قليلون هم الذين حين تجالسهم لا تشعر بمرور الوقت ، ولا يتسرب الملل إليك وهو يحكي ويتذكر ويربط الماضي بالحاضر في سيرورة حكواتية ذات نكهة شعبية خالصة . عبد الإله عاجل أحد هؤلاء ، ابن درب الأحباس الذي عايش تقلبات المسرح من صعود وهبوط ، وتواثر المغامرة الفنية في زمن النهوض والتقهقر ، وربط بفرادة بين القول والتأمل ، بين الضحك وهموم الواقع ، عرف كيف يكتسح الساحة رفقة مسرح الحي في مسرحيات شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا ، ويثري المسرح المغربي بتجارب هامة سواء في رائعة الزهرة بنت البرنوصي أو في مسرح الكاف لكن قبل هذا وذاك ، يبقى عاجل الإنسان ، صاحب الذاكرة الثرية والعين الثاقبة هو المستهدف من خلال هذه السلسلة ، التي تسعى إلى إعادة رسم مرحلة من تاريخ جيل عانى وكابد فنجح هنا وأخفق هناك ، غنى ورثى وضحك وحزن ، في مسرح الحياة وحياة المسرح الحاجة السعدية (والدة عبد لإله عاجل) عبد الإله كان منذ صغره مهووسا بالمسرح والفن ، أتذكر أنه كان يحضر إلى البيت آلة لبث الأفلام ويستدعي العديد من أصدقائه ، يقضون وقتا طويلا في مشاهدتها ، وكان في البداية يرافق أخي ، الذي كان يعزف على آله الأكورديون ، وكان يشارك في سهرات مع بوطبول وغيره ، وأصبح شغله الشاغل هو السينما المسرح والموسيقى كنت أخشى أن يؤثر ذلك على مساره الدراسي ومستقبله ، لكن والده ، رحمه الله ، كان يقول لي إنه مادام اختار هذا المجال فلن نستطيع منعه بعد ذلك أصبح كثير الغياب عن البيت ، وكان منذ الصباح الباكر يقصد المسرح ولا يعود إلا في وقت متأخر ، وقد أقنعنا أنه سيكرس حياته للمسرح ، وأنا فخورة أنه نجح في المسار الذي اختاره وعبد الإله كابن طيب وبار بي وأنا راضية عنه ، كما أني راضية عن زوجته الزوهرة ، التي تعرفت عليها منذ أن اشتغلت معه وهما شابان ، وعندما اخبرني أنهما قررا الزواج شجعته لأني كنت معجبة بها ، اعتبرها مثل ابنتي ، وأتمنى لهما كل النجاح والتوفيق ولكل الفنانين في المغرب نجوم الزوهرة ( فنانة) زوجة عبد الإله عاجل ) أنا أعتبر نفسي جد محظوظة لأني تزوجت بعاجل ، لقد كنت ، وأنا شابة أمارس الرقص في فرقة الفنون الشعبية ، أتمنى أن أتزوج من الوسط الفني ، لأني أعشق الفن ولم أكن أتصور حياتي بدونه ، وكذلك كان ، فقد التقيت بعبد الإله في تلك السن بدار الشباب بوشنتوف ، واقترح علي أن أشاركه في مسرحية « الزهرة بنت البرنوصي» فوافقت على الفور، وقمنا بجولات عديدة في المغرب حيث عرضنا المسرحية ، ونشأت بيننا صداقة عميقة وأصبح أقرب الناس إلي ، أبوح له بأسراري وكذلك هو، إلى أن وصلنا إلى قناعة أننا لا نستطيع أن نفترق فكان الزواج لقد وجدت فيه ، كزوج ، ذلك الإنسان الطيب الكريم والسخي ، وهو كرب عائلة إنسان متفاني يفعل كل ما بوسعه لإسعادنا وتحقيق تطلعاتنا ، ورغم أنه