قال عبد الحميد جماهري إن الشرط الثقافي حاضر بقوة في معركة المغرب الحديث. وأضاف عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي في كلمته بمناسبة افتتاح أشغال الملتقى الوطني الثالث للمبدعين والشعراء الشباب الذي نظمه فرع الشبيبة الاتحادية بالعرائش، بتنسيق مع المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية أيام 31 غشت و1 و2 شتنبر الماضي بالعرائش تحت شعار : «انتبهوا إنها لتجربة تستحق الاستمرار» تكريما لروح المرحوم توفيق العمراني الشاعر والزجال والكاتب العام للشبيبة الاتحادية بالعرائش سابقا، وعرفانا بالجميل لما أسداه الكتاب العامون للشبيبة الاتحادية على مر مراحلهم بحضور أعضاء الكتابة الجهوية للحزب وكتاب الأقاليم بالجهة وأعضاء مكاتب الفروع بالإقليم وأعضاء مكاتب فروع الشبيبة على المستوى الوطني وممثلي شبيبة اليسار وجمعيات المجتمع المدني وأعضاء المجلس الوطني للحزب وقيادات نقابية في الفيدرالية الديموقراطية للشغل، وأعضاء المجلس الوطني للحزب إضافة الى عائلة المرحوم المكرم: أخوه زكريا وأخته إيمان ووالداه المناضلان السيد مصطفى العمراني والسيدة رحيمو العمراني أنه ليس صدفة أن الإيمان بالبعد الثقافي في كل معركة هو إيمان ضروري لاستمرار النضال من أجل بناء دولة ديموقراطية حداثية ووطنية ذات سيادة. وأوضح أن الشرط الديموقراطي اليوم يستدعي الحضور أكثر من أي وقت مضى وأن الذين أسقطوه، وربما هم جزء من اليسار، أسقطوا بالفعل أداة حيوية مؤكدا أن الاتحاد - ومعه اليسار - كان دائما يكرر ويردد أن الهيمنة السياسية هي ابنة الهيمنة الثقافية، كما أنه اليوم أمام هذا المعطى الذي طالما آمن به لكن أسقطه في الحسابات في المسيرة، مستحضرا في هذا الصدد المرحوم توفيق وعلاقاته الإنسانية المباشرة الملحاحة، ومعتقدا أن وسائل الاتصال خلقت لهذا الفتى لكي يعبر لأصدقائه ولكل المثقفين عن حبه وارتباطه بهم ومدى تقديره لهم، مشيرا الى أن الشباب أنقذونا بحرارتهم وبحماسهم مرارا وتكرارا لكي لا تتكلس اللغة والقلب والممارسة السياسية إبان الحراك، وأعادوا البوصلة الى الاتجاه الصحيح وكانوا على مسافة متقدمة من الكثير من قيادات الإنسان، مشددا على أن الشباب هو الذي يصنع مستقبل المغرب وهو أيضا الحرارة علما بأن الشعوب التي تخسر شبابها غالبا ما تموت من البرد لأنها تفقد حرارة الشباب، معرجا في هذا الصدد بالقول إن السياسيين الذين يخافون من حماس الشباب هم في الغالب ما يعلنون تقاعدا مسبقا عن الممارسة وعن الأمل وعن الأفق المفتوح، مستحضرا في هذا السياق اعتقاد صاحب ديوان : «هاأنذا في الانتظار « أن الذي لا تدخله النفحة الشعرية وهو يمارس السياسة قد ينزلق الى الارتزاق. وحسب المتدخل فإن هناك شرطا أساسيا للمغرب وهو اليسار. وأوضح أن الذين يسقطون بكل صدق شرط توحيد اليسار في رسم الهندسة أو تخطيط البيان لمستقبل المغرب إنما هم في الحقيقة يسقطون ثلاث ضرورات ملحة اليوم : أولا ، هناك الضرورة الديموقراطية لوحدة اليسار ويعني بها امتدادات، وأيضا تيار سياسي ومجتمعي وجد في هذا المجتمع وناضل وقدم الكثير من التضحيات والكثير من الشهداء والأدبيات التي أصبحت اليوم جائعة، وكان اليسار هو الذي حملها واستنبتها في التربة