتنا حصيلة جهد مشترك لشباب سوري يحلم بتأسيس إعلام سوري حر، ينبع من نبض الشارع. بالإضافة لإعادة نشر التاريخ السوري المشرق والمغيب طوال أربعين عاما، نتيجة لعدم وجود إعلام حر ومستقل في زمن البعث». ويروي رئيس التحرير الشاب الأيام الأولى من تأسيس الصحيفة «كانت أجمل المحطات هي بداية إنشاء الجريدة، كان ثمة مشاعر نختبرها للمرة الأولى وكانت الثورة في أجمل مراحلها. لم يكن العنف بهذه الوحشية التي نشهدها، وكان ثمة مساحة من الحركة التي تتيح لنا النقاش والتفكير كأسرة تحرير في الجريدة. فقد كنا نشهد ونساهم في صناعة حلم تطلب كثيرامن الوقت ليتحول إلى حقيقة». وفي وقت يؤكد أبو المنى أن من بين دوافع الجريدة حث الناس على المشاركة في التظاهرات، يعود ويشدد على دافع أساسي آخر وهو «التأسيس للصحافة الحرة بدون التبعية لأي جهة كانت، ودون إملاءات عن ما يجب وما لا يجب في الكتابة والنشر». وتنتشر هذه الصحف على شبكات الإنترنت كما أنها توزع باليد في بعض المناطق، حيث يتيح الواقع الأمني ذلك. وتصدر صحف عدة في مناطق ما زالت تحت سيطرة قوات النظام وقبضته الأمنية، فلا يتم توزيعها إلا عبر شبكة الإنترنت، ويستخدم الناشطون المعارضون برامج خاصة لتضليل متعقبيهم عبر الإنترنت. لكن ناشطين من مناطق أخرى خارجة عن سيطرة النظام يتلقفون أحيانا هذه الصحف عبر الإنترنت، فيطبعونها ويوزعونها في مناطقهم. ويقول أبو المنى، الذي اختار التحدث مع «فرانس برس» بهذا الاسم، كونه يقيم في أحد أحياء دمشق، «كم فوجئنا حين علمنا أن شبانا في مدينة حمص يطبعون من جريدتنا مئات الأعداد ويوزعونها باليد، دون أن نعرف نحن بذلك». ولا يخلو أي عمل مماثل من الضغوط، ومنها «اعتقال أي ناشط أو مواطن يشتبه في تعاونه مع هذه الصحف، إضافة إلى خروج الكثير من الناشطين من البلاد، وصعوبة التواصل مع الكتاب بسبب القبضة الأمنية وغياب أي دعم للاستمرار في الطباعة والتوزيع». ويقول أبو المنى «فكرنا أكثر من مرة بإيقاف الجريدة، لكن إصرار فريق العمل والدعم المعنوي من أصدقائنا أو متابعي الجريدة هو ما جعلنا نستمر». ولا تتوقف طموحات الناشطين الإعلاميين المعارضين على التعبئة الإعلامية لإسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، بل يقولون إن تجاربهم الإعلامية يراد منها التأسيس لإعلام وطني ما بعد الثورة. وبحسب أبو المنى فإن إصدار «سوريتنا» يهدف أيضا لإيجاد بديل عن الإعلام السائد في مرحلة البعث (..) و«بعد الثورة سنسعى لتحويل جريدتنا إلى مؤسسة إعلامية مرخصة لها مكاتبها الخاصة، تصدر وتطبع وتوزع بشكل أسبوعي إن لم يكن يومي». يرى الصحافي السوري محمد دحنون أن ظاهرة هذه الصحف «تعبر عن حاجة المجتمعات الثائرة للنطق بلسانها». ويضيف «ثمة رغبة جذرية لدى هذه المجتمعات المهمشة والفقيرة بأن تقول كلمتها وأن تشارك في صنع الواقع، وهذا يأتي هذا بعد عقود من التغييب والقمع والتلقين». ويتساءل دحنون «ما يشغلني حقا هو إلى أي مدى سيكون لتلك الصحف، لكتابها ومحرريها، دور حقيقي في المشهد الصحافي السوري في المرحلة التي تلي السقوط المرجح للنظام؟». ويضيف «أنحاز، بطبيعة الحال، إلى اعتبار هذه التجارب رائدة الصحافة الحرة في سوريا اليوم، وأنحاز، تاليا، إلى ضرورة أن تأخذ مساحتها في سوريا الجديدة».