يواجه المغرب في الظرفية الراهنة مخاطر تزامن ضعف الإنتاج الوطني مع ارتفاع أسعار الحبوب في الأسواق الدولية. وفي انتظار الإعلان عن الإجراءات العملية التي ستتخذها الوزارة الوصية وباقي المصالح المعنية لتأمين انطلاقة جيدة للموسم الفلاحي المقبل، فإن المؤشرات المتوفرة لحد الآن لا تدعو إلى الارتياح وتستوجب تضافر الجهود لتفادي ما لا تحمد عقباه. المؤشر الأول يتمثل في تراجع مستوى حقينة السدود إلى حدود يوم 6 شتنبر 2012 بحوالي مليارين ونصف مليون متر مكعب، لتستقر في 8863.1 مليون متر مكعب. فتراجع معدل الامتلاء خلال نفس الفترة من 71.7% إلى 56.1%،لا يجد مبرره فقط في تراجع مستوى التساقطات المطرية، وإنما له علاقة وطيدة بالتدبير الحكومي للموارد المائية، ذلك أن ارتفاع الطاقة الاستيعابية الاجمالية لحقينة السدود بفعل الاستمرار في الاستثمار في بناء السدود لم يستثمر بالشكل المطلوب في القطاع الفلاحي. إن مظاهر سوء التدبير تتجلى في مستوى حقينة سد الوحدة الذي بني على أساس أن يكون خزانا للماء وصمام أمان في السنوات العجاف. فإذا كانت الأضرار التي خلفها على مستوى التجهيزات الفلاحية، عقب فيضانه، لم تستفد إلا بنسبة محدودة من برامج الإصلاح، فإن التخوف من مخاطر فيضانات جديدة ساهم في تقليص مستوى حقينته قبل سنة إلى 1988.2 مليون متر مكعب لتتراجع نسبة امتلائه إلى 53.6% ،في حين أن تراجع مستوى التساقطات المطرية خلال الموسم الحالي قلص حقينته بحوالي 400 مليون متر مكعب إلى 1579.8 مليون متر مكعب لتستقر نسبة الامتلاء في 42.6%. المخاوف من اللجوء إلى إجراءات التقشف في استعمال الماء تطال بشكل أكبر الحقول التي تعتمد في السقي على مياه سدود تراجعت نسبة امتلائها إلى مستويات متدنية، أو التي صارت مضطرة إلى تقاسم المياه المتوفرة مع الضيعات الكبيرة المستفيدة من امتيازات مخطط المغرب الأخضر. المؤشر الثاني يتمثل في تدني قدرات صغار الفلاحين الذين يتعاطون زراعة الحبوب على تحمل كلفة الحرث والزرع في ظروف عادية. فكما هي العادة فإن آمالهم، كل آمالهم، معقودة بالدرجة الأولى على أن تتساقط الأمطار بغزارة ابتداء من النصف الثاني من الشهر الجاري، وبدرجة ثانية على نوعية الإجراءات الحكومية المرتبطة بتوفير الحبوب المختارة بأسعار في المتناول، وبتبسيط مساطر الاستفادة من القروض البنكية. أما بالنسبة للذين يتعاطون الفلاحة العصرية، فإن تراجع قيمة صادراتهم خلال الموسم الحالي وارتفاع كلفة التصدير تفرض عليهم المزيد من التنسيق لرفع مستوى الجودة مع تقليص كلفة الإنتاج والخدمات اللوجستيكية. من حسن الحظ أن انطلاق الموسم الفلاحي الحالي تزامن مع عيد الأضحى. فخلال الأسابيع القليلة ستسفر الأضحية عن ترحيل ما قد يزيد عن 7 ملايير درهم من الوسط الحضري إلى الوسط القروي. ورغم أن الاستفادة من هذا التحويل سوف لن تشمل إلا مربي الأغنام، وبنسبة أقل مربي العجول، فإن نسبة هامة من هذه المبالغ تنفق في القطاع الفلاحي وتكون لها انعكاسات إيجابية على صغار الفلاحين الذين غالبا ما يكونون أجراء عند الغير. إن كل التقارير الدولية تتوقع استقرار الأسعار العالمية للحبوب في مستويات عالية، وباعتبار أن المغرب يصنف في خانة الدول الأكثر اعتمادا في تحقيق أمنه الغذائي على الاستيراد، فإن الاستثمار في القطاع صار يحتاج إلى المزيد من وضوح الرؤية، في حين أن التوفيق بين خلق المزيد من مناصب الشغل وبين تكوين العدد الكافي من الكفاءات المهنية، يحتاج إلى تدبير حكومي يلبي الحاجيات الملحة لمختلف الأطراف الفاعلة في القطاع، ويضع المغرب في خانة الدول التي تحقق فائضا في مبادلاتها التجارية الفلاحية. الأسابيع القليلة التي تفصلنا عن انطلاق الموسم الفلاحي الجديد ستكون بمثابة امتحان جديد للحكومة الحالية، ويبقى الأمل في أن تعم أمطار الخير كافة التراب الوطني لأنها خير منقذ لمن لا معين له.