المغربية وهي قيم الحداثة والديموقراطية والقيم الكونية، والذي كان ينعت آنذاك ويحارب على أساس أنه يستورد أفكارا أجنبية وغريبة وهاهم اليوم ، يقول جماهري ، كيف أن الجميع يحبذ ويصفق ويكرر مقولات وأدبيات اليسار . ثانيا ، اليسار ووحدته هو ضرورة وطنية لأن البلاد في حاجة بالفعل الى أن يستقيم التنافس السياسي داخل المغرب بين أطروحات وبين مكونات، علما بأن هناك اليوم نزوعا كبيرا نحو خلق كل الشروط لكي تلتقي أصولية الدولة مع أصولية المجتمع. وسيغيب آنذاك الفاعل اليساري والديموقراطي والليبيرالي والحداثي الذي له امتداداته وقوته الأخلاقية. وفي هذه الحالة، يرى عضو المكتب السياسي ،أنه يمكن أن نعبر عن التشاؤم أنه في حالة ما إذا نجحت هذه الوصفة فإننا سنكون أمام سنوات طويلة من الردة والجمود السياسي والقطيعة مع ما يحدث في العالم، أو إذا ما استمر اليسار في تشتته أو إذا ما أسقط شرط اليسار وأنه استمر وهذا سيناريو شوهد في الكثير من الدول ومنها الدول الجارة والدول التي كادت أن تصل فيها الحالة السياسية الى اليأس ، أنه ممكن جدا أن لا تلتقي الأطراف: أصولية المجتمع المتطرفة وأصولية الدولة المتطرفة وهذا يمكن أن يؤدي الى ما لا تحمد عقباه. ناهيك عن أن وحدة اليسار هي ضرورة حضارية لأنه المخاطب الحقيقي للعالم ولمؤسسات العالم، ملاحظا أنه اليوم هناك مسارات للتقوقع ولفصل المجتمع وللردة. وفي هذه الحالة ، يقول المتدخل، إذا ما نجح مشروع الردة فسنكون بالفعل أمام القطيعة مع العالم، مشيرا الى أن الذي يمكن أن يحمي هذا التواصل - والمغرب في حاجة إليه، لاسيما في قضاياه الوطنية وفي ترسيخ الديموقراطية - هو اليسار وليس هناك قوة لها امتداد شعبي ولها القوة الأخلاقية والخزان التاريخي مثل اليسار لكي يحمل بالفعل هذه الضرورة التاريخية والحضارية، مشعرا الحضور كيف أنه يتم استدعاء المشترك الأصولي من أجل توسيع الجبهة الأصولية في المجتمع. في المقابل ليس هناك استدعاء للرمزيات وللخزان الأدبي والأخلاقي والسياسي والنضالي لليسار من أجل القيام بمشروع مضاد. واستشهد في هذا الصدد بتصريحات الفقيه أحمد الريسوني الذي يستعمل اللاتاريخي للتاريخ بإلغائه خمسين سنة من النضال الديموقراطي باعتبار أن المغرب ولد يوم 25 نونبر . وفي رأي المتدخل أن هذا التصريح ليس مسألة زلة لسان أو هو نزوع أو حماس مفرط، بقدر ما هو المشروع المطروح أي إعادة استعمال اللاتاريخي للتاريخ ونفي الأشياء، والنضالات التي قام بها اليسار وقدمها منبها الى أننا اليوم أمام مهادنة بنوع من التواطؤ أو التنازل، لكنها مهادنة ليست بريئة. كما أن هناك من يسعى بالفعل ويعتبر أن القوة التحديثية هي قوى تغريرية، وأنه آن الأوان لكي تحل الأصولية داخل المجتمع وداخل الدولة محل هذا المشروع الديموقراطي الذي يقوده ويحمله اليسار، مستخلصا في هذا الصدد أن هناك نوعين من القوة : هناك القوة التي تقتات وتتغذى من إضعاف الشعب وقد تكون من داخل المجتمع أو من داخل الدولة نفسها . وهناك القوة التي تتغذى من قوة الشعب مشيرا في هذا السياق الى أن هناك اليوم سعيا بالفعل لقوة سياسية، ويمكن أن يكون فيها الحزب الأغلبي التي ستسعى الى قوتها وهيمنتها بناء على إضعاف السياسة الشعبية .