كثيرا ما كان يغيب لظروف عمله ، لكني كنت أحس به دائما معنا ، وقد عملت كل ما بوسعي لأخلق له الجو الملائم للعمل ، وكنت إلى جانبه عند تأسيس مسرح الكاف ، وقدمنا معا العديد من الأعمال الناجحة حسن فلان ( فنان ) عبد الإله عاجل صديقي وأخي ، اشتعلنا معا لسنوات طويلة ، كثنائي وكذلك في فرقة « مسرح الحي « ، لقد كان ذلك منذ كنا شابين ، وها نحن كبرنا وأبناؤنا أصبحوا في مثل سننا عندما التقينا آنذاك ، وطيلة هذه السنوات ظل عاجل نعم الصديق ونعم الأخ وإذا كان هذا هو عاجل الصديق والأخ ، فإن عاجل كفنان ، من طينة نادرة.. رجل مثقف ومتمكن ، يعشق عمله ويخلص له ويعطي كل ما يستطيع من أجل نجاح أعماله ، أما عاجل المسرحي ، وأنا اشتغلت معه طويلا في المسرح ، فهو مخرج متمكن ، رجل مسرح بامتياز ومهما قلت فلن أوفيه حقه في هذا المجال عبد الخالق فهيد ( فنان ) في حياتي هناك ثلاثة أشخاص أكن لهم كل احترام ، نظرا لما أسدوه لي من خدمات لا يمكن أن أنساها ، هناك المعلم الأول الذي درسني في التحضيري ، وهناك مدرب الملاكمة الذي تمرنت على يديه ، ثم هناك في المجال الفني الصديق والفنان عبد الإله عاجل ، الذي كان وراء دخولي عالم المسرح ووقف بجانبي وظل معي قرابة ثلاثة أشهر من التدريب يعلمني كيفية الوقوف والتحرك فوق الخشبة ، ومهما حاولت لن أوفيه حقه ، وهو يعرف مقدار الاحترام والتقدير الذي أكنه له ، كما وقف بجانبي وأخرج له عملا بعنوان « لا تسال لا تسول « الذي قدمته في إطار ال «وان مان شو، وما زلت أتذكر أنه عندما أراد أن يصور لفائدة التلفزيون مسرحية « بوتليس « تصادف أن أحد الممثلين كان في أوروبا ، فاتصل بي عاجل لأقدم هذا الدور فقبلت على الفور، وقضيت يومين أحفظ الدور لأقدمه مع المجموعة التي كانت تضم ممثلين مقتدرين عاجل يبقى من كبار المخرجين المسرحيين ، ومعرفتي به تمتد إلى سنوات خلت ، فقد كان هو وحسن فلان يراقبان مسيرتي ، وعندما أدركا أنني وصلت إلى مستوي يسمح لي بالانضمام إلى فرقة مسرح الحي ، لم يترددا في المناداة علي ، وقدمت معهما أعمال كانت انطلاقة حقيقية بالنسبة لي ، ويبقى أن عاجل من طينة الفنانين الذين ما زال بإمكانهم تقديم أعمال عديدة وجيدة ، ومهما أسرفت في الكلام فإني لا أستطيع أن أوفيه حقه كفنان وكإنسان حسن نرايس ( كاتب وصحافي ) لدي ملاحظة لا بد من الإشارة إليها ، وغالبا ما يغفلها العديد ممن يتحدثون عن عبد الإله عاجل ، فهم يتحدثون عن عاجل المخرج ويتناسون عاجل الممثل صحيح أن عاجل من المخرجين الجيدين ، وإذا أردنا الحديث عن مخرجي المسرح المغاربة ، فعاجل من بين أفضل 5 أو 6 مخرجين ، لكنه بالإضافة إلى ذلك ممثل من الطراز العالي ، فمثلا في مسلسل « المستضعفون « أدى عاجل دورا مركبا وصعبا ، ففي البداية أدى دور شخص متشرد يعاقر الخمر، وبعد ذلك تاب وأصبح يصلي ، وقد