وجوه وحّد الحزن والشحوب قسمات وجوههم ، من مختلف الأعمار ومن الجنسين، ذكورا وإناثا، كبارا وصغارا، الكل أصبح يحمل همّا ومطلبا واحدا في الحياة لا اثنين، إسقاط «البرّاكة» والرحيل من الواقع المزري الذي يرخي بظلاله على حياتهم بتفاصيلها اليومية، ما دامت هذه «البرّاكة» هي أصل كل شرّ وكل نقطة سوداء تمر بهم في الحياة، والتي تأبى إلا أن تلازمهم كظلهم رغم عشرات السنين من أعمارهم التي قضوها فيها، في الوقت الذي ماتزال فيه عيون بريئة تفتح على مشهدها بمجرد رؤيتها لنور الدنيا. بؤس، ضنك العيش، أنين القهر و»الحكرة»، إجرام ومخدرات، نفايات وأمراض، حرارة مفرطة صيفا وبرد قارس وقاس شتاء، اكتظاظ، حيف وإقصاء اجتماعي وهشاشة بامتياز، إنها بعض عناوين/ملامح يوميات «الرحمانيين» بهذا «الكاريان» الصفيحي المتواجد بمقاطعة سيدي مومن، والذي لم يتم التعامل معه بالجدية المطلوبة، وتم تهميشه ومن خلاله تهميش أكثر من 20 ألف نسمة، وأكثر من 6 آلاف أسرة، في وقت برمجت أحياء صفيحية مجاورة له ضمن برنامج «مدن بدون صفيح»، في حين استثني هو ولم تشمله «سياسة المدينة» ؟ سكان «كاريان» الرحامنة القصديري طرقوا كل الابواب وسلكوا كل السبل وجربوا كل المساعي التواصلية لعرض شكاواهم على المسؤولين إلا أنهم لم يجدوا آذانا صاغية، لكنهم لم يكلموا من المطالبة بحقهم في سكن لائق يحترم آدميتهم وكرامتهم، فراسلوا المسؤولين المركزيين بما أن المحليين لم يجدوا لهم حلولا، ومن بين من كاتبوهم رئيس الحكومة، وزير السكنى والتعمير، وزير الداخلية، إلا أنه تبين لهم، وفقا لشهادات عدد منهم، «أن أجندات هؤلاء المسؤولين في الحكومة المغربية لاحيز فيها لسكان «الرحامنة» ولمطلبهم! نظم قاطنوا «الرحامنة» الوقفة تلو الأخرى، ثم انتقلوا إلى تنظيم مسيرات، وهي الأشكال الاحتجاجية التي ارتفعت حدتها منذ أكثر من سنة ونصف، والتي كانت تنطلق في البداية بمشاركة مئات المحتجين، قبل أن يرتفع العدد ليصل إلى آلاف المتظاهرين المطالبين بتوفير العيش الكريم لهم من خلال منحهم سكنا محترما، وهم الذين وجدوا أنفسهم أبواب سوق الشغل توصد في وجوههم لمجرد انتمائهم إلى هذه الرقعة الجغرافية المنسية والمقصية؟ أزيد من 23 مسيرة انطلقت منذ شهر فبراير من السنة الجارية وإلى غاية متم شهر يونيو، من «كاريان» الرحامنة في اتجاه الملحقة الإدارية، المقاطعة الجماعية لسيدي مومن والعمالة، تطالب ب « الحق في السكن وبمحاسبة المتسببين في بيع الأراضي وتفويتها بأثمنة رمزية للوبيات العقار ..»، منددة بتهميش ملف السكان و ب « سياسة الحكرة التي تنهجها الجهات المعنية في حقهم...»، ومع ذلك لم تتضح أية خطوة عملية لطي هذا الملف وحل مشاكله، باستثناء اللقاء الذي استدعي له بعض أعضاء لجنة الحوار يوم الجمعة 22 يونيو بمقر الملحقة الإدارية جوهرة 71، والذي أكد فيه المسؤولون على التزامهم بتقديم جواب صريح عن تاريخ إعادة إيواء ساكني هذا الحي القصديري وذلك خلال شهرين، حيث تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين من أجل إيقاف المسيرات الأسبوعية مرحليا لإعطاء الفرصة لفتح قنوات الحوار والتواصل مع مختلف المتدخلين. وبذلك تقرر التعليق المؤقت والمرحلي للأشكال الاحتجاجية لسكان «كاريان» الرحامنة إلى حين التأكد من مدى جدية وصدق التزامات الجهات التي حاورت ممثلي السكان التي وعدت بالتدخل لإنهاء سنوات من المعاناة والمحنة المشتركة بين الصغار والكبار في هذا الكاريان الصفيحي، ينتظر منها ان تتحقق وان يتم تفعيلها، وألا تكون مجرد كلام عابر في لحظة لامتصاص هذه الاحتجاجات.