لا يزال نظام بشار الأسد يوغل في دماء السوريين في محاولة يائسة لكبح جماح الثورة المناهضة لحكمه الديكتاتوري بعد أزيد من أربعة عقود، فقد شهدت مناطق متفرقة من سوريا شملت ضواحي وأحياء من دمشق وحمص وحماة ودرعا مقتل 80 شخصا في قصف متواصل وعمليات للجيش النظامي السوري، وسط أنباء عن اكتشاف 39 جثة مشوهة قتل أصحابها في حمص بعد اقتحامها من قوات الأسد في 12 من مارس الجاري، وفق إفادة للناطق باسم الهيئة العامة للثورة السورية في حمص. فيما ذكرت وكالات أنباء عالمية عن امتداد القصف السوري إلى ما وراء الحدود اللبنانية. وفي الوقت الذي يواصل فيه نظام بشار الأسد حصد العشرات من أرواح السوريين عبر المجازر التي يرتكبها، تعتمد «اللغة الدبلوماسية» لمجلس الأمن خطابات لا ترقى إلى مستوى المعاناة الشديدة للسوريين، وذلك من خلال «بيان» أممي غير ملزم، حيث دعا «فوراً» إلى سحب قوات النظام السوري من التجمعات السكنية والتوقف عن قصف المدنيين بإشراف دولي، وأشياء أخرى وصفتها المعارضة بأنها «لا قيمة لها لأنها لا تملك قوة القرار». وبموازاة ذلك، وفي العقوبات، قال ديبلوماسيون أوروبيون في بروكسل إن الاتحاد الأوروبي سيفرض خلال الأسبوع الجاري عقوبات جديدة ضد 12 مسؤولاً في النظام السوري بينهم أسماء الأسد، فيما أعلنت وزارة الخارجية اليابانية إغلاق سفارتها في دمشق. وأكد ناشطون سوريون أن ثمانين شخصا قتلوا، أول أمس، في قصف متواصل وعمليات للجيش النظامي السوري، في مناطق متفرقة من البلاد شملت ضواحي وأحياء بدمشق وحمص وحماة ودرعا. وتحدث نشطاء المعارضة عن تعرض ضاحيتيْ حرستا وعربين بدمشق لقصف مكثف بقذائف الدبابات والطائرات، في أعقاب تجدد هجمات الجيش السوري الحر على القوات الموالية للرئيس بشار الأسد التي استعادت المنطقة من المعارضين قبل شهرين. وأضاف الناشطون أن قذائف المدافع الثقيلة والمدافع المضادة للطائرات أصابت الضاحيتين خلال الليل، وأن مروحيات الجيش سمعت وهي تحلق فوق المنطقة على المشارف الشرقية للعاصمة. وكانت لجان التنسيق السوريّة قد أعلَنَت، في وقت سابق من أول أمس، ارتفاع أعداد القتلى برصاص قوات الأمن والجيش السوريين، أول أمس، إلى 52 شخصًا؛ نصفهم في قصف حي الخالدية بحمص، والتي تحاصرها أكثر من 22 دبابة تابعة لقوات بشار الأسد. وأفاد ناشطون سوريون، وفق ما نقلت عنهم «وكالة أنباء الشرق الأوسط»، بأن قوات الجيش النظامي، قصفت منازل بقلعة (المضيق) بريف حماة، وقامت بهدم أجزاء من القلعة الأثرية، كما سمع دوي انفجارات صباح أمس قرب مخفر للشرطة بأحد أحياء العاصمة دمشق. وأكد الناطق باسم الهيئة العامة للثورة السورية، أبو جعفر، أن حي الخالدية بمدينة حمص (وسط سوريا) محاصر بأكثر من 22 دبابة وسط القصف العنيف والمتواصل له. من جهته، قال الناطق باسم الهيئة العامة للثورة السورية في حمص هادي العبد الله: «يستمر القصف الدفعي والصاروخي على حي الخالدية وتوسع ليشمل حيي القصور والبياضة المجاورين وحي باب هود في حمص القديمة»، بحسب ما نقلت عنه «فرانس برس». وكان العبد الله عبر عن تخوفه من تكرار «القصف الذي شهدناه على حي بابا عمرو قبل اقتحامه، لأن ذلك سيتسبب في كارثة» في حي الخالدية الذي أدى القصف عليه الثلاثاء الماضي إلى سقوط 14 قتيلا، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وقال المرصد في بيان «إن مئات الأسر نزحت من أحياء حمص إلى حي الخالدية