{ يبدو أنك وصلت إلى الانعطافة الجوهرية التي ستحكم كل مسارك الشخصيو حياتك أيضا .. ؟ صدقني .. كنت أبحث عن آفاق جديدة .. ليس تغيير الأجواء، فالمغرب بلد جميل جدا. كباقي جيلي .. جيل السبعينات من القرن الماضي ، غُلِّقَتِ الأبواب .. ما تزال إيطاليا فاتحة أبوابها في أوروبا ..قررت الرحيل .. { أين كانت الوجهة ..؟ كي أضعك في الصورة.. كان أخي يونس المحتجز الحالي في غوانتانامو قد سافر إلى أفغانستان لحاقا بأختي و زوجها .. و اشتغل في نهاية الثمانينات في هيئات إغاثية بين أفغانستان و باكستان .. كان يسير تجارته أيضا بين سوريا و تركيا .. و حدثني غير ما مرة على أن العمل في هذا المحور بين الشرقين الأدنى و الأقصى .. و البحث عن سبل الرزق جد متوفرة و متاحة في هذه البلدان .. كان كل هذا حافزا لكي تصبح فكرة السفر مهيمنة على تفكيري .. رغم أن ما حز في نفسي وقتها، أن أترك أبي و أمي و أبتعد عن بيت الأسرة .. لقد كان قرارا صعبا على شاب مازال يلتقط تفاصيل سنواته الأربع و العشرين.. بصعوبة، بدوخة، و بتوتر أيضا. { من سوق العفاريت ل «الطيارة»... لأسطنبول ..؟ «يضحك» .. عشية السفر امتطيت حافلة الستيام إلى البيضاء ، و منها إلى مطار محمد الخامس ، أذكر أنه كان يوما قائظا من شهر غشت 1999 ، ما إن صعدت على متن الطائرة ، «شدني القرد» .. في السماء كانت الأسئلة تتزاحم أمام ناظري.. دون أجوبة محددة و مركزة .. يا إلهي إلى أين أنا ذاهب .. هل أخطأت .. لماذا تركت الوالدين و آسفي و بلدي .. ماذا سأجد هناك في الشرق .. هل سأتزوج ، هل سأجد شغلا .. هل سألقى كل شروط الاستقرار الممكنة في حياة أفضل من تلك التي تركتها في بلادي.. ؟؟ .. بدا لي ذلك السفر طويلا و شاقا من الناحية النفسية . حملت معي إلى اسطنبول .. بعضا من الحلوى التقليدية لأخي يونس الذي كان في استقبالي بمطار العاصمة المذكورة.. عندما حطت الطائرة.. حاصرني مرة ثانية هاجس الغربة و اللغة و مستقبل الأيام .. في جيبي أقل من 600 دولار، لن ينقذني من هذه الهواجس .. سوى البحث وسط الجموع المنتظرة في باحة المطار عن وجه أخي .. لقد كان هو العزاء الوحيد لهذه الدوخة التي استبدت بي . وصلنا البيت الذي يكتريه يونس و على مائدة شاي و حلوى «الماصبان» و «كعب غزال» الذي تميز أطباق و مطبخ آسفي .. غرقنا في حديث و نوستالجيا إلى أن تسربت تباشير و خيوط الصباح الأولى . { وجدت يونس أخاك الأكبر الذي ما يزال قابعا في سجن غوانتانامو متحمسا لمجيئك.. ماذا لو كنت تعلم حينها بمصيركما ..؟ (يضحك طويلا) .. لو كنت أعلم أنني سأعيش أياما سوداء و سنوات مغبرة بفعل التنكيل و العسف .. لبقيت في الحومة آخويا بآسفي ، أنا الآن في عملية نفسية مستمرة لمسح محنة أفغانستان و غوانتانامو .. و على الأقل أدفعها لتبدو لي مثل أي ذكرى ...