افتتح جناح الفنون الإسلامية بمتحف اللوفر الأسبوع الماضي أمام الزوار،للاستمتاع والاطلاع على مجموعة من المعروضات التي كان يتوفر عليها هذا المتحف الفرنسي العريق والتي يعرض جزءا صغيرا منها في احد أهم أجنحته . الاهتمام بالفنون الإسلامية بفرنسا جاء بمبادرة من الرئيس السابق جاك شيراك وبدعم وتمويل عدد من قادة البلدان العربية والإسلامية وبمساهمة جلالة الملك محمد السادس .لكن ما أثار انتباهي هو العدد المحدود جدا لمعروضات من الغرب الإسلامي والمغرب والأندلس على الخصوص.في حين تضمن هذا المعرض تحفا فنية عديدة خاصة من مصر المماليك والفاطميين بالإضافة إلى حضور متميز لتحف المنطقة الفارسية وسوريا على الخصوص والعراق وتركيا العثمانية،أي من كل البلدان والإمبراطوريات التي ساهمت وخلقت الحضارة الإسلامية من عهد الخلفاء إلى الإمبراطورية العثمانية ،وإمبراطورية الماغول .وهو ما يطرح تساؤلات حول هذه الاختيارات ،هل هي تلقائية أم أنها اختيارات مقصودة؟ شاءت الصدف أيضا أن يكون هذا الافتتاح في أسبوع خاص جدا بفرنسا وبالعالم ، تميز بنشر الفيلم المسيء للإسلام» براءة المسلمين» من طرف احد المتطرفين المصريين الأقباط بالولايات المتحدةالامريكية ،وما نتج عن ذلك النشر بالشبكة العنكبوتية من تظاهرات عنيفة ذهب ضحيتها العديد من الأبرياء وعدد من الديبلوماسيين منهم السفير الامريكي بليبيا.نفس الأسبوع شهد أيضا اختيار احد الأسبوعيات الهزلية الفرنسية نشر رسومات كاريكاتيرية حول الإسلام ورسوله وهو ما صب مزيدا من الزيت على النار كما صرح بذلك العديد من السياسيين الفرنسيين، وخلق حالة من التوتر والغليان حول الإسلام بفرنسا ،رغم أن الأغلبية الساحقة للمسلمين بفرنسا اختارت تجاهل هذا الاستفزاز غير المسؤول.وفشل المتطرفون من الجانبين في استغلال هذه الأحداث والتسبب في اصطدامات جديدة. الرئيس الفرنسي فرنسوا هولندا عند افتتاحه لهذا الجناح الإسلامي باللوفر كان يستحضر كل هذه الوضعية وهذا التوتر الذي تسببت فيه أقلية من المتطرفين من الجانبين ،وهي جماعات رغم صغرها تحلم بصدام للحضارات وحرب شاملة للحسم من أجل تحقيق نظرية هنغتون لصدام والذي رحل دون أن يرى حلمه يتحقق. الرئيس الفرنسي في كلمته نبه إلى أن «الحضارات ليست كثلا يتجاهل بعضها البعض وتتصادم فيما بينها، بل تتطور من خلال اللقاء والحوار» .طبعا كلمات الرئيس الفرنسي أمام الحضور والذي ضم العديد من الرؤساء والأمراء من العالم العربي والإسلامي منهم الأميرة لالة مريم. اختار كلمات الحضارات والحوار واللقاء والبناء.وأضاف أن الإسلام نفسه يتضمن مقومات القضاء على التطرف دون الحاجة إلى الآخرين حسب الرئيس الفرنسي . جل الأدوات الفنية المعروضة بالمتحف كانت ترقد بخزائنه منذ عدة قرون وبعضها يعود للعهد الملكي ،دون أن تجد طريقها إلى العرض كتحف فنية إلا بتدخل من الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك لإخراج مسؤولي المتاحف الفرنسية من نظريتهم المنغلقة والمركزية نحو الفن وتجاه باقي الحضارات المكونة للعالم .طبعا هذه معركة أخرى للرئيس السابق إزاء متطرفين من نوع آخر ،وهم محافظو المتاحف أي المحافظين وما يحيط بهم من مؤرخين ومدارس وتوجهات كان لها تصور خاص جدا للفن والعالم والذي كان يقتصر على أوربا فقط ،في حين يعتبرون باقي العالم غير معني بالفنون.وقد نجح الرئيس السابق ،بالإضافة إلى إخراج جناح الفن الإسلامي إلى الوجود بأكبر متحف بفرنسا وأحد أكبر المتاحف العالمية ،وكذا تأسيس متحف خاص بتحف الشعوب والحضارات الأولى وهو متحف «لوكي برانلي» بباريس. طبعا هذا الجناح يزخر بالأدوات الفنية والأثرية التي حصل عليها الفرنسيون على الخصوص من مصر،سوريا وإيران وبعض البلدان الإسلامية الأخرى لكن تغيب بشكل كبير التحف الفنية للغرب الإسلامي خاصة المغرب والأندلس باستثناء معروضات قليلة جدا لا يتعدى عددها أربعة أو خمس قطع ،أهمها صندوق خشبي مزخرف من المغرب يعود للقرن الرابع عشر..تفسير مسؤولي المتحف لهذا الاختيار يعود إلى أنه خلال التواجد الفرنسي بالمغرب اختار ليوطي سياسة تأسيس متاحف بعين المكان بدل جلب هذه التحف نحو فرنسا كما وقع مع باقي البلدان خاصة مصر.وهو ما جعل المغرب يحافظ على مآثره وما كان يتم العثور عليه في الأبحاث الاركيولوجية بمختلف المدن المغربية ،دون أن ننسى أن الاهتمام الفرنسي تركز على التواجد الروماني بالمغرب،كنوع من البحث عن شرعية التواجد أثناء الحماية .بالإضافة أن عددا كبيرا من المآثر من مساجد ومدارس وقصور مازال الحفاظ عليها مستمر إلى اليوم بالمغرب ، مما يحتم على المهتمين بهذه الجهة أي الغرب الإسلامي ،زيارة المغرب والأندلس للاطلاع على حضارة الغرب الإسلامي التي تعتبر فنونها جد نادرة بجناح الفن الإسلامي باللوفر.