الذي كان يعتبر من الأحياء الآمنة ويخشى من حصول مجازر في حال استمرار النظام السوري قصف الحي نتيجة الكثافة السكانية الموجودة فيه حاليا». وأوضح العبد الله أن آلاف النازحين من حي بابا عمرو ومن أحياء منكوبة أخرى في حمص مثل كرم الزيتون والرفاعي وعشيرة والعدوية وباب السباع والجندلي وباب الدريب موجودون في الخالدية ومحيطها. وقال «في كل منزل في الخالدية، تقيم أربع أو خمس عائلات. كما أن المساجد مليئة بالنازحين، وكذلك الأبنية التي كانت قيد البناء، سكنت فيها عوائل». وأضاف أن «الخالدية هي الجبهة الأخيرة» في المدينة، معربا عن أمله بأنها «ستصمد امام محاولات اقتحامها». وأفاد العبد الله أن قوات النظام اقتحمت، أول أمس، حي باب السباع في حمص الذي كان انسحب منه قبل يومين عناصر «الجيش الحر»، وهي تقوم بحملة «إحراق منازل ومكاتب بينها المكتب الإعلامي الذي كان يستخدمه المعارضون وقد أحرق بالكامل». كما تحدث عن «نهب للمنازل وسرقات». وأشار «المرصد السوري لحقوق الانسان» في بيان إلى أن «بعض أحياء حمص القديمة تشهد حملة مداهمات وتنكيل بالأهالي». إلى ذلك، قال ناشطون: «إن قوات النظام تواصل قصفها لحيي الحميدية والأربعين في حماة، وأن الأهالي لا يستطيعون نقل جرحاهم إلى المستشفيات التي تعاني نقصًا في المستلزامات الطبية، في حين هزت انفجارات ضخمة مدينة حرستا بريف دمشق، يرافقها إطلاق نار كثيف من قبل قوات الأمن. وقالت مصادر الهيئة العامة للثورة السورية إنه: «تم العثور على 39 جثة في حي (الرفاعي) بمدينة حمص (وسط سوريا)، من بينها جثث ل 19 شخصًا ينتمون لعائلة واحدة». وقال هادي العبد الله: إن شبانًا من حي الرفاعي تسلّلوا، أول أمس، إلى حيهم وتمكنوا من تصوير 39 جثة مشوهة تمّ التعرف على أصحابها منتشرة في الطرق وفي بعض المنازل، موضحًا أن هؤلاء قتلوا على الأرجح مع الأشخاص ال48 الذين تمكن الجيش السوري الحر من سحبهم مقتولين ذبحًا أو طعنا على قوات الأمن التابعة لبشار الأسد في 12 مارس من حيي كرم الزيتون والعدوية المجاورين. وأشار إلى أن الشبان دخلوا الحى عبر التسلل إلى منزل تلو الآخر عن طريق إحداث فجوات في جدران هذه المنازل حتى لا يتنقلوا فى الطرق. وعملوا على تصوير الجثث، لافتًا إلى أنه سيتم عرض هذه الصور قريبًا، منبهًا بأن بين القتلى 16 من عائلة واحدة، معربا عن تخوفه من وجود المزيد من القتلى الذين لم يكشف عنهم بعد في أحياء حمص. وعثر في 12 مارس على جثث حوالي خمسين امرأة وطفلا في حيي كرم الزيتون والعدوية في حمص مقتولين ذبحًا أو طعنًا، واتّهمت المعارضة قوات النظام بارتكاب «المجزرة»، فيما قالت السلطات إنها من تنفيذ «مجموعات إرهابيّة مسلّحة». لبنان «تحت النار» وفي تطور لافت، امتد القصف السوري إلى ما وراء الحدود اللبنانية ليلة أول أمس، مما أدى إلى إصابة شخص. وسقطت عدة قذائف سورية في قرية القاع اللبنانية الحدودية وفي حقول قريبة، وقال سكان إنها أسفرت عن إصابة شخص في القرية التي تقع على بعد عشرة كيلومترات من الحدود السورية. وكانت المحطة الأولى لحوالي سبعة آلاف لاجئ سوري فروا من القتال إلى لبنان. ونقلت وكالة «رويترز» عن شهود قولهم إن عدة قذائف سورية سقطت في قرية القاع اللبنانية الحدودية وفي حقول قريبة مساء أول أمس، مما أسفر عن إصابة شخص بالإضافة إلى سماع قصف مدفعي عنيف على الجانب السوري من الحدود. وقال مزارع في القاع «سقطت أكثر من 