وفي هذا الصدد تابع المغاربة ، يقول جماهري ، كيف تم التنازل كثيرا وكيف أن الأمور ذهبت الى حد اختزال التاريخ الطويل من التضحيات من أجل البناء الدستوري والديموقراطي الحقيقي للبلاد في حديث وفي خطاب ذاتي، وفي بلاغات سياسية لا تنتج أية ثقافة ديموقراطية . وفي هذه الحالة يكون المغاربة أمام السلطانية الشعبية التي تستند بالفعل إلى نتائج الانتخابات لكن من أجل إضعاف السيادة الشعبية دون أن ينسى في هذا السياق تبادل النقد الذاتي بين مكونات اليسار لاسترجاع كل القيم التي يكون ربما الزمن أو الممارسة السياسية قد أعطبتها بهذا القدر أو ذاك، ومذكرا بضرورة مساندة القوى الليبرالية الحقيقية والديموقراطية داخل المجتمع كلما تحققت هذه الأرضية على قاعدة التناسب التاريخي بين ما قدمه اليسار من تضحيات وما يجب أن يربحه من مكتسبات . من جهة أخرى، أكد محمد حفيظ الكاتب العام الأسبق للشبيبة الاتحادية أن ارتباطه بحزب المهدي بنبركة يرجع الى 1975 عندما تلقى خبر اغتيال عريس الشهداء عمر بن جلون على يد القوى الظلامية وعمره آنذاك لم يتجاوز الثامنة. ومنذ تلك اللحظة وهو مرتبط بحزب القوات الشعبية. وحسب حفيظ فإن مرحلة التحاقه بالشبيبة الاتحادية كانت في أواسط الثمانينات عندما شهدت هذه المنظمة الشبابية اندفاعة قوية، والتحاق أفواج هامة من الشباب الى صفوفها لصناعة مستقبل المغرب خاصة بعد حركية 20 فبراير التي استطاعت أن تعيد الروح الى قوة مجتمعية حية، ونجحت في أن توحد بين كل القوى اليسارية لرفع مطالب موحدة عبر طرح أسئلة الديموقراطية والدمقرطة ومحاربة الفساد لصناعة المستقبل. وفي رأيه أن المرحلة التي تحمل فيها المسؤولية في سنة 1998 لم تكن سهلة بسبب الفترة الانتقالية التي كان يجتازها المغرب عبر ما يصطلح عليه بحكومة التناوب، وأن الشبيبة الاتحادية استطاعت أن تعبر عن موقفها السياسي وتنخرط في عملها الشبابي من خلال أنشطتها وأوراشها، كما هو الحال مع موقفها من موقف الحزب من دستور 1996 ومن قيادة حكومة التناوب . من جهته يشاطر سفيان خيرات رأي حفيظ ويشدد في كلمته أن الفترة التي قضاها على رأس الشبيبة الاتحادية كانت صعبة في لحظة صعبة هي لحظة التناوب السياسي .وعندما يرجع الى تلك اللحظة يشير سفيان الى أنه كان هناك اختلاف في تقدير طبيعة تلك اللحظة وتلك التجربة الاتحادية، داعيا اليوم الى إعادة القراءة الجماعية لها لأنها هي الأساس الذي يمكن أن يبنى عليه اليسار بكل مكوناته عبر الدعوة الى : * خلق إطار للتفكير في هذا المسار الجماعي ؛ * ضرورة خلق أفق جديد لمعنى الانتماء لقيم اليسار والتي هي قيم الحرية والديموقراطية لفتح آفاق جديدة لمعنى هذا الانتماء مع ضرورة تحديد الخصوم والأعداء. أما بالنسبة الى حسن طارق، فإن مرحلة الشبيبة الاتحادية لم تكن مرورا عابرا، ولم تكن فقط منظمة انتمى إليها مناضلون وشباب فقط ولكنها كانت تعبر عن هوية وعنوان على اختيار سياسي عميق والتزام بقضايا البلاد قضايا التقدم والعدالة الاجتماعية. إنها حياة حسب تعبيره بكل رموزها وتاريخها كما أنها تجربة إنسانية للتعايش وشراكة من أجل حلم بمغرب آخر : مغرب أكثر عدلا وأكثر جمالا، مضيفا أن المطلوب منها في ذلك الوقت لم يكن تبادل الأدوار وبدقة التكتيكات السياسية المناورة، وإنما كان المؤمل فيها هو قلب الطاولة والرغبة في التمرد وفي الجنوح كما يليق بكل الأشياء : أن تقول ما تؤمن به وأن لا تستكين الى القوى والى الحسابات الضيقة كما لو أنها تعبير عن حلم جماعي أو يوتوبيا جماعية، مما جعلها تؤدي ضريبة لحزب لم يستطع أن يدبر تحوله بهدوء . الى جانب ذلك أبرز محمد غدان المرحلة التي كان فيها رئيسا للشبيبة الاتحادية، والتي كانت تتسم بمهاجمة الحزب من طرف اللوبيات المتعددة في الوقت الذي صمدت فيه هذه المنظمة الشبابية وقاومت بضراوة، لكن انسحابه من الحزب والتحاقه بالأصالة والمعاصرة جعله يعيش انفصام الشخصية بسبب ارتباطه الإنساني العميق مع رفاق له طوال 25 سنة، مما تسبب له في غربة، موضحا أنه حاول استدراك الأخطاء عبر الاشتغال مع جمعيات المجتمع المدني وتجاوز هذه الوضعية الاغترابية . من جانبه أقام علي الغنبوري مقارنة لهذه المنظمة الشبابية في عهد محمد الساسي الذي تميز بالمبادرات والقوة وزرع الجذور، وما تعيشه الآن من ترهل وحصار، مقترحا في هذا الصدد ضرورة وحدة اليسار ومساندة القوى الليبرالية لمواجهة خطر الأصولية، متوقفا في هذا الصدد عند المبادرات التي كان يقوم بها أعضاء الشبيبة الاتحادية لخدمة القضايا الوطنية خاصة قضية الصحراء المغربية . في هذا الإطار ، ألقى زكريا العمراني أخ المرحوم المكرم توفيق العمراني كلمة رقيقة شكر فيها الجهة المنظمة التي كرمت أخاه، معتبرا أن هذه التجربة يمكن وضعها في خانة المبادرات الطموحة التي عرفت وتعرف دائما وأدا محتوما، ودعا لها بطول العمر والاستمرارية متمنيا أن تبقى مشرعة على حلم طموح من أحلام الراحل توفيق، حلم الكتابة الحرة الجميلة والهادفة . يونس القادري الكاتب العام للشبيبة الاتحادية أوضح من جهته أن إحياء الملتقى الوطني للشعراء الشباب في صيغته الحالية يهدف الى استحضار البعد، الثقافي الذي تم تغييبه في مسيرة هذه المنظمة الشبابية والى تجميع شتات الأسرة الاتحادية بمختلف ألوانها لتقود قاطرة وحدة اليسار مع إثبات قدرة هذه المنظمة الشبابية على تحصين استقلالية قرارها السياسي والثقافي، مؤملا أن يكون هذا الملتقى محطة سنوية في أجندة الشبيبة الاتحادية للعودة بها الى الهم الثقافي للتغلغل داخل المجتمع والشباب بشكل عام . الملتقى شهد في يومه الثاني تنظيم ورشتين : الأولى تناولت تاريخ منظمة الشبيبة الاتحادية وما عرفته من مد وجزر في مراحلها المختلفة، حيث تم طرح مقترحات وتوصيات في هذا الصدد لإرجاع هذه المنظمة الى ألقها الثقافي والسياسي ؛أما الثانية فقد اقتصرت على قراءة قصائد شعرية لشعراء وزجالين من بينهم : محمد الباكي والحاج الجباري وعبد السلام السلطاني وعبد السلام الصروخ وأحمد الدمناتي وكريم السليماني وخولة تنين وحمزة التهامي وعبد الرحمن الراجي وآخرين، إضافة الى مشاركة إيمان أخت الراحل توفيق العمراني وأخيه زكريا الذي ألقى أغنية من كلمات وتلحين المرحوم . الملتقى تميز أيضا بإهداء لوحات تذكارية الى الكتاب العامين للشبيبة الاتحادية والى أسرة الفقيد توفيق في جو حميمي أسري رائع موسوم بالشاعرية والكلمة الصادقة، كما كان أيضا مناسبة لزيارة الوفد الشبابي موقع ليكسوس الأثري وتنظيم رحلة استجمامية الى شاطئ رأس الرمل بالعرائش.