تقمص الشخصيتين بإقناع وتفوق ، وهو من الممثلين القلائل الذين يستطيعون التفوق ، سواء في الأدوار الدرامية أو الكوميدية ، ولكن لسوء الحظ لم ينل المكانة التي يستحقها في مجال السينما كما أن عاجل من الفنانين القلائل الذين يحرصون على متابعة الجديد في الإنتاجات الأدبية ، فهو قارئ لا يكل ومتتبع عن كثب للساحة الثقافية في المغرب حسن النفالي ( فنان مسرحي ) كانت إقصائيات مسرح الهواة نهاية السبعينات ، مناسبة للقاء بيننا . كان ينتمي لفرقة فتح وكنت انتمي لفرقة المسرح الشامل. كنا نتنافس بشكل رائع وشريف من أجل المسرح فقط. وقد كانت سنة 1978 متميزة بالنسبة لعاجل من خلال مسرحية الزهرة بنت البرنوصي ، التي صب فيها كل طاقاته الإبداعية وأدخلته عالم النجومية ، إلا أن مطلع الثمانينات سيجمعنا مع بعضنا في عدة أعمال كممثلين وخاصة في مسرحيات»جحا في الرحى»و»ابن الرومي في مدن الصفيح»و»الدجال والقيامة» وهناك تعرفت على الرجل عن قرب ، فهو قامة مسرحية كبيرة؛ ممثل بحضور قوي وأداء صادق و»تحرميات» الممثلين الكبار. ومخرج بدهاء خارق ونظرة ثاقبة وقد بدا ذلك مع مسرح الحي وبشكل أدق مع مسرح الكاف. كما أنه كاتب حرفي وإن لم تظهر له كتابات خاصة ، فمن يشتغلون معه يعرفون ما يبذله من جهد لإعادة صياغة الحوارات وكتابة بعض المشاهد أحيانا.هذا هو عاجل الذي أعرفه والذي أمتعنا في عدة أدوار وخلق الفرجة في عدة أعمال وأتمنى له التوفيق ليواصل مسيرته الفنية بتألق وثبات عبد الكريم الدرقاوي ( مخرج سينمائي ) عاجل كشخص إنسان طيب المعشر ، صادق وسرعان ما يجعلك تمنحه كامل ثقتك ، لقد اشتغلت معه في فيلم «رحلة إلى طنجة» و»الوجه الآخر» ، وهو كممثل له سرعة البديهة ويتقمص دوره بسرعة وحرفية ، يجعلك تدرك أنه يجر وراءه تجربة طويلة ، تمكن خلالها من صقل مواهبه ، والأكيد أنه كمسرحي ، فنان من العيار الثقيل مازال لديه الكثير من الأفكار والإمكانيات ليقدم أعمالا لا تقل نجاحا عن السابقة ، ولديه أيضا إمكانيات هامة ليواصل نفس النجاح في السينما عبد الغني الصناك ( فنان ) عاجل مبدع كبيرا ، وقد عايشت ذلك عن قرب عندما اشتغلنا معا في مسرحية « بوتليست « التي فازت بالعديد من الجوائز في المهرجان الوطني للمسرح ، وعلى رأسها جائزة الإخراج وجائزة العمل المتكامل لقد قدم عاجل ، سواء كممثل أو كمخرج ، العديد من الأعمال الناجحة ، نالت شهرة كبيرة في المغرب ، ولا زلت أتذكر عندما قضينا أياما عديدة معا في برشيد نعد لمسرحية « بوتليس « وقد كان يخصص وقته كله لعمله إلى درجة أنه يصبح متفرغا بالكامل ، ولا يعير اهتماما لأي شيء آخر ، هو بوهيمي بمعناه الإبداعي ، مسرحي كبير ويستحق كل الاعتراف والتقدير شعبيا ورسميا نجاة الوافي ( فنانة ) أنا مثل العديدين كنت دائما معجبة بتجربة عاجل والأعمال التي يقدمها، لكن عندما اشتغلت معه خصوصا في مسرحية « القضية في البرقية « تعرفت على عاجل المخرج والممثل المقتدر ، فهو هرم من أهرام المسرح في بلادنا ، وأنا تشرفت بالعمل إلى جانبه وسيكون شرفا مضاعفا لو قدر لي أن أشاركه في أعمال أخرى ، عاجل مسرحي محترف يمتاز بأخلاق رفيعة وتواضع كبير وأنا معجبة به كفنان وأخ وصديق حسن واعراب ( أستاذ ، صديق عبد الإله عاجل ) تعرفت عليه وربطت بيننا صداقة عميقة منذ الصغر ، فهو ابن الحي ، تعرفت عليه وهو يشق طريقه انطلاقا من الدرب والمدارس ودور الشباب والمخيمات الصيفية...يقوم بدور المنشط ، ومن هناك انطلق على صعيد الفن هو شخص لا يهتم بما هو مادي ، همه هو الوقوف فوق الخشبة ليعبر عما يختلج بنفسه ، وظل كذلك عندما أصبح نجما ، يعبر عن معاناة الناس والواقع شاهدت جميع أعماله ، وجلها كنت أشارك إلى جانبه في الإعداد لها منذ أن أصبحت عضوا في مكتب جمعية مسرح الكاف وتحملن مسؤولية الكاتب العام ، وأسندت لي مهام العلاقات العامة والمحافظة العامة . تعلمت منه الكثير على الصعيد التقني ، وعرفت عن كثب مقدار المجهود الذي يبذله ، فهو فنان كبير ومبدع مبتكر، وقد ساهم في تأطير وتكوين العديد من الممثلين وأعطي الكثير للساحة الفنية بالمغرب. سعيد لماني ( مستشار قانوني، صديق عبد الإله عاجل ) طلبت مني جريدة الاتحاد الاشتراكي شهادة في حقك و أفضلها أن تكون على شكل رسالة. عزيزي عاجل تحياتي الطيبة، عندما أعدت شريط علاقتنا أدركت مجددا أن الحياة تمر بسرعة مذهلة، فكيف لي أن أختزل علاقة عمرها أكثر من ربع قرن في كلمات قليلة .... أنت تعرف إعجابي بك كمخرج و ممثل مسرحي. و مشاعر الصداقة و العلاقات الإنسانية بيننا تتجاوز إطار هذه الزاوية من الشهادة. أتذكر تأسيس جمعية أصدقاء عاجل و فلان ، و أسفارنا المشتركة للجديدة و آسفي و مراكش و أكادير و ابن سليمان و طنجة و أحياء الدارالبيضاء ، و أذكر مشاركتك معنا في إطار النقابة الوطنية لمحترفي المسرح عندما رفضت لائحتها لانتخابات مجلس المستشارين و محكمة الرباط و الاعتصام بوزارة الداخلية، مرورا بحفل ولادة ابني الأصغر نزار و حفل زواج ابني الأكبر فجر الأمل ثم أخيرا و ليس آخرا لقاءاتنا الجميلة خلال العشر سنوات الأخيرة في أجمل مدن المغرب طنجة. القليلون يعرفون أنك إنسان خجول و متواضع و متعفف. خجلك في العلاقات اليومية و الإنسانية يتفجر جرأة و حنكة و سرعة بديهة على خشبة المسرح، تواضعك في العلاقات اليومية و الإنسانية لا يمنعك أن تصول و تجول على خشبة المسرح. تعففك أنا شاهد على رفضك ما كنت تسميه بالسعاية لكسب كريمة أو إشهار و تلك قصة أخرى. يؤسفني أن الحياة تبدو قصيرة جدا في بعض العلاقات المليئة بالصدق و الوفاء و التي فيها كما يقول الشاعر المصري «دليل الحب عمايل و كلام الحب قليل». مع مشاعر مودتي للزهرة و عصام و نزار. انتهى