5 قذائف في الحقول وفي القرية.» وقال مواطن آخر إن قذيفة انفجرت قرب المدرسة الرئيسية في القرية. فيما أفادت وسائل إعلام لبنانية عن حدوث إطلاق نار كثيف على الجانب السوري من الحدود بين سورية ولبنان في وقت متأخر أول أمس، وأضافت أن قذيفة سقطت في أحد الحقول الزراعية شمال لبنان إضافة إلى رشقات وأعيرة نارية. وقالت وسائل الإعلام إنه جرى إطلاق نار وقذائف ضوئية وصوتية من الجانب السوري فوق مجرى النهر الكبير. وقد وصل بعض تلك القذائف إلى قرية بني صخر اللبنانية في منطقة البقيعة بالقرب من الجسر الغربي. وأضافت أن الرشقات والأعيرة النارية أصابت العديد من المنازل القريبة من المنطقة الحدودية دون وقوع إصابات بشرية، مشيرة إلى أن سكان بعض المنازل القريبة من الحدود غادروا إلى منازل أقارب لهم في وادي خالد ومشتى حمود. بيان «أممي» بشأن سوريا دوليا، وفي تحذير مبطن باتخاذ إجراءات دولية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، لامس مجلس الأمن، أول أمس، للمرة الأولى ولو عبر بيان رئاسي غير ملزم، الخطة العربية الأولى حول سوريا، فدعا «فوراً» إلى سحب قوات النظام السوري من التجمعات السكنية والتوقف عن قصف المدنيين بإشراف دولي، وطالب بتعيين محاور مع المعارضة وتخويله صلاحيات، في مقاربة مضمونها تخلي الأسد عن بعض صلاحياته لمصلحة المحاور الذي كانت اقترحت مبادرة جامعة الدول العربية أن يكون نائبه فاروق الشرع، من دون أن يذكر البيان أياً منهما بالاسم. وأتاحت تعديلات طلبت موسكو إدخالها على مشروع البيان الرئاسي، صدوره بإجماع الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن. والبيان الذي ليس له قوة قرار رسمي يقدم دعماً قوياً لمبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية كوفي عنان وخطته المؤلفة من ست نقاط عرضها خلال محادثاته مع الرئيس السوري في دمشق في وقت سابق من الشهر الجاري، ويشير في مطلعه إلى بيان مجلس الأمن الرئاسي في 3 غشت 2011 وبيانه الصحافي المؤرخ في فاتج مارس الجاري. وأهاب مجلس الأمن «بالحكومة السورية والمعارضة أن تعملا بحسن نية مع المبعوث من أجل التسوية السلمية للأزمة السورية والتنفيذ الكامل والفوري لخطته ذات النقاط الست». وطلب «إلى المبعوث أن يطلع المجلس بانتظام وفي الوقت المناسب على ما يحرزه من تقدم في مهمته. وفي ضوء هذه التقارير سينظر مجلس الامن في اتخاذ تدابير أخرى». انتقاد وترحيب ولكن، في المقابل، أكد عضو المجلس الوطني السوري سمير سطوف أن البيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الأمن لا قيمة له لأنه لا يملك قوة القرار. وقال المعارض السوري في تصريح خاص لقناة «الجزيرة» الفضائية، أول أمس، إن البيان يحتوي على عدد من الصياغات الملتبسة التي تمكن النظام السوري من الالتفاف حوله وبالتالي لن يلتزم بمضمون القرار. وفي ردود الفعل الدولية، وصف المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني قرار مجلس الأمن بشأن سوريا ودعم مساعي كوفي عنان بالإيجابي والمهم، إلا أنه خطوة متواضعة. وقال كارني خلال الموجز اليومي للبيت الأبيض إنه يدل على حقيقة أن هناك إجماعاً في مجلس الأمن لدعم مهمة أنان ويدل على بناء تجمع من الأصوات على الساحة الدولية يصر على أن الأسد يجب أن يوقف حملته الوحشية ضد شعبه, وأضاف: «من الواضح أن هذا شيء جيد». وأشادت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون بالبيان وحضت الأسد على تطبيق خطة عنان وإلا فإنه سيواجه «المزيد من الضغوط». وقالت إن الخطوة التي اتخذها مجلس الأمن «إيجابية»، وقالت للصحافيين «نقول نحن والمجتمع الدولي للرئيس الاسد ونظامه، اسلك هذا الطريق والتزم به، وإلا فإنك ستواجه المزيد من الضغوط والعزلة». ودعت كلينتون «جميع السوريين الذين يحبون بلدهم ويحترمون تاريخها ويدركون القدرات الهائلة الكامنة في العمل معا» الى تنفيذ الخطة. كما رحّب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بتبني مجلس الأمن بالبيان وحض السلطات السورية على «انتهاز هذه الفرصة لوقف إراقة الدماء وإظهار التزامها بتنفيذ خطة أنان ذات الست نقاط، بما في ذلك سحب الجيش من داخل المراكز السكانية وحولها». وأشادت الصين، أول أمس، ببيان المجلس ووصفته بأنه خطوة إيجابية ودعت دمشق إلى «وقف العنف فورا». وفي التطورات الديبلوماسية، قالت وزارة الخارجية اليابانية في بيان إن اليابان ستغلق مؤقتا سفارتها في سوريا اعتبارا من يوم أول أمس بسبب العنف المتصاعد. وأشارت إلى أنه سيجري في الوقت الراهن مباشرة الأعمال المتعلقة في سوريا من السفارة اليابانية في الأردن. عقوبات جديدة وإيران متهمة في غضون ذلك، كشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية نقلاً عن ديبلوماسيين في بروكسل، أن الاتحاد الأوروبي سيفرض خلال الأسبوع الجاري عقوبات جديدة ضد 12 مسؤولا في النظام السوري بينهم أسماء الأسد «بعد الكشف عن تفاصيل تسوقها عبر الإنترنت بواسطة رسائل الكترونية مسرّبة». وقالت الصحيفة «إن ديبلوماسيين أوروبيين أكدوا أن قرار إضافة أسماء الأسد وعدد من أفراد العائلة إلى القائمة السوداء سيتخذ خلال اجتماع يعقده وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل» اليوم الجمعة. وأدانت الدول الغربية الكبرى، أول أمس، ما وصفته بالجهود الإيرانية لتسليح الحكومة السورية التي تشن حملة عنيفة على المناهضين لها. وقال ديبلوماسيون إنه وردت إلى خبراء دوليين أنباء عن عدد من الانتهاكات للعقوبات الدولية المفروضة ضد إيران خلال الأشهر الأخيرة تتعلق بنقل أسلحة من إيران إلى سوريا. وأضافوا أنه يجري التحقيق في هذه الحالات. وقال «مارتان بريان» نائب السفير الفرنسي في الأممالمتحدة خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي إن «حجم تلك الشحنات يؤكد وجود سياسة متعمدة ومستمرة للنقل غير المشروع للأسلحة وغيرها من المواد ذات الصلة بين ايران وسوريا». وقالت نائبة المندوبة الاميركية في الاممالمتحدة روزماري ديكارلو «يقلقنا ان غالبية الانتهاكات الواردة الى اللجنة تتعلق بنقل اسلحة وغيرها من المواد ذات الصلة بشكل غير مشروع من ايران الى سوريا حيث يقوم نظام الاسد باستخدامها لقمع الشعب السوري بعنف». ودعت الولاياتالمتحدة إلى «عقوبات محددة تستهدف الأفراد والكيانات التي يتبين أنها ضالعة في انتهاك العقوبات». وقال السفير البريطاني في الأممالمتحدة «مارك ليال غرانت» إن «أدلة تشير إلى وجود نشاط إيراني منهجي لتزويد الحكومة السورية باسلحة بشكل غير قانوني، وهي أسلحة تستخدم الآن لقمع الشعب السوري بعنف». واتهم عضو تنسيقيات الثورة السورية عمر التلاوي نظام الأسد باستخدام شبيحة إيرانيين في عمليات قتل وقمع ترويع المتظاهرين من أهالي محافظة حمص، لافتا إلى أنهم يقومون بعمليات خطف للنساء